"الأرض بتطرح خير فى إيدين الشقيانين".. المحراث البلدى لا يزال صامدًا أمام الآلة بقرى البدرشين.. يحافظ على التربة ويسهل عمل الفلاح بالحصاد.. حراث: "وارثينه أبا عن جد.. واللى واخده هواية ما يقدرش يسيبه".. صور

المحراث البلدى
المحراث البلدى
كتبت مرام محمد – بتول عصام

في صباحٍ هادئ من صباحات ريف قرية المرازيق في مدينة البدرشين، خرج سامح ومعه محراث ذا هيكل خشبي متين، يحمل طيف الأيدي التي توالت عليه، يد الجد، ثم الأب، ليوقظ أراضي البطاطس من سباتها الطويل، معلنًا قدوم موسم حصادها.

في طرف الحقل، كان المحراث البلدي واقفًا كالجندي، يتهيأ لمعركة يعرف تفاصيلها جيدًا، ما أن تمسّه يد الفلاح، ويجرّه زوج من البقر فوق الأرض بخطوات ثابتة، يفتح كتابًا من ذاكرة لا تُقرأ إلا بالعرق ولا تُمحى إلا بانقطاع الصلة بين الإنسان وجذوره.


وبينما كان المزارعون يتوافدون على الأرض، يستعدون لانطلاقتهم الأولى، تحدث فضل أبو طلبة، صاحب الـ65 عامًا، عن قيمة الأرض وما تمثله لهم من وطن عزيز ينتمون إليه، لا يعرفون له بديل، ولا ينتظرون منه أكثر من الرزق الحلال: "الأرض هي الروح والحياة، والفلاحة وارثها أبًا عن جد"، قالها باعتزاز، وكأنها وسام.


تحت أشعة الشمس الحارقة، يعمل الجميع، لأنهم ببساطة "عايزين ياكلوا عيش"، المرأة والرجل والطفل، لكل واحد منهم دور، مهما اختلف، الكل يعود لمنزله نهاية النهار سعيد وراضٍ: "الشغل هنا من 7 لـ12، ولو استمر لـ9 ساعات بفلوس أكتر.. مهما تعبنا أو شقينا هتفضل الأرض هي روحنا، ومالناش غيرها".
مواسم حصاد عديدة يعتمد عليها المزارعون والعمال في مدينة البدرشين، كمصدر دخل، ويظل حصاد البطاطس هو الموسم الأهم والأكبر: "أكبر موسم عندنا، هو موسم البطاطس، بنزرعها في نوفمبر ونحصدها في أبريل، والشغل في الأرض بيبدأ من 7 الصبح ويستمر لـ12 الظهر.. الموسم ده بيرزق منه الفلاحين والعمال. المحراث بيشتغل فيه، والستات تلم المحصول".


يعرف سامح الحراث صاحب الـ45 عامًا، أن يومه لن يكون سهلًا، كما كانت أيامه من قبل، يمضي بخطى بطيئة لكنها واثقة في قطعة أرض يعرف كل حبة تراب فيها، يداه مشققتان من أثر التعب، ووجه يعلوه ابتسامة عاشق لجذوره الأصيلة، وحوله عشرات العمال والعاملات بالأجرة لا يكتمل عمله إلا بشقائهم.
ما زالت خطوات المحراث تشق الأرض كما كانت تفعل قبل مئات السنين. وسط الأراضي الطينية الضيقة، يروي سامح أبو فراج، حكاية كفاح ممتدة عبر الأجيال: "أنا بشتغل حراث من 23 سنة، ورثت المهنة عن أبويا، وأبويا خدها عن جدي".


الفلاح لا يرث الأرض فقط، بل يرث كفاح من سبقوه عليها. فسامح لم يتعلم الحرث في يومٍ وليلة، بدأها شابًا في الثانية والعشرين، وتعلمها بالتدريج على يد والده: "اشتغلت في الأرض على مراحل، مرة نحرث، ومرة نقطع، واحدة واحدة عرفت كل الخطوات مع أبويا".


المحراث ليس مجرد أداة زراعية، بل موروث ريفي قديم يعبر عن صمود الأرض وعشق الفلاح لها، ففي الزمن الذي تقدمت فيه الآلات نحو الحقول، ما زال في القرى المصرية رجالٌ يحملون المحراث كما لو كان سلاحًا من زمن بعيد، ويحصدون أرضهم ويرعونها بأيديهم.


بمكونات بدائية بسيطة، عبارة عن قطع خشبية وحديدية وأبقار مدربة على جرها، ينفذ المحراث البلدي مهمته بثبات في تقليب التربة وتسويتها: "المحراث مكوناته بسيطة، الناف والحِجر بنحطهم على رقبة البقرة، وتحتهم البسخة بسلاحها، وأنا بمسك الريش، عشان أشق الأرض، وأسهل على الفلاح أمور الزراعة والحصاد".
وبينما كانت ترافقه خطوات عاملات اليومية، وعمال التعبئة والنقل في موسم الحصاد، أكد سامح أن المحراث اليدوي صنعة لا تقل أهمية عن قيادة القطار أو السيارة، وليست مجرد أداة، بل شريك في الحياة: "المحراث بيسهل على الفلاح.. لكن مش أي أرض تنفع، لازم تكون لينة، ومش أي بقرة تقدر تشتغل، البقرة لازم تكون متعودة وقادرة، والذكر بيشتغل أحسن، ولو البهيمة تعبت، نقف، نأكلها ونشربها، لازم عنينا تكون عليها".


في ظل غياب الآلات الزراعية المستحدثة عن أراضي البدرشين، لضيق مساحتها، يظل المحراث البلدي هو الأنسب: "المساحات الزراعية في البدرشين صغيرة، صعب الآلات الحديثة الكبيرة تمشي فيها، لكن المحراث يقدر يمشي في أي حتة.. وميضرش الأرض ولا يبهدلها زي غيره من الآلات".


يحكي سامح عن تعب المهنة، ونظام يومه الذي يبدأ من الفجر ويستمر حتى آخر ضوء: "9 ساعات شغل رايح جاي.. لازم البهيمة تكون مستعدة من بالليل.. واللي واخد الشغل ده شغلانة بس، مش هيقدر يكمل، لازم يكون حاببها، ياخدها هواية قبل ما تبقى مهنة".


على أطراف نفس الأرض، يقف حمدي عطية ابن محافظة بني سويف، عامل باليومية، شاهدًا على رحلة عمرها عقود، بدأت بـ"الأجرة" وانتهت بالإصرار على "الشقى الحلال": "اشتغلت وأنا عندي 10 سنين"، يقولها ببساطة كأنها سطر من حكاية متكررة في الريف المصري.


تعلم حمدي العمل من الأرض والنخل، من زرع البطاطس لطلوع النخل، حتى صار صعود النخيل مهنتُه وعنوان رزقه لعشرين عامًا. موسم حصاد البلح بالنسبة له مشهد يومي للشقاء والبركة، يبدأ من شروق الشمس ولا ينتهي إلا بعد الغروب، يوم تلو الآخر يصعد النخل، يقطف ثمار البلح، ورزقه على الله.


ورغم شقاء العمل وتعب الأيام وعناء الحصول على اليومية، فإن قلبه يحيى بالرضا: "أنا بشقى عشان عيالي.. نفسي ربنا يرزقني يوم بيوم بس"، يؤمن أن البركة في اللقمة الحلال، حتى لو بسيطة: "جنيه حلال أحسن من مليون، حتى لو اليومية 100 جنيه كأنها ألف لأنها من عرق جبيني".


بعد تعب ظهره من حمل الفأس، عمل حمدي في "الطوابين"، ومازال يرى أن الفلاح هو الذي يحمل هم الأرض: "الرزق هيوصل للبيه اللي في المكتب، والعامل اللي فوق النخلة، وهفضل أكافح لحد آخر دقيقة.. وربنا هو اللي بيعين".


يظل المحراث رمزًا لبساطة حياة الريف وعمقها، وشاهدًا على كفاح الفلاح وصموده، فرغم تطور الحياة وهيمنة الآلة عليها، لا تزال الأرض تثمر بجهد الأيدي، والرزق الحلال يجنى بعرقها.

1b1d9e17-e1cd-487a-af28-b4491b271159
 

 

1d7d0fd2-67c6-455e-a2a4-175986b5d789
 
03d8922c-47f6-4be7-b4db-75f63bccc21a

 

3a42d740-cf0d-495c-9c06-e79cd4f4c204
 
4c9b5c85-0f22-4239-9b47-c20cea18a1b7
 
7aabd0e5-57bc-4834-92ad-7433646bbda7
 
9e846ebb-808f-4497-b31f-a7bd5eabba0e
 
9f98562e-6a4a-47be-9f90-c97d62a85acb
 
42e42b82-d552-4cde-891a-499f82f2cde0
 
47c49669-51c6-433a-a92b-2d3f79394bf9 (1)
 
58a0dfe2-6a04-4aaf-957c-a4599b32a527
 
59c98712-b82d-4ca7-8217-5b5c9fcd40cb
 
87b7f9e2-5c25-4365-95b4-7b131252c683
 
2453ca43-3ceb-458c-b869-75e8d511b991

 

9792bd3d-35e1-41a5-a1b4-ac0092f125ef
 
235068a5-7d55-45d7-b9e7-669a1b13e571
 
90377165-7009-41ad-8c58-43d39b316808
 
a5b687d8-24a5-4cff-9bb5-7dd70ea3c979
 
a8720eea-fa79-465c-9512-bf88b703e0c3

 

 
 
c0a0ce04-f61a-41a2-b99c-d9e05ea20fc8
 
cb5e9ec4-1cd1-4221-a34a-2b76efcf7bbd
 
cf58e6f9-d8b1-4d8a-abec-7a4360d3141c (1)
 
da3d6437-d0a3-49f9-8f80-4cf8c9132b15
 
dd9ddf0e-5d67-4493-9cb0-27daa5b58988
 
e813e19d-7e65-45bb-87b1-e3ca4454bd5d
 
e59748f1-a4bf-4769-a59b-546490df86ee
 
f0dd5d52-8e03-4f73-b016-7d1ad7014415
 
f85ce80c-dcd4-4c83-b59e-36333f2e5cb7
 
f2258cc1-4feb-4382-8487-c61a80aade3e

 

fe16ed5a-42b8-4db5-bc93-fb28a66b6e82
 

 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الهلال يتعادل مع ريال مدريد 1 - 1 فى شوط أول مثير بمونديال الأندية (فيديو) وصور

الريال ضد الهلال.. جونزالو يسجل هدف الملكي الأول فى الدقيقة 34 (فيديو)

ترامب: سقوط النظام الحالى فى إيران "قد يحصل"

حقيقة تعاقد الزمالك مع بيرسى تاو لاعب الأهلى السابق

حى شرق الإسكندرية يكشف تفاصيل انهيار عقار بمنطقة باكوس.. صور


العالم هذا المساء.. صواريخ إيران تربك الدفاعات الإسرائيلية.. حفل لتكريم أصحاب الحمير على خدمتهم لسكان غزة ترسم بسمة على وجوه سكان القطاع.. وصاروخ أبو طارق يثير فزع تل أبيب.. صحفى إسرائيلى: الكشرى دخل خط الأزمة

نتنياهو: نتعرض لخسائر كبيرة وموجعة وسلاح الجو يسيطر على سماء طهران

الفيدرالي الأميركي يُثبت أسعار الفائدة عند 4.5 % دون تغيير

استخراج آخر 3 جثث بالمنزل المنهار فى السيدة زينب.. وارتفاع الضحايا لـ8

صاروخ أبو طارق يثير فزع الإسرائيليين.. صحفى إسرائيلى: الكشرى دخل خط الأزمة


وزير الخارجية الصينى: هجوم إسرائيل على إيران ينتهك القانون الدولى

إيران توجه تحذيرا بإخلاء عدة مناطق فى حيفا شمال إسرائيل

الوداد المغربي ينهي أزمة عمر السومة ويلتحق ببعثة الفريق بأمريكا

بالميراس يواجه الأهلي بفارق أكثر من 5 أضعاف في القيمة السوقية بمونديال الأندية

قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر 2025 (فيديو)

يحدث الآن .. أحمد حمدى يمتثل للتحقيق فى الزمالك بعد أزمة مصاريف العلاج

أقوى مراجعة فى اللغة العربية لطلاب الثانوية العامة.. أهم الأسئلة وإجاباتها

محسن أحمد عن منزل نور الشريف: فكرته زلزال والبيت بقى كوم تراب

خطوات التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية الترم الثانى 2025 فى الجيزة

إيران: الدفاعات الجوية تسقط طائرة مقاتلة إسرائيلية من طراز "إف 35"

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى