لا تبكِ على اللبن المسكوب.. اشكر الله على النهر الجاري

الأيام دُوَل، والحياة دولابٌ يدور لا يثبت على حال، ولا يُقيم وزناً لثبات، يومٌ لك وآخر عليك، سنونٌ سمان وأخرى عجاف، فلا تحزن إن أدار الزمان لك ظهره، فربما يدخر لك لحظة وجهه الأجمل في غدٍ لم يأتِ بعد.
لا تقف طويلًا عند حافة ما فات، لا تبكِ اللبن المسكوب، ولا تلُم روحك على ما لم تُحصّل مما في يد غيرك، فالوقت لا ينتظر الندم، والدنيا لا تتوقف لتواسي أحدًا، إن جلست على رصيف الحسرة، مرت بك الحياة دون أن تلوّح لك حتى من بعيد.
ابحث في تفاصيل يومك، فتش في زوايا حياتك، ستجد ما يستحق أن تفرح لأجله، ربما لم تملك ما تملكه أعين الناس، لكنك تملك ما لا يُشترى ولا يُباع: صحةٌ تُمكِّنك من الوقوف، أولادٌ يملأون بيتك ضحكًا وضجيجًا، بركةٌ في الرزق لا تُقاس بالأرقام، سترٌ يحميك من أعين الفضائح، حبٌ في قلوب الناس لا يُفرض ولا يُنتزع.
هي نعم كثيرة، لكنها صامتة، لا تُحدث ضجيجًا، ولا تطرق باب المقارنات، نِعم لا تُدوَّن على وسائل التواصل، لكنها تسكن عمق القلب، وتمنحك سكينة لا تشتريها خزائن الأرض، فاشكر الله عليها، قبل أن تُدرك قيمتها في غيابها.
لا تحصر نفسك في ضيق المقارنة، ولا تحبس روحك في زنزانة "ليته كان عندي"، فما عند الناس لهم، وما عندك لك، وربما في ما حُرمت منه رحمة، وفي ما تملكه نعمة لم تنتبه لها بعد.
افرح، لا لأن كل شيء كامل، بل لأن بين يديك ما يكفي لتكون ممتنًا، عش اللحظة، وازرع فيها شكرًا، لتُثمر لك غدًا رضا، لا تنتظر فرحًا كبيرًا، بل صَغِّر أحلامك قليلًا لتتناسب مع قلبك، واترك لبصيرتك أن تريك الجمال في التفاصيل.
وإذا ضاقت بك الأيام، فتذكّر أن الله يُداولها بين الناس، فإن أخذ منك اليوم، قد يعطيك غدًا، وإن بكى قلبك في محطة، فربما يضحك في الأخرى، فقط، لا تُغلق النوافذ، ولا تُطفئ الأنوار في قلبك.
في نهاية الأمر، لا نعيش بما نملك، بل بما نشعر، فاسعد بما في يدك، ولا تُفسد قلبك بما في يد غيرك، الدنيا وإن ضحكت لغيرك، لا يعني أنها نسيتك، ربما فقط تؤجّل فرحتك لتكون أجمل.
Trending Plus