بين تباهى واشنطن وطموح بكين البطيء.. لمن يبتسم المستقبل ويمنحه الهيمنة على العالم؟.. الاتفاق التجاري يضع التنين الصيني في المقدمة.. البيت الأبيض يستغل مفاوضات التجارة الثنائية لعزلها.. والصين تسعى لتجنب الصراع

الحرب التجارية بين الصين وأمريكا
الحرب التجارية بين الصين وأمريكا
كتب رامى محي الدين – أحمد عرفة

- الولايات المتحدة تتفوق في القيمة الإجمالية وتظل الصين متقدمة في القوة الشرائية

- بكين تتفوق في حجم القوة العاملة وواشنطن تستفيد من إنتاجية أعلى للعامل الواحد

- الولايات المتحدة تهيمن على الخدمات والابتكار أمام تفوق صيني في الإنتاج الصناعي

- بكين تتفوق في حجم التجارة والفائض التجاري وواشنطن تعاني من عجز مزمن وتحتفظ بميزة في المنتجات ذات القيمة المضافة العالية

 

نادر رونج المحلل السياسي الصيني:

• الموقف الصيني جعل الولايات المتحدة تقوم بتغيير سياساتها ومواقفها

• بكين لا تريد الخوض في هذه الحرب لكنها لن تتخلى عن مصالحها

• المستقبل سيكون للصين على الولايات المتحدة لأن بكين تتطور في كل المجالات

إيرينا تسوكرمان عضو الحزب الجمهورى الأمريكي:

• لم يبدُ الأمر انتصارًا دراماتيكيًا لأيٍّ من الجانبين .. فقط عملاقان اقتصاديان يتراجعان على مضض من حافة الهاوية الجمركية

• لا تزال واشنطن تسيطر على النظام المالي العالمي

• لا تزال الولايات المتحدة تملك زمام المبادرة لكن الصين تحفر نفقًا تحت الأرض

• لن يكون التفوق في القرن الحادي والعشرين مرتبطًا بمن يمتلك الناتج المحلي الإجمالي الأكبر

• لا تراهن على فوز أيٍّ من الجانبين بشكل قاطع

 

الدكتور عمرو حسين الباحث في العلاقات الدولية

• الاتفاق التجارى بين الصين وواشنطن خطوة واقعية تعكس المصالح المتبادلة بين الطرفين

• الصين تحقق تقدمًا بارزًا والولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بتفوق بنيوي في مجالات متعددة

 

إحسان الخطيب عضو مجلس الشيوخ الأمريكي:

• لا استسلام من أي طرف كلاهما بحاجة للآخر

 

الدكتورة نادية حلمى الخبيرة في الشئون الصينية:

• لا رابح فى حروب التعريفات الجمركية أو الحروب التجارية

• البيت الأبيض سيستخدم مفاوضات التجارة الثنائية لعزل الصين


استحوذت الرسوم الجمركية التي فرضها دونالد ترامب على الصين اهتمام العالم أجمع، بل كان لها تداعيات اقتصادية سلبية على كل الدول، استمر الصراع بين البلدين الأقوى اقتصاديا في العالم لعدة أيام قبل أن يتراجع الرئيس الأمريكي ويخفض الرسوم وترد بكين بالمثل، في ظل تحولات عالمية متسارعة وتوازنات قوى يعاد تشكيلها، هذا المشهد يطرح سؤالا بقوة: لمن يكون المستقبل؟

لم يعد هذا السؤال مستغربا رغم تأكيد الرئيس الأمريكي بأن بلاده ستظل القوى الأكبر اقتصاديا حول العالم، إلا أن مقال رأي نشرته صحيفة نيويورك تايمز في 19 مايو وصفت فيه بكين بأنها ستكون القرن الصيني – في إشارة إلى تربعها على عرش القوى الأكبر في العالم مستقبلا – محذرة الولايات المتحدة وإدارتها من التقديم الكبير الذي يحققه التنين الصيني في العديد من المجالات وتفوقه على واشنطن خلال الفترة الأخيرة بكثير من القطاعات.


مؤشرات على عودة الحرب الاقتصادية بعد هدنة مؤقتة


الاتفاق الأمريكي الصيني الأخير بشأن الرسوم الجمركية محفوف بالمخاطر وقد يشتغل الصراع الاقتصادي من جديد في أية لحظة، خاصة مع تصريحات ترامب الأخيرة عبر موقعه الرسمي "تروث سوشيال"، الصادرة في 30 مايو – أي بعد حوالى أسبوعين من تراجعه عن القرارات الاقتصادية ضد بكين – حيث قال الرئيس الأمريكي :" الصين كانت على شفا خطر اقتصادي جسيم نتيجة الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضها على صادراتها إلى الولايات المتحدة، ما جعل من الصعب دخول المنتجات الصينية إلى أكبر سوق في العالم، وواشنطن قطعت علاقتها التجارية مع بكين بشكل مفاجئ، وهو ما أدى إلى إغلاق العديد من المصانع واندلاع اضطرابات داخلية في الصين.

وأضاف: "رأيت ما كان يحدث هناك ولم يعجبني، ليس من أجلنا بل من أجلهم، وبادرت إلى إبرام صفقة سريعة مع الصين لتجنيبها الانهيار، ما ساهم في استقرار الأوضاع وعودة النشاط الاقتصادي الصيني إلى طبيعته، لكن الخبر السيئ هو أن بكين انتهكت بالكامل الاتفاق المبرم، ولا جدوى من لعب دور الرجل اللطيف بعد الآن.

تصريحات ترامب الأخيرة تحمل العديد من المؤشرات بشأن إمكانية عودة الحرب الاقتصادية قريبا، بعدما تبعها تصريحات للممثل التجاري الأمريكي، جيميسون جرير، الذي قال للإعلام الأمريكي :"نحن قلقون للغاية بشأن عدم امتثال الصين للاتفاق التجاري المؤقت، حيث يمكن توسيع نطاق الرسوم الجمركية ضد الصين إذا اقتضت الضرورة، والولايات المتحدة قامت بما يجب عليها فعله تمامًا، بينما يتباطأ الصينيون في تنفيذ التزاماتهم، وهذا غير مقبول على الإطلاق ويجب معالجته".

هذا التطور الأخير يفرض علينا الحديث يدفعنا للسؤال عن من سيفوز في تلك الحرب حال اشتعالها من جديد؟ وأوراق القوة التي تتمتع بها كل دولة عن الأخرى قد تستخدمها في جعل الصراع يذهب لصالحها، وكذلك ما الذي تخفيه السنوات المقبلة مع خفوت واشتعال هذا النزاع التجاري من حين لآخر والمرشح للتصاعد بقوة خلال فترة ولاية ترامب؟ هل تظل الولايات المتحدة القوة المهيمنة على النظام العالمي أم أن الصين ستتقدم بثبات نحو القمة وتزيح واشنطن؟.

 

تغريدة ترامب ضد الصين
تغريدة ترامب ضد الصين

 

الاقتصاد في قلب الصراع


تمتلك الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم، بقيمة تتجاوز 26 تريليون دولار، وتتصدر عالم التكنولوجيا، والابتكار، والخدمات المالية، ولكن مع ذلك، فإن الصين تلاحقها بسرعة، وقد أصبحت ثاني أكبر اقتصاد عالمي، معتمدة على التصنيع، التصدير، والاستثمار في البنية التحتية داخل وخارج حدودها.

بحسب صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يتجاوز الناتج المحلي الصيني نظيره الأمريكي من حيث تعادل القوة الشرائية خلال العقد القادم، ما يثير تساؤلات حول طبيعة الريادة الاقتصادية المستقبلية.

 

 

مقارنة بين الناتج المحلى والصادرات والواردات بين الولايات المتحدة والصين
مقارنة بين الناتج المحلى والصادرات والواردات بين الولايات المتحدة والصين

مقارنة بين الاقتصاد الصيني والأمريكي


من خلال مقارنة بسيطة بين الاقتصاد الصيني والأمريكي بعد الاطلاع على عدد من المواقع الأجنبية المتخصصة في رصد اقتصاديات العالم، سنجد أن الناتج المحلي الإجمالى لدى الولايات المتحدة وفقا لتقديرات عام 2025، يبلغ حوالي 28 تريليون دولار، مما يجعلها لا تزال أكبر اقتصاد في العالم من حيث القيمة الأسمية، والنمو الاقتصادي يتراوح بين 2-2.5% سنوياً، مدفوعاً بالابتكار التكنولوجي والاستهلاك الداخلي القوي، بينما يقدر الناتج المحلي الإجمالي الصيني بحوالي 20 تريليون دولار في 2025، محتلاً المرتبة الثانية عالميا، بمعدل النمو يتباطأ إلى حوالي 4-5%، متأثراً بتراجع الصادرات وأزمة العقارات المستمرة منذ 2021.

 

انفو مقارنة بين الاقتصاد الأمريكي والصيني
انفو مقارنة بين الاقتصاد الأمريكي والصيني

 

وفي  القوة العاملة، سنجد أنه في الولايات المتحدة، يبلغ عدد السكان حوالي 345 مليون نسمة في 2025، مع قوة عاملة تقدر بـ 165 مليون شخص، ووصول معدل البطالة عند 4%، لكن الاقتصاد يعاني من شيخوخة السكان وانخفاض معدل المواليد، بينما الصين يصل عدد سكانها إلى 1.4 مليار نسمة، وتمتلك قوة عاملة ضخمة تقارب 750 مليون شخص، لكنها تواجه أزمة ديموجرافية أكثر حدة بسبب سياسة الطفل الواحد السابقة، حيث يتوقع أن ينخفض عدد السكان إلى 1.3 مليار بحلول 2035، مع ارتفاع نسبة كبار السن إلى 25%.

 

مقارنة بين اقتصاد واشنطن وبكين
مقارنة بين اقتصاد واشنطن وبكين

 

واقتصاديا فإن الاقتصاد الأمريكي يعتمد بشكل كبير على قطاع الخدمات 80% من الناتج المحلي، بما في ذلك التكنولوجيا التمويل، والرعاية الصحية، بينما قطاع الصناعة يشكل 18% فقط، مع تركيز على التصنيع عالي التقنية مثل الطائرات والسيارات الكهربائية، الزراعة تساهم بأقل من 2% لكنها متقدمة تكنولوجيا، على الجانب الأخر تعتمد الصين على الصناعة بنسبة 40% من ناتجها المحلي، مما يجعلها مصنع العالم في مجالات مثل الإلكترونيات والمنسوجات، بينما قطاع الخدمات يشكل 50% وتساهم الزراعة بنسبة 10%، مع إنتاج ضخم للغذاء لتلبية الطلب المحلي.

وفي مجال التجارة الخارجية تبلغ الصادرات الأمريكية في 2025، حوالي 2.8 تريليون دولار، مع التركيز على التكنولوجيا، المنتجات الزراعية، والطاقة، بينما الواردات تصل إلى 3.5 تريليون دولار، مما يؤدي إلى عجز تجاري مستمر 700 مليار دولار، فيما تقدر الصادرات الصينية  3.6 تريليون دولار، مع التركيز على السلع الاستهلاكية والإلكترونيات، بينما تبلغ الواردات 2.9 تريليون دولار، مما يحقق فائضاً تجارياً 700 مليار دولار.

 

 

وإذا انتقلنا إلى الدين العام ، فإنه في الولايات المتحدة يصل إلى 35 تريليون دولار في 2025 أي 125% من الناتج المحلي، مدفوعاً بالإنفاق الحكومي والتحفيز الاقتصادي، بينما الدين العام الصيني يبلغ حوالي 15 تريليون دولار أي 75% من الناتج المحلي، لكن الدين الكلي يصل إلى 300% من الناتج المحلي، خاصة بسبب أزمة العقارات.

 

 
مقارنة بين الاقتصاد الأمريكي والصيني
مقارنة بين الاقتصاد الأمريكي والصيني

وبحسب تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في أبريل 2025 ، فإن الصين ستكون المساهم الأكبر في النمو العالمي خلال السنوات الخمس المقبلة، بنسبة 23%، ارتفاعاً من 21.7% قبل ستة أشهر، بينما على الرغم من تراجع مساهمة الولايات المتحدة الأمريكي  المتوقعة فإنها لا تزال مُرشحة لتقديم مساهمة أكبر من الاتحاد الأوروبي، حيث يتوقع الصندوق أن يتسع هذا الفارق قليلاً على أساس سنوي خلال السنوات المقبلة.

 


صادرات الصين للولايات المتحدة


تمثل الصادرات الصينية التي تصل إلى السوق الأمريكي نسبة كبيرة من الصادرات حول العالم، فبحسب الجمارك الصينية وموقع USITC، والذي نقل عنهم موقع CNBC العربية، فإن الولايات المتحدة تستحوذ على نسبة كبيرة من صادرات الصين في عدد من القطاعات الحيوية، فعلى سبيل المثال في مجال الإلكترونيات الاستهلاكية، تمثل صادرات بكين لواشنطن نحو 22%  بحوالي 96 مليار دولار بحسب بيانات 2023، بينما في مجال الأجهزة المنزلية، فتصل النسبة إلى 19% بقيمة 24 مليار دولار، بعدها الملابس والمنسوجات، بنسبة 17% بقيمة 68 مليار دولار، وقطاع الأجهزة الطبية والبصرية، بنسبة 17% أيضا، يليها الآلات التقليدية المستخدمة في البناء والصناعة، بنسبة 13% بقيمة 33 مليار دولار، وبنفس النسبة في قطاع المعدات الكهربائية.

 

صادرات الصين للولايات المتحدة
صادرات الصين للولايات المتحدة

 

صادرات الولايات المتحدة للصين


على الجانب الأخر، فبحسب بيانات مكتب التمثل التجاري الأمريكي، فإن حجم التبادل التجاري في السلع بين البلدين خلال عام 2024 بلغ نحو 582.4 مليار دولار، ووصلت قيمة صادرات واشنطن لبكين لـ 143.5 مليار دولار، بانخفاض قدره 2.9% مقارنة بعام 2023، وتنوعت بين الحبوب والبذور الزيتية بـ 18.5 مليار دولار، يليه النفط والغاز بـ 17.6 مليار دولار، والتعليم والوسائل التعليمية بـ 13 مليار دولار، والأدوية بـ 11.3 مليار دولار، وقطع غيار ومعدات الطيران بـ 6.8 مليارات دولار وكذلك أدوات الملاحة بـ 6.8 مليارات دولار.

 
صادرات الولايات المتحدة إلى الصين
صادرات الولايات المتحدة إلى الصين

 

التكنولوجيا: ساحة المنافسة الجديدة


من الذكاء الاصطناعي إلى شبكات الجيل الخامس، تخوض الدولتان حربًا باردة جديدة في المجال التكنولوجي. بينما تحتفظ أمريكا بتفوق واضح في شركات مثل Google وApple وMicrosoft، تسعى الصين بقوة للريادة عبر شركات مثل Huawei وTikTok وAlibaba، مدعومة برؤية حكومية استراتيجية.
وفرضت الولايات المتحدة، قيود على صادرات الرقائق الإلكترونية للصين، لترد بكين بتقييد المعادن النادرة، وهو يكشف أن التكنولوجيا لم تعد مجرد أداة نمو، بل سلاح استراتيجي.

النفوذ العسكري والسياسي


ما زالت الولايات المتحدة تمتلك أقوى جيش في العالم وقواعد عسكرية في أكثر من 70 دولة، أما الصين فهي تسير على خطى "قوة عظمى صاعدة"، مع تحديث جيشها وتمدد نفوذها في بحر الصين الجنوبي وعبر "مبادرة الحزام والطريق"، التي تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا بمشاريع عملاقة، ولكن لا يقاس النفوذ بالقوة العسكرية فقط، بل بالقدرة على التأثير في السياسات العالمية، وهنا تظهر الصين كلاعب دبلوماسي حذر، في مقابل انخراط أمريكي مباشر ومتصاعد في الأزمات.

مقارنة بين القوة العسكرية الأمريكية والصينية


وعند مقارنة القوة العسكرية الأمريكية أمام منافستها الصينية، فإنه وفقا لما نشرته شبكة CNN الأمريكية في عام 2021، يصل عدد أفراد الجيش الأمريكي إلى 2.245 مليون جندي بينهم 845.500 في قوات الاحتياط، كما يمتلك 13233 طائرة حربية، بينها 1956 مقاتلة، و761 طائرة هجومية، وأكثر من 945 طائرة شحن عسكري، بجانب 2765 طائرة تدريب، و5436 مروحية عسكرية منها 904 مروحية هجومية.

وكذلك يمتلك الجيش الأمريكي أكثر من 6100 دبابة و40 ألف مدرعة و1500 مدفع ذاتي الحركة وأكثر من 1340 مدفعا ميدانيا، بجانب 1365 راجمة صواريخ، ومن من حيث القوة البحرية، يضم الأسطول البحري الأمريكي 490 قطعة بحرية منها 11 حاملة طائرات و92 مدمرة و68 غواصة، إضافة إلى 8 كاسحات ألغام، كما تبلغ ميزانية الدفاع ومعدل الانفاق السنوي للجيش الأمريكي 740 مليار دولار.

في المقابل يصل تعداد جنود الجيش الصيني في الخدمة 3,355 مليون جندي، إضافة إلى 510 آلاف جندي في قوات الاحتياط، كما يمتلك أكثر من 3260 طائرة حربية بينها 1200 مقاتلة، و371 طائرة هجومية، كما يمتلك الجيش الصيني 902 مروحية عسكرية منها 327 مروحية هجومية.

وكذلك يمتلك الجيش الصيني 3205 دبابة، وأكثر من 35 ألف مدرعة، ومن حيث عدد المدافع يمتلك الجيش الصيني أكثر من 1970 مدفعا ذاتي الحركة، وقرابة 1234 مدفع ميداني، و2250 راجمة صواريخ، بينما فيما يتعلق بالقوة البحرية يتكون الأسطول الصيني من 777 قطعة بحرية منها حاملتي طائرات، و79 غواصة، و50 مدمرة و46 فرقاطة و36 كاسحة ألغام، وتبلغ ميزانية الدفاع ومعدل الانفاق السنوي للجيش الصيني 178 مليار دولار.

وبحسب تقرير لصحيفة التليجراف البريطانية في 26 مايو، يفتخر الجيش الصيني اليوم بتفوقه على الجيش الأمريكي بأكثر من مليون جندي كما أنه يمتلك الأسطول البحري الأكبر في العالم، بحوالي 400 سفينة حربية في حين زود سلاحه الجوي بما يقرب من 2000 طائرة مقاتلة، فيما خرج قبلها بأيام نائب مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، مايكل إليس، ليؤكد أن بكين أصبحت تهديدا وجوديا للأمن الأمريكي بطريقة لم نواجهها من قبل، حيث يثير قلق الولايات المتحدة التطور السريع الذي يحرزه التنين في قدراته النووية، خاصة أنه خلال عامي 2023 و2024، أضافت الصين 100 رأس حربي إلى ترسانتها، ليرتفع العدد إلى 600، ومن المتوقع أن يزيد عن 1000 بحلول 2030، بجانب امتلاك حوالي 400 من هذه الصواريخ هي صواريخ باليستية عابرة للقارات يمكنها الوصول إلى الولايات المتحدة من البر الرئيسي الصيني.

 

مقارنة بين القوة العسكرية الأمريكية والصينية
مقارنة بين القوة العسكرية الأمريكية والصينية

 

القيم والنموذج الحضاري


تروج الولايات المتحدة لنموذج الديمقراطية الليبرالية، بينما تقدم الصين نموذجًا يعتمد على "الاستقرار مقابل الحرية"، حيث الأولوية للتنمية والسلطة المركزية، وهو ما يجعل الصراع ليس فقط على الموارد، بل على النموذج الذي سيقود العالم في القرن الحادي والعشرين.

 

من يربح في النهاية؟


ويرى بعض المحللين أن المنافسة بين الصين وأمريكا ليست صفرية، وأن المستقبل قد يشهد "تعدد أقطاب" بدلًا من هيمنة قطب واحد، لكن المؤكد أن شكل العالم القادم سيتحدد من خلال هذه المنافسة، التي تجمع بين الاقتصاد، التكنولوجيا، الجغرافيا السياسية، وحتى الثقافة.

ويبقى السؤال: هل يملك العالم ترف انتظار الإجابة، أم أن ملامح المستقبل تتشكل الآن، دون أن نلاحظ؟ في هذا التحقيق نستعرض آراء بعض الخبراء السياسيين والاقتصاديين في هذا الشأن.

هنا يقول نادر رونج المحلل السياسي الصيني، إن الاتفاق بين الصين والولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية يأتي ليتفق مع تطلعات المنتجين والمستهلكين في كلا البلدين وتطلعات المجتمع الدولي ويمكن أن نقول أن الصين صمدت في هذه الحرب التجارية الخاصة بالرسوم الجمركية ودافعت عن حقوقها التنموية ودافعت عن نظام تجاري متعدد الأطراف

ويضيف في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"،  أن الولايات المتحدة هي من بادرت في رفع الرسوم الجمركية وبعد هذا الاتفاق تم خفض هذه الرسوم بشكل كبير، متابعا :"يمكن أن نقول أن الانتصار لبكين على واشنطن، وليس هناك كما أكدت الصين مرارا وتكرارا في مختلف المناسبات أنه لا يوجد فائز في الحرب التجارية وبكين لا تريد الخوض في هذه الحرب لكنها لن تتخلى عن مصالحها وكذلك ستدافع عنها حتى النهاية ".

"هذا الموقف الصيني جعل الولايات المتحدة تقوم بتغيير سياساتها ومواقفها ورأينا النتيجة خفض الرسوم بشكل كبير مع الصين"، هنا يوضح نادر رونج تأثير رد بكين على سياسات واشنطن.

 

نادر رونج
نادر رونج

 

ويحسم المحلل السياسي الصيني المسألة الخاصة لمن المستقبل بتأكيده أن المستقبل سيكون لبكين على واشنطن لأن بلاده تتطور في كل المجالات، خاصة أن بعض المجالات تشهد تفوق للصين على أمريكا، رغم أن الولايات المتحدة حتى الآن هي أكبر اقتصاديات العالم، لكن بكين تتقدم بشكل كبير وبصورة فائقة.

في 23 مايو الماضي، سلطت الصحف العالمية الضوء على تأكيد المفاوضين الصينيين التقدم نحو نهاية سلمية للخلافات التجارية العديدة بين بلادهم والولايات المتحدة، ولكن تحت السطح، تستعد بكين بهدوء لحرب اقتصادية طويلة الأمد، موضحة أن خوض بكين الآن حربًا سردية يشير إلى أن ما بدأ كنزاع تجاري بين القوتين العظميين الحقيقيتين الوحيدتين في العالم تحول لصراع إرادات سياسية، وهذا يعتمد على قدرة التنين الصيني على زيادة حصته من كعكة التصنيع العالمية رغم الرياح المعاكسة الداخلية والخارجية.

ونقلت حينها مجلة نيوزويك الأمريكية، عن ليو بينجيو، المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن قوله: "ستستمر الصناعة الصينية في النمو والتطور، على الولايات المتحدة أن تتنافس بانفتاح وشفافية، فالتعاون يؤدي إلى تقدم الجميع، الأرض واسعة بما يكفي لازدهار الصين والولايات المتحدة معًا".


حرب أمريكية ضد مواقع التجارة الإلكترونية الصينية

رغم الهدنة القائمة حاليا بين واشنطن وبكين بشأن الرسوم الجمركية، لكن لا زالت الإدارة الأمريكية تشن حربا على مواقع التجارة الإلكترونية الصينية، وهو ما أبرزه موقع أكسيوس الأمريكي في 14 مايو، بتأكيده أن إدارة دونالد ترامب تتخذ إجراءات صارمة ضد السلع الرخيصة للغاية التي تباع على مواقع التجارة الإلكترونية الصينية التي تحظى بشعبية كبيرة بين الأمريكيين، وهو التدقيق الجديد الذي ينتشر في جميع أنحاء العالم.

وبحسب الموقع الأمريكي، فإنه لأول مرة منذ أكثر من 80 عامًا، أصبحت الطرود منخفضة القيمة القادمة من الصين والمتجهة إلى الولايات المتحدة خاضعة للتعريفات الجمركية، حيث إنه حتى مع الإعفاء الجديد من اتفاقية التجارة مع الصين، فإن نهاية الثغرة تلحق الضرر بنماذج الأعمال الخاصة بالمواقع مثل Shein وTemu، والتي تعتمد على الدخول المعفى من الرسوم الجمركية لتقديم تكاليف منخفضة للمستهلكين.

وتواجه الطرود القادمة من بلدان أخرى نفس المصير، إذ يقترح مشروع قانون الضرائب في مجلس النواب أيضًا إلغاء الثغرة الضريبية بالكامل في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2027.

وكانت الطرود المرسلة مباشرة إلى المستهلك من الصين بقيمة 800 دولار أو أقل مستبعدة في السابق من التعريفات الجمركية، وهي ثغرة تسمى الإعفاء "الضئيل"، فيما ألغى الرئيس الأمريكي هذه السياسة، ثم أعاد فرضها، ثم ألغاها ، ورفع معدل التعريفة الجمركية، ثم ضاعفها ثلاث مرات ، ثم خفضها إلى النصف ، كل ذلك في الأشهر الأربعة الأخيرة.

 

الحرب الأمريكية الصينية على مدار سبع سنوات

الحرب الأمريكية الصينية التجارية ليست وليدة اللحظة، خاصة في عهد ترامب بل بدأت منذ سبع سنوات، حيث جاء إعلان خفض مؤقت للتعريفات الجمركية بين أمريكا والصين على الواردات ليس سوى الفصل الأخير في نزاع تجاري مستمر بدأ خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي الأولى.

النزاع التجاري بدأ في العام الثاني لولاية ترامب الأولى، فحينها التقى الرئيس الأمريكي بنظيره الصيني شي جين بينج في بكين، حيث اتفق الزعيمان على خطة مدتها 100 يوم للحوار التجاري، ونستعرض تاريخ هذا النزاع الذي شمل أيضا عهد الرئيس السابق جو بايدن.

يناير 2018


أعلنت إدارة ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على الخلايا الشمسية المستوردة، ورسوم جمركية تتراوح بين 20% و50% على بعض أنواع الغسالات. وتستهدف هذه الرسوم مجتمعةً واردات تزيد قيمتها عن 10 مليارات دولار، وفقًا لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي.

مارس 2018


ترامب يعلن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات العالمية من الصلب و10% على الألومنيوم.

أبريل 2018


ردّت بكين على الرسوم الجمركية على الألواح الشمسية والغسالات بفرض رسوم جمركية على واردات الولايات المتحدة من المعادن والفواكه والنبيذ، إضافةً إلى ذلك، أعلنت بكين عن رسوم إغراق بنسبة تقارب 180% على واردات الولايات المتحدة من محصول الذرة الرفيعة، وردّت الولايات المتحدة على الرسوم الجمركية الانتقامية بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على المنتجات الصينية في قطاعات الطيران والآلات والقطاع الطبي.

يونيو-أغسطس 2018


وتواصل الدولتان تبادل الرسوم الجمركية الانتقامية طوال الصيف، مما أثر على ما يقدر بنحو 250 مليار دولار من البضائع الصينية و110 مليار دولار من الواردات الأمريكية.

ديسمبر 2018-مايو 2019


ترامب يرفع الرسوم الجمركية على واردات صينية بقيمة 200 مليار دولار إلى 25 بالمئة بعد انهيار المفاوضات بين البلدين.

يناير 2020


توصلت الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق تجاري مؤقت يلزم الصين بزيادة مشترياتها من منتجات الطاقة والزراعة والخدمات الأمريكية بمقدار 200 مليار دولار.

يناير 2021


أدى جو بايدن اليمين الدستورية، واختار الإبقاء إلى حد كبير على الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الصينية، والتي فُرضت في عهد سلفه، حيث أوضحت الممثلة التجارية كاثرين تاي هذا القرار في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال في مارس.

فبراير 2022


مدد بايدن الرسوم الجمركية البالغة 15 %  التي فرضها ترامب على معدات الطاقة الشمسية المستوردة لمدة أربع سنوات، مما أدى إلى انتهاء صلاحيتها حتى عام 2026.

أكتوبر 2022


فرض بايدن قيودًا جديدة على تصدير أشباه الموصلات ومعدات تصنيع الرقائق إلى الصين، وهي القيود التي توسعت طوال ما تبقى من فترة رئاسته.

فبراير 2024


اقترح ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 60% على الواردات الصينية إذا أعيد انتخابه، مضيفًا: "ربما تكون أكثر من ذلك".

مايو 2024


زاد بايدن بشكل كبير الرسوم الجمركية على الألواح الشمسية الصينية والصلب والألمنيوم والأجهزة الطبية.

سبتمبر 2024


أعلنت الإدارة الأمريكية رفع الرسوم الجمركية المُعلن عنه في مايو، قائلة إنه اعتبارًا من 27 سبتمبر، سترتفع الرسوم إلى 100% على المركبات الكهربائية، و50% على الخلايا الشمسية، و25% على بطاريات المركبات الكهربائية، والمعادن الأساسية، والصلب، والألمنيوم، ورافعات السفن إلى الشاطئ.

يناير 2025


أدى ترامب اليمين الدستورية، ووعد في خطاب تنصيبه "بفرض رسوم جمركية وضرائب على الدول الأجنبية لإثراء الأمريكيين".

فبراير 2025


رفع ترامب الرسوم الجمركية على جميع الواردات الصينية بنسبة 10%. وردّت الصين بفرض رسوم جمركية تتراوح بين 10% و15% على منتجات الفحم والغاز الطبيعي المسال الأمريكية، بالإضافة إلى المعدات الزراعية، وأعلن أيضا عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع منتجات الصلب والألومنيوم الواردة إلى الولايات المتحدة، والتي تدخل حيز التنفيذ في منتصف مارس.

مارس 2025


رُفعت الرسوم الجمركية الصينية بنسبة 10% إضافية، لتصل إلى خط أساس قدره 20%، وردت بكين مجددا بفرض رسوم جمركية جديدة على المنتجات الزراعية الأمريكية، وفي أواخر شهر مارس، أعلن ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السيارات وبعض أجزاء السيارات، ودخلت الرسوم حيز التنفيذ في 3 أبريل.

أبريل 2025


في الثاني من أبريل، يوم التحرير، أعلن ترامب فرض رسوم جمركية متبادلة على عشرات من شركاء أمريكا التجاريين. فُرضت على الصين رسوم جمركية متبادلة بنسبة 34%، وذلك بسبب ما اعتبرته الإدارة الأمريكية رسومًا جمركية بنسبة 67% على الواردات الأمريكية، وردت الصين بإعلان فرض رسوم جمركية بنسبة 34% على السلع الأمريكية، إلى جانب ضوابط تصدير المعادن الأرضية النادرة، وهدّد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 50% إذا رفضت البلاد التراجع، كما أعلنت بكين عزمها على القتال حتى النهاية، ليفرض الرئيس الأمريكي الرسوم الجمركية التي هدد بها بنسبة 84%، ليرتفع إجمالي الرسوم الصينية إلى 104%.

مايو 2025


أثناء الإدلاء بشهادته أمام لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب في السادس من مايو، أعلن وزير الخزانة سكوت بيسنت أنه سيلتقي وفداً صينياً خلال زيارة إلى سويسرا، ثم تراجع ترامب عن رفع الرسوم الجمركية على بكين وترد الأخيرة بالمثل.


صراع أبدي لن ينتهي وواشنطن ترفض الزوال من القمة


في هذا السياق تؤكد إيرينا تسوكرمان عضو الحزب الجمهورى الأمريكي، أن هناك صراعا أبديا بين تباهي واشنطن وطموح بكين البطيء، مشبهة إياها بأنها نسخة القرن الحادي والعشرين من الحرب الباردة، ولكن مع أسلحة نووية أقل وبراءات اختراع تكنولوجية أكثر، وحظر أشباه الموصلات، وبطاريات ليثيوم متفجرة بشكل غامض، عندما تصافحت الولايات المتحدة والصين أخيرًا بشأن تلك الاتفاقية الاقتصادية التي طال انتظارها بشأن الرسوم الجمركية، لم يبدُ الأمر انتصارًا دراماتيكيًا لأي من الجانبين، ولكن بناءً على الجهة التي سألتها في واشنطن أو بكين، كانت العناوين الرئيسية إما تصرخ "ترامب يرضخ للصين" أو "شي جين بينج ينحني للضغط الأمريكي.

وتضيف عضو الحزب الجمهوري الأمريكي، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن صفقة ترامب بشأن الرسوم الجمركية ضد الصين بدت بمثابة خطوة ترامبية تقليدية، حيث إعلان أزمة، وتصعيدها حتى تصاب وول ستريت بالذعر، ثم الانقضاض بتسوية وصفها بأنها "أعظم صفقة في التاريخ"، من جانبها، وافقت الصين على شراء المزيد من فول الصويا، والتصدي لسرقة الملكية الفكرية مجددا، وإعلان كل ما هو صحيح في بيانات صحفية باللغة الإنجليزية، مع ضمان استمرار عمل مصانعها بهدوء كالمعتاد.

إيرينا تسوكرمان  عضو الحزب الجمهوري الأمريكي
إيرينا تسوكرمان عضو الحزب الجمهوري الأمريكي

 

في 13 مايو، وصفت صحيفة الجارديان البريطانية، خفض ترامب للرسوم الجمركية على المنتجات الصينية بالرضوخ للصين، موضحة أن الرئيس الأمريكي كان يرى أن الهدنة المؤقتة التي تم التوصل إليها في الحرب التجارية بين واشنطن وبكين كانت بمثابة انتصار، ولكن يبدو أن الأسواق المالية قرأتها على حقيقتها استسلام.

وقالت الصحيفة :"رضخ الرئيس، ربما تأثر بتقلبات السوق، لكن يبدو من الأرجح أن التحذيرات المقلقة من تجار التجزئة بشأن رفوف المتاجر الفارغة - مدعومة ببيانات تُظهر انهيار الشحنات إلى الموانئ الأمريكية - ربما عززت موقف المعتدلين التجاريين في الإدارة، حيث اختار البيت الأبيض الانسحاب التكتيكي.

نعود لإيرينا تسوكرمان، التي تؤكد أنه لا تزال واشنطن تسيطر على النظام المالي العالمي، ولا يزال الدولار هو سيد نظام سويفت، ولا تزال شركات التكنولوجيا الأمريكية تهيمن على البرمجيات المتطورة، وتكنولوجيا الدفاع، ومراقبة العلامات التجارية الفاخرة مثل أجهزة آيفون، لكن بكين لديها زخم، حيث إنهم يقفزون إلى الذكاء الاصطناعي والكمي دون أدنى اعتبار لاتفاقيات جنيف للابتكار، إلا أن الولايات المتحدة تملك زمام المبادرة، لكن الصين تحفر نفقًا تحت الأرض لبناء نفق جديد.

تحذيرات صينية لواشنطن
تحذيرات صينية لواشنطن

 

وتشير إلى أن الصين تلعب لعبة طويلة الأمد، لا تهتم بالدورات الانتخابية أو التغريدات المغرضة، حيث إن عرض قوتها ممنهج وهو التمويل عبر مبادرة الحزام والطريق، والهيمنة السردية عبر تيك توك، والاستراتيجية الصناعية المتخفية تحت ستار "مناطق الابتكار" لكن لديها نقاط ضعف صارخة وهي تقلص عدد السكان، ونقص الثقة من جيران ما زالوا يتذكرون الصين الإمبريالية، واقتصاد لا يزال يتأرجح بين التخطيط المركزي والفوضى الرأسمالية.

وتقول :"تبدو الولايات المتحدة أشبه بسلالةٍ مُختلةٍ بعض الشيء ترفض الزوال، لا تزال ثقافتها تُغري العالم وأسواقها الرأسمالية لا تُضاهى، ورغم الجمود السياسي، لا تزال تجذب أفضل العقول وكثيرٌ منهم من الصين، للمفارقة، كما تتمتع واشنطن بالمرونة، حتى عندما تنقصها الدهاءة، وتتمتع الصين بالكفاءة، حتى عندما تنقصها الروح لكن لن يكون التفوق في القرن الحادي والعشرين مرتبطًا بمن يمتلك الناتج المحلي الإجمالي الأكبر، بل بمن يستطيع فرض قوته دون إطلاق رصاصة واحدة، ومن يستطيع وضع قواعد اللعبة، ومن يستطيع إقناع العالم بأن نموذجه هو المستقبل.

وتوضح عضو الحزب الجمهوري الأمريكي، أن اتفاقية الرسوم الجمركية لم تكن استسلامًا كما وصفتها بعض الصحف الأجنبية، بل كانت إعادة تقييم، حيث تذكيرًا بالواقع، مفاده أن واشنطن لا تستطيع الاعتماد على فرض رسوم جمركية قاسية لكبح صعود الصين، ولا تستطيع بكين شق طريقها نحو الهيمنة بسهولة دون تقديم بعض التنازلات الرمزية على الأقل للنظام العالمي القائم، ومتابعة :"لا فوز ولا خسارة، مجرد مصافحة فوضوية بين قوتين عظميين تحاولان التفوق على بعضهما البعض في أغلى مباراة في العالم، لم يستسلم ترامب لكنه لم يُملِ شروطه أيضًا".

وردا على سؤال حول لمن سيكون المستقبل بين القوتين الأكبر عالميا تقول :"لا أراهن على فوز أيٍّ من الجانبين بشكل قاطع، أراهن على إعادة تعريف قواعد الفوز من الأساس وأراقب التكنولوجيا والمواهب والثقة، ففي صراع العروش العالمي هذا، هذه هي النهاية الحقيقية".


تفوق تكنولوجي صيني جديد على واشنطن


في يناير الماضي، أحدث تطبيق DeepSeek الصيني زلزال في التطبيقات التكنولوجية الأمريكية، بعدما شهد سوق الأسهم الأمريكية أكبر خسارة في القيمة السوقية لشركة واحدة في يوم واحد، حيث فقدت  Nvidia، وهي شركة رائدة في مجال الحوسبة والذكاء الاصطناعي، حوالي 465 مليار دولار بسبب مخاوف المستثمرين بشأن صعود الشركة الصينية الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي.

DeepSeek ببساطة هو تطبيق دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي تطوره شركة صينية ناشئة تأسست في عام 2023، حيث تعتمد الشركة على نموذج ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر منخفض التكلفة يُعرف بـ DeepSeek R1، والذي أثبت كفاءته مقارنة بمنتجات منافسة من OpenAI  وMeta Platforms Inc، ولكن بتكلفة أقل بكثير.
وحقق DeepSeek إنجازات استثنائية، حيث تصدرت تطبيقاتها قوائم التنزيل في متاجر تطبيقات iPhone في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى، مما أثار مخاوف بين المستثمرين حول مستقبل الشركات الكبرى التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة والباهظة.

تحركات صينية لبناء ذكاء اصطناعي يتقدم على أمريكا


كما كشف تقرير أجنبي في 19 مايو، أن العلماء الصينيين يسيرون على الطريق الصحيح لبناء ذكاء اصطناعي من المستوى التالي يتسم بقيم الحزب الشيوعي الصيني، والذي يمكن أن يدفع بكين إلى الأمام أمام واشنطن في السباق نحو الذكاء العام الاصطناعي، حيث ذكرت حينها مجلة نيوزويك الأمريكية، أن مكان الاختبار كانت مدينة ووهان المركزية، وبمساعدة الدعم الحكومي الهائل، أنشأ معهدان رائدان في مجال الذكاء الاصطناعي، مقرهما في بكين، فروعا في ووهان للتعاون على إيجاد بدائل متطورة لنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية الكبيرة - LLMs - التي تشغل كل اهتمام مطوري الذكاء الاصطناعي وصناع السياسات الغربيين تقريبًا.

وقال المؤلف الرئيسي ويليام سي هاناس لمجلة نيوزويك إن النهج المتعدد الأوجه والمبتكر الذي تتبناه الصين في مجال الذكاء الاصطناعي يعني أن الولايات المتحدة معرضة لخطر التخلف عن الركب وربما يكون الأوان قد فات بالفعل، متابعا: "نحن بحاجة إلى العمل بسرعة وذكاء، كما أن ضخ مليارات إضافية في مراكز البيانات ليس كافيًا، بل نحتاج إلى مناهج متنافسة".


صراع فضائي بين واشنطن وبكين


في مجال تنافسي أخر خاص بتوسع بكين في الدول القريبة من واشنطن، نقلت مجلة نيوزويك الأمريكية،  في 15 مايو عن قائد القيادة الجنوبية الأمريكية الأدميرال ألفين هولسي قوله إن البنية التحتية الفضائية للصين في أمريكا اللاتينية هي الأكبر وتثير أسئلة تحتاج إلى إجابات، موضحا أن القيادة الجنوبية للولايات المتحدة ستنشئ قريبًا قيادة فضائية جنوبية خاصة بها.
وسلطت المجلة الأمريكية الضوء على حجم البنية التحتية الفضائية الإقليمية للصين من خلال التحقيق الذي أجرته في مرصد صيني مشترك تقوم شركة مملوكة للدولة الصينية ببنائه في تشيلي والذي تم تعليقه في وقت لاحق، حيث تتنافس الولايات المتحدة والصين في الفضاء على مستويات متعددة، مما قد يترتب على ذلك صراعات مستقبلية محتملة مع قيامهما ببناء أنظمة الاتصالات والمراقبة والتوجيه.

سباق فضائي جديد بين البلدين


كذلك في 3 مايو، كشفت تقارير أمريكية أن قمر صناعي عسكري أمريكي يحوم حول نظيره الصيني، في الوقت الذي تتقدم فيه بكين بسرعة في سباق فضائي جديد لتحدي زعامة الولايات المتحدة في هذا المجال، حيث تأسست قوة الفضاء الأمريكية عام 2019 خلال الإدارة الأولى للرئيس دونالد ترامب، الذي صرّح بأن التفوق الأمريكي في الفضاء حيوي للغاية.
ووفقا لمجلة نيوزويك الأمريكية، فمن مهام هذا الفرع الجديد حماية المصالح الأمريكية في الفضاء والدفاع عنها، بما في ذلك الأقمار الصناعية، بينما وتم رصد الصين، التي لديها العديد من البرامج الفضائية الطموحة، بما في ذلك محطة فضائية ومهمة مأهولة إلى القمر ، وهي تستخدم أقمارها الصناعية لإجراء مناورات "قتال جوي" ، حسبما ذكرت قوة الفضاء الأمريكية في مارس، وتمارس عمليات المدار من قمر صناعي إلى آخر.
وتم رصد القمر الصناعي الأمريكي وهو يقترب مرتين من القمرين الصناعيين الصينيين TJS-16 وTJS-17 في 26 و29 أبريل، على مسافة 16 كيلومترًا و17 كيلومترًا على التوالي، ولم يتضح على الفور سبب مناورة القمر الصناعي التابع لقوة الفضاء الأمريكية حول الهدفين.

بكين تستعد لأي مواجهة اقتصادية مع الولايات المتحدة

منذ سنوات يستعد الرئيس الصيني لأي مواجهة مع الإدارة الأمريكية، حيث اعتبر تحليل نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أنه لطالما استعد شي جين بينج للمواجهة بين بلاده وواشنطن، ففي أبريل 2020، وقبل أن يصعد ترامب الحرب التجارية، عقد الزعيم الصيني اجتماعا مع كبار مسؤولي الحزب الشيوعي الصيني وطرح رؤيته لتحويل نقاط الضعف الاقتصادية للصين إلى أدوات نفوذ استراتيجية. وبحسب التحليل، ففي ظل تصاعد التوترات بسبب الرسوم الجمركية وقيود التكنولوجيا، جاء وباء كورونا ليُظهر مدى اعتماد العال - بما في ذلك الولايات المتحدة - على المنتجات الصينية، من الكمامات إلى الأدوية، بينما بدلا من الاستجابة لمطالب واشنطن بفتح السوق الصينية أو زيادة شراء المنتجات الأمريكية، اختار شي مسارًا أكثر قسوة.
ووسع شي جين بينج قاعدة التصنيع في الصين بشكل كبير، ووجه البنك المركزي لضخ نحو تريليوني دولار كقروض صناعية خلال أربع سنوات، وكذلك أضاف إلى ترسانة الصين أدوات جديدة للحرب الاقتصادية، مثل القيود على الصادرات، وتشريعات مكافحة الاحتكار، والقوائم السوداء للشركات الأمريكية.
وكل هذه التحركات الصينية جعلتها قادرة على الرد بقوة عندما فرضت إدارة ترامب الجديدة جولة جديدة من الرسوم الجمركية، حيث ردت بفرض ضرائب مضادة، وفرضت قيود على تصدير معادن حيوية تهيمن على إنتاجها عالميًا، مثل المعادن الأرضية النادرة والمغناطيسات الصناعية، الضرورية في صناعات السيارات والطائرات المُسيّرة والروبوتات، قبل أن تتراجع البلدين عن زيادة الرسوم.

العالم يتجه نحو نظام دولي متعدد الأقطاب


وفي هذا السياق يؤكد الدكتور عمرو حسين، الباحث في العلاقات الدولية، أن الاتفاق الاقتصادي بين واشنطن وبكين ليس انتصارًا لطرف وإنما تسوية واقعية لمصالح متشابكة.
ويضيف الدكتور عمرو حسين، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن الاتفاق الاقتصادي الأخير بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين بشأن الرسوم الجمركية لا يجب النظر إليه باعتباره استسلامًا من واشنطن أو رضوخًا من بكين، بل هو خطوة واقعية تعكس المصالح المتبادلة بين الطرفين.
ويوضح حسين أن وصف الاتفاق بين البلدين بأنه استسلام من إدارة ترامب يتجاهل التعقيدات الاقتصادية والسياسية التي تحكم العلاقة بين أكبر اقتصادين في العالم، كما أن اعتبار الصين طرفًا رضخ للضغوط الأمريكية يغفل ما حققته بكين من مكاسب تهدف لحماية منظومتها التجارية ومصالحها الاستراتيجية.
ويتابع: "ما حدث هو تسوية ضرورية جاءت بعد مرحلة من التصعيد التجاري الذي ألحق أضرارًا بالطرفين، وقد أدرك كل منهما أن التنافس يمكن احتواؤه بالتفاوض لا بالتصعيد المفتوح".
وعن مستقبل الهيمنة العالمية، يشير إلى أن "الصين تحقق تقدمًا بارزًا في مجالات حيوية كالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والبنية التحتية، لكنها لا تزال تواجه تحديات تتعلق بالنفوذ السياسي العالمي، وتحقيق ثقل موازٍ في النظام الدولي الحالي".
ويؤكد أن الولايات المتحدة "لا تزال تحتفظ بتفوق بنيوي في مجالات متعددة، أبرزها الابتكار، التحالفات الدولية، والقوة العسكرية والناعمة"، مشيرًا إلى أن "العالم يتجه نحو نظام دولي متعدد الأقطاب، حيث تتشارك قوى كبرى مثل الولايات المتحدة والصين التأثير بدلاً من هيمنة قطب واحد كما كان الحال في العقود السابقة".

تحركات الرئيس الصيني لمواجهة سياسات واشنطن الاقتصادية


قبل الوصول إلى اتفاق بين واشنكن وبكين بشأن الرسوم الجمركية، زار الرئيس الصيني جيرانه في جنوب شرق آسيا في أبريل، كما استضاف قادة أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في مايو لحشد حلفائه ضد السياسة الاقتصادية الأمريكية، في الوقت الذي بادر فيه المسؤولون الصينيون إلى التقرب من اليابان وكوريا الجنوبية وهما حليفان للولايات المتحدة بموجب معاهدة في محاولة لتحريضهما ضد دونالد ترامب وهو ما كان له أثر كبير في تراجع الأخير عن قراراته الاقتصادية ضد الصين.


رد الصين على ادعاءات ترامب بشأن اقتصاد بكين


وفي 10 مايو أعلنت الصين رفضها تصريحات الرئيس الأمريكي بأن اقتصادها عانى بشدة بسبب قرارات الرسوم الجمركية الأمريكية، موضحة أنه لا يمكن لأي صدمة خارجية أن تغير أساسيات القاعدة الاقتصادية المستقرة للصين، موضحة أن حرب الرسوم الجمركية هذه كانت من تدبير الجانب الأمريكي، إذا كانت الولايات المتحدة ترغب حقًا في حل المشكلة عبر الحوار والتفاوض، فعليها التوقف عن التهديد والضغط، والانخراط في حوار مع الصين على أساس المساواة والاحترام والمعاملة بالمثل.


الصين ليست كوبا وإذا خرجت من القمقم ستهز العالم


هنا يؤكد إحسان الخطيب عضو الحزب الجمهوري الأمريكي، أن فرض الرسوم الجمركية والعقوبات بين واشنطن وبكين والتراجع عن بعضها لا يعد استسلاما من أي طرف، لأن كلاهما بحاجه للآخر، وهناك هدنة اليوم ولا اتفاق نهائي، خاصة الصين بحاجة للولايات المتحدة والعكس صحيح، موضحا أن إدارة ترامب تعرضت لضغوط داخلية قوية في المعركة مع بكين، بينما الحكومة الصينية لم تكن تتعرض لضغط داخلي لطبيعة النظام هناك، بل اعتبرت الموضوع كرامة وطنية وفرصة لمواجهة الغرب، بالتالى صمدت في وجه ترامب وهذا يحسب لهم.
ويتحدث إحسان الخطيب في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" عن حجم قوة الصين في الوقت الراهن والتي أصبحت تمثل تهديد قوى قد يزيح واشنطن من قيادة العالم، حيث يقول :"يقال في أمريكا الصين ليست كوبا، ونابليون كان يقول المارد الصيني إذا خرج من القمقم سيهز العالم، وهذا المارد اليوم يهز العالم، فهو أكبر اقتصاد بعد واشنطن، والمشكلة في تقييم وضع بكين واتجاهها هو اعتماد السرية مع المؤشرات الاقتصادية التي تمكن الخبراء بشكل علمي من تقييم وضع الصين".
"كانت الصين منفتحة أكثر بالمعلومات، وهذا التعامل بسرية أكثر يوحي أن وضع بكين ليس قوي كما كان، وهناك حرية وديناميكية في أمريكا واقتصاد جاذب للاستثمارات في واشنطن وهذا غير موجود في الصين"، هنا يستبعد عضو الحزب الجمهوري الأمريكي أن يتفوق التنين على واشنطن في المدى المنظور ولكن سيكون ندا وتحدي مهم.

إحسان الخطيب
إحسان الخطيب


تلويح صيني بفرض عقوبات مستقبلية على واشنطن


في 21 مايو، لوحت بكين أنها قد تفرض عقوبات على الشركات التي تلتزم بالقيود الأمريكية على التكنولوجيا المحلية.
ونقلت مجلة نيوزويك الأمريكية، عن وزارة التجارة الصينية قولها إن أحدث توجيهات الصناعة الأمريكية -التي تحذر من عقوبات محتملة على الشركات الأمريكية التي تتاجر أو تستخدم الدوائر المتكاملة المصنعة في الصين- كانت محاولة لحظر رقائق الحوسبة الصينية المتقدمة على مستوى العالم.
وفي محاولتها عرقلة صناعة تصنيع الرقائق الصينية من خلال جعل استخدام المنتجات الصينية أكثر صعوبة على الشركات الأمريكية، فإن الولايات المتحدة تهدد قطاعا مهما للاقتصاد الصيني، فضلاً عن المكاسب المستقبلية المتوقعة وربما غير المتوقعة في صناعة الدفاع الصينية.
وانتقدت بكين واشنطن لاستهدافها بشكل خاص شركة الاتصالات الصينية العملاقة هواوي، وهي مؤسسة مرتبطة بالدولة تقود البحث والتطوير وإنتاج أشباه الموصلات المتطورة وهي أجهزة متطورة قد تقرر السباق نحو التقنيات الناشئة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية.
وقالت وزارة التجارة الصينية، التي وصفت التوجيهات الأمريكية بأنها انتهاك لقانون التجارة الدولي : "أي منظمة أو فرد ينفذ أو يساعد في تنفيذ التدابير الأمريكية سوف يُشتبه في انتهاكه لقانون مكافحة العقوبات الأجنبية لجمهورية الصين الشعبية والقوانين واللوائح الأخرى، وسوف يتحمل المسؤوليات القانونية المقابلة".

نقاط قوة للصين وضعف لواشنطن


وتشرح الدكتورة نادية حلمى الخبيرة في الشئون الصينية، طبيعة الحرب الاقتصادية التي يبدو أنها ستستمر طوال فترة ولاية دونالد ترامب، والتي وصفتها بأنها واحدة من أكثر النزاعات الاقتصادية تأثيرا حول العالم، حيث أدت إلى اضطراب الأسواق العالمية وإعادة تشكيل التجارة العالمية وزيادة التنافس التكنولوجى بين واشنطن وبكين، لافتة إلى أنهعلى الرغم من الاتفاقيات التجارية اللاحقة بين الطرفين، لكن لا يزال الصراع الاقتصادى مستمرا، خاصةً فى مجالات التكنولوجيا والاستثمار، ومن المتوقع أن يستمر هذا النزاع فى التأثير على مستقبل الاقتصاد العالمى وأسواق المال والعلاقات الدولية فى السنوات المقبلة، حيث تسعى كلا البلدين إلى فرض نفوذهما الاقتصادي عالمياً.

وتؤكد نادية حلمى، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن واشنطن تسعى إلى خفض عجزها التجارى مع بكين، والبالغ 295 مليار دولار، وإقناع الصين بالتخلى عما تصفه الولايات المتحدة الأمريكية بالنموذج الاقتصادي التجارى والمساهمة بشكل أكبر فى عجلة الاستهلاك العالمى، وهو تحول يتطلب إصلاحات داخلية حساسة سياسياً وفقاً لنهج الأمريكان، وهو ما تتحفظ عليه بكين، وفقاً لمبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية لبكين خارجيا.

وتستعرض رد فعل وسائل الإعلام الرسمية الصينية على الاتفاق التجارى مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث جاءت أولى تعليقات هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية لتليفزيون "السى سى تى فى"، بأن الاجتماع بين البلدين فى العاصمة السويسرية جنيف كان متوازناً ومفيداً لكلا الجانبين، وأعلنت وزارة التجارة الصينية بأن "الاتفاقية مع الولايات المتحدة تمثل خطوة مهمة لحل الخلافات ووضع الأساس لتجاوز الخلافات وتعزيز التعاون بين البلدين"، كما أكدت نائبة وزير الخارجية الصينى "هوا تشون يينغ"، بأن "بكين واثقة تماماً من قدرتها على إدارة الملفات التجارية مع واشنطن، وبأن الصين مستعدة للمفاوضات المقبلة معها".

وتكشف أيضا عن أوراق اللعبة الرابحة التي تمتلكها الصين فى مواجهة الحرب التجارية الأمريكية، خاصة أن بكين ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، مما يعنى قدرتها على استيعاب آثار الرسوم الجمركية بشكل أفضل من الدول الأصغر الأخرى، كما تتمتع بسوق محلية ضخمة نظرا لكثافة سكانها وهو ما يمكن أن يخفف بعض الضغط عن المصدرين الذين يعانون من الرسوم الجمركية الأمريكية على الصين، ومنحت رسوم ترامب الجمركية على الصين قيادات الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين زخما أقوى لإطلاق العنان لإمكانات البلاد الاستهلاكية، مع إعلان تلك القيادات عن استعداد بكين التام لتحمل الألم، لتجنب الاستسلام لما تعتقد أنه عدوان أمريكى عليها، مع استخدام الحزب الشيوعى الحاكم للمشاعر القومية للشعب الصينى لتبرير رسومه الجمركية الانتقامية فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، إذ دعت وسائل الإعلام الرسمية فى الصين الشعب الصينى إلى "الصمود فى وجه العواصف معاً"، كما كانت نبرة الرئيس الصينى متحدية وواثقة، وطمأن "شى" شعبه قائلاً: "إن السماء لن تسقط".    

الدكتورة نادية حلمى
الدكتورة نادية حلمى

وتشير الخبيرة في الشئون الصينية، إلى أنه فى عهد الرئيس الصيني الحالي دخلت بكين فى سباق مع الولايات المتحدة للهيمنة على التكنولوجيا، واستثمرت بكثافة فى التكنولوجيا المحلية، من مصادر الطاقة المتجددة إلى الرقائق الإلكترونية إلى الذكاء الاصطناعى، ومن الأمثلة على ذلك روبوت الدردشة الصينى "ديب سيك" الذى احتفت به وقدمته رسمياً كمنافس قوى لروبوت الدردشة الأمريكى "تشات جى بى تى وشركة بى واى دى" الأمريكية، وأعلنت بذلك تفوقها على شركة تسلا المملوكة للملياردير الأمريكى إيلون ماسك، لتصبح الصين بذلك أكبر شركة مصنعة للسيارات الكهربائية فى العالم، أما شركة الهواتف الذكية "آبل"، فقدت حصتها السوقية الثمينة محلياً لصالح منافستيها الصينيتين "هواوى وفيفو".   
 
وتتابع أن بكين أعلنت مؤخراً عن خطط لإنفاق أكثر من تريليون دولار على مدى العقد المقبل لدعم الابتكار فى مجال الذكاء الاصطناعى للتفوق على واشنطن، وعلى الرغم من محاولة الشركات الأمريكية نقل سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين، إلا أنها واجهت صعوبة فى إيجاد البنية التحتية والعمالة الماهرة بنفس القدر فى أماكن أخرى بعيداً عن التنين، كما منح المصنعون الصينيون فى كل مرحلة من مراحل سلسلة التوريد، لبلادهم ميزة نسبية امتدت لعقود، وسيستغرق تكرارها أو إيجاد بديل لها وقتاً طويلاً بالنسبة للأمريكيين، فهذه الخبرة الفريدة فى سلسلة التوريد والدعم الحكومى جعلا من الصين خصما عنيدا فى هذه الحرب التجارية مع واشنطن، ومن بعض النواحى، كانت بكين تستعد لهذه الحرب التجارية المتوقعة جيداً منذ ولاية ترامب السابقة.   

وتكشف نادية حلمى، تنوع الخطط الصينية فى مواجهة العداء التجارى الأمريكى تجاهها فى العديد من القطاعات، قائلة إنه منذ أن فرض ترامب رسوماً جمركية على الألواح الشمسية الصينية عام 2018، عجلت بكين خططها لمستقبل يتجاوز النظام العالمى الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، كما ضخت مليارات الدولارات فى برنامج التجارة والبنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق الصينية، لتعزيز العلاقات مع ما يسمى بدول "الجنوب العالمى" ودعمها فى مواجهة واشنطن. 

وتشير إلى أن أكثر نقاط الضعف الأمريكية فى مواجهة بكين، هو الاحتكار الصينى شبه الكامل لاستخراج وتكرير المعادن النادرة، وهى مجموعة من العناصر المهمة فى صناعة التكنولوجيا المتقدمة، وتمتلك الصين رواسب ضخمة من هذه المعادن، وجاءت رد الفعل التنين على رسوم ترامب الجمركية الأخيرة عليها، بتقييد صادرات سبعة معادن أرضية نادرة، بما فى ذلك بعض المعادن الأساسية لصناعة رقائق الذكاء الاصطناعى المهمة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث تشكل الصين حوالي 60% من إنتاج المعادن الأرضية النادرة و 90% من تكريرها، وفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية.

 
 
مقارنة بين الاقتصاد الأمريكي والصيني
مقارنة بين الاقتصاد الأمريكي والصيني

Trending Plus

اليوم السابع Trending

لا يفوتك


نتنياهو وترامب.. هكذا تكون المواجهة

نتنياهو وترامب.. هكذا تكون المواجهة الثلاثاء، 03 يونيو 2025 03:33 ص

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى