دموع ودعوات وأمل خلال عودة الحجاج بعد أداء المناسك.. الجميع يودعون البيت الحرام بقلوب دامعة ويوثقون اللحظات الأخيرة بالصور والفيديو.. مشاهد مؤثرة فى ختام رحلة الحج ومشاعر صادقة أمام الكعبة

بقلوب دامعة وألسنة تلهج بالدعاء، ودّع آلاف الحجاج بيت الله الحرام بعد أداء مناسك الحج، متجهين إلى المدينة المنورة لزيارة المسجد النبوى الشريف، فى مشهد إنسانى مؤثر امتزجت فيه المشاعر بين الحزن على فراق أطهر بقاع الأرض، والرجاء الصادق فى العودة مجددًا لأداء الفريضة أو العمرة في قابل الأيام.
داخل صحن المطاف وأمام الكعبة المشرفة، انهمرت دموع الكثير من الحجاج خلال أداء طواف الوداع، الذى يختتمون به مناسك الحج، بعضهم وقف طويلًا أمام الحجر الأسود، رافعًا كفيه بالدعاء، وآخرون ظلوا يرددون الأدعية والأذكار بصوت خافت تحمله أنفاس مثقلة بالشوق.
وكانت النظرات الممتلئة بالرهبة والحنين تختصر مئات الكلمات، وتروى قصة رحلة إيمانية عاشها الحجاج أيامًا معدودات، لكنها تركت فى أرواحهم أثرًا خالدًا.
حجاج كثيرون اصطفوا في الصفوف الأمامية من الحرم، وقضوا الساعات الأخيرة في الصلاة والتأمل، وبعضهم اختار أن يجلس ساكنًا محدقًا في جدران الكعبة، يهمس لنفسه أو يناجي ربه، وكأن عينه تودّع مشهدًا خشي ألّا يراه مجددًا.
وقال أحد الحجاج في لحظة مؤثرة وهو يلوّح بيده للكعبة قبل مغادرته الحرم: "دعوت الله أن أعود، حتى إن كان في عمرة، فقط أعود لأرى هذا الجمال مرة أخرى".
وتجلّت مظاهر التوثيق العاطفي في سلوك الحجاج خلال الساعات الأخيرة بمكة، حيث أخرج كثيرون هواتفهم لتوثيق اللحظات بالصور ومقاطع الفيديو، والتقاط مشاهد للكعبة والمسعى وبوابة الملك عبد العزيز وساعة مكة، إضافة إلى صور شخصية أمام مقام إبراهيم والمظلات المتحركة في ساحة الحرم، تلك الصور لم تكن ترفًا أو رغبة في التفاخر، بل محاولة لتجميد لحظة شعورية، والاحتفاظ بها في الذاكرة، والرجوع إليها كلما ضاقت النفس واشتدت الحياة.
وفي إحدى الزوايا، كانت مجموعة من الحجاج المصريين يلتقطون صورة جماعية أمام الكعبة، بينما تتعالى ضحكات خفيفة ممزوجة بالدموع.
قال أحدهم: "ضحكنا لأننا نبكي جميعًا دون أن نخجل، منّا من بكى بصمت، ومنّا من لم يتمالك نفسه. نحن هنا نعيش أجمل أيام حياتنا، فكيف لا نحزن على الفراق؟".
ولم تغب مشاهد الوداع عن الفرق التنظيمية والبعثات الرسمية، حيث انتشرت فرق العمل في مداخل الحرم وساحاته لمساعدة الحجاج في تنظيم مغادرتهم، والإجابة عن استفساراتهم وتقديم الدعم المعنوي، إلى جانب توجيههم إلى الحافلات التي ستنقلهم إلى المدينة المنورة.
الساعات الأخيرة من مغادرة مكة تشهد دائمًا مشاعر جياشة من الحجاج، حتى من أكثرهم صلابة، وهو ما يدفع الفرق الميدانية إلى التفاعل معهم بلغة العاطفة والاحتواء.
وفي الطريق من مكة إلى المدينة، ظل بعض الحجاج يتحدثون عن تجربتهم، يراجعون المناسك التي أدوها، ويتبادلون صورهم، ويُظهرون ما التقطته هواتفهم من مشاهد روحانية، بينما آخرون فضلوا الصمت والتأمل، واضعين رؤوسهم على نوافذ الحافلات ينظرون إلى الجبال والطرق وكأنهم يُلقيون نظرة الوداع الأخيرة على كل شبر مروا به.
أغلب الحجاج المصريين أبدوا مشاعر قوية عند المغادرة، حتى أولئك الذين أدّوا الفريضة أكثر من مرة، فيما حرص الفريق الطبي والإداري المرافق على مرافقة كبار السن والمرضى في هذه اللحظات، ومساعدتهم على تأدية طواف الوداع بهدوء وسلاسة، احترامًا لخصوصية المشاعر التي تسيطر على الجميع.
أما في الحافلات، فقد ظل الدعاء حاضرًا على ألسنة الركاب. كلمات قصيرة ومتكررة تلخص كل ما يريدونه: "اللهم لا تجعلها آخر العهد بمكة"، "اكتب لنا حجًا آخر"، "لا تحرمنا من هذا المكان المبارك".
وبين هذه الأدعية، كانت الكاميرات توثق الطريق، تلتقط صور الجبال والسماء وأطياف المشاعر، وتخبئها في ذاكرة الأجهزة والقلوب معًا.
مشهد الوداع من مكة ليس مجرد نهاية لرحلة حج، بل لحظة تتوقف فيها عقارب الروح لتسجل أقوى لحظات الصفاء والخشوع، وتغادر معها أجساد إلى المدينة، لكن تظل الأرواح معلقة هناك، عند الكعبة، في أملٍ صادق بالعودة، وقلوب مملوءة بالحنين.
Trending Plus