شتّان ما بين التناسى والنسيان.. عن النضال بالذاكرة إزاء الاحتيال عليها فى فلسطين

يقول الراحل جمال حمدان إن «الجغرافيا تاريخ ساكن، فيما التاريخ جغرافيا متحركة». والجملة على تقابلاتها التى تبدو بسيطة؛ فإنها بليغة وشديدة العمق والتعقيد، إذ تمزج المادى بالمعنوى، وتجعل من الذاكرة متمما للخرائط وحارسا عليها، ومن الأرض هوية وحكايات توجز سردية البشر وأثمن ممتلكاتهم فيها.
لا ينوب واحد منهما عن الآخر قطعا؛ إنما لا يكتمل ولا تتظهر معانيه إلا به. تتحقق الأوطان فى الوعى قبل الوعاء، وتتجسد المشتركات بالطبوغرافيا كما بالديموغرافيا وعناصر الاتصال والانفصال فيها. يُولد الكيان روحيا، وتنضج الروح نفسها فى بوتقة الاجتماع المؤطر بالمكان.
وفى حال فلسطين نموذجا؛ فالصراع ليست على الأرض وحدها، بل على الرواية الحاضنة لساكنيها الأصلاء، مقابل أخرى تلفق وجودا ميثولوجيا لوافدين من خارجها.
وفيما تقر الوقائع الماثلة توازنات لا سبيل لضبطها أو إعادة تحريرها؛ فإن التحصن بالسكون الجغرافى على معنى التأريخ والتذكر، وبالحركة التاريخية من زاوية التراكم وطبقات الاجتماع والحضور الإنسانى العابر من الماضى للحاضر، يمثلان عامل قوّة لا غنى عنه لأصحاب القضية فى أزمنة ضعفها وضعفهم، وسبيلا وحيدا لإعادة بناء الصورة وضمان استدامتها فوق العوائق والتحديات.
وتظل المعادلة آمنة ومحصنة ما بقى أحد طرفيها ثابتا، أى أن الفوارق المادية الكاسحة قد تسمح للصهاينة باللعب على السطح؛ لكن استمساك الفلسطينيين بالمستقر والمطمور بين الطبقات العميقة يستبقى لهم شيئا عصيا على التزييف والابتلاع، ويوفر قاعدة صالحة للانطلاق بعد كل محنة، وقادرة على مداواة آثارها مهما بدت ثقيلة وعاصفة.
حلت الصهيونية على الفضاء المنكوب بين النهر والبحر حلولا نفسيا أولا، وتجسّدت فكرتهم العدوانية فى الخيال والرواية، قبل أن تضع قدما على الأرض أو تُرسى دعائم وجودها النظامى.
والنكبة الأولى اقتلعت مئات الآلاف من قراهم وبيوتهم؛ لكنها لم تقطع جذورهم المتصلة بها عضويا، ولهذا ما تزال السيرة متقدة فى الصدور، ومسألة اللاجئين حيّة رمزيا، وفى أية مداولات مثارة بشأن التسوية السياسية والحل النهائى. وكذلك النكبة الماثلة فى غزة؛ فإنها شطبت عائلات بأكملها من سجلات الأحياء، لكنها جددت روابط ذويهم ووثقتها مع التراب الحاضن لجثامينهم.
صار القطاع خرابا بالفعل؛ إنما ما يزال قابلا لإعادة الإعمار ولو كانت عملية طويلة ومرهقة فى الجهد والتكلفة. لا تكسب إسرائيل بالسيطرة على الأرض، ولا يخسر مُلّاكها طالما لم يُفرّطوا فى الذاكرة.
والقصد هنا؛ ألا يكون التذكر انتقائيا وملونا بحسب التوجه والمصلحة، بل أن يظل عموميا مجردا ومتحليا بالموضوعية والصلابة، ليست صلابة المبدأ فحسب، ولكن شجاعة الاعتراف بالخطأ وعدم التعالى عليه، وإثبات ما يُوسَف عليه إلى جوار ما يُمتدح ويدعو للتفاخر. ليكون الإقرار بالخطايا مفتتحا لعلاجها، ومناعة من تجددها وتكرار انتكاستها.
الذاكرة هنا عليها أن تلعب دور المُرشد والمُرشِّد، وأن تستخلص الجوهرى الثمين من زحام الأفكار والأيديولوجيات وأهواء الأفراد، فضلا على الاشتغال بدأب لطمأنة الناس من أنهم لا يتعرضون للسلب خارجيا والاستلاب داخليا، ولا تُسرق أرضهم بسطوة الاحتلال، وتُبدّد سردياتهم تحت وطأة الاصطناع والنمذجة النمطية لصالح تيار دون آخر، ولحسابات فصائلية أو فوق وطنية غالبا.
والمنطق السابق له مزايا وعيوب، يتعين على الجميع أن يرتضوها ويُقروا بها على السواء دون فرز أو انتقاء. فمثلا يمكن الخلوص منه إلى أن حماس ليست مسؤولة بمفردها عما آلت إليه أوضاع الغزيين، انطلاقا من كون المحنة نابعة بالأساس من الاحتلال، ومن تغييب الحلول العادلة، وهشاشة الطبقة السياسية فى حقبة أوسلو وما بعدها.
لكن الجانب المقابل من الصورة ينطوى أيضا على إدانة لاحتكار الواجهة والانفراد بالقرار، وينسف أية افتراضات ملفقة عن مسار النضال الوطنى، تحاول الإيحاء بأن الحركة أعادت إحياء القضية أو استنبتت المقاومة من عدم.
فكما أن إسرائيل مسؤولة عن المأساة بالتاريخ والوقائع، فإن سجلات التصدى لها مليئة بالاجتهادات الخشنة والناعمة، والحماسيون ليسوا سوى حلقة ضمن مسلسل طويل، لهم محطات تحتمل الإشادة، وعليهم مؤاخذات لا تخلو من الشبهات.
لم يكن الإخوان غائبين عن فلسطين منذ انفجار أوضاعها، بالاستيطان أولا ثم بالتقسيم والاحتلال ومطاردة السكان وطردهم.
كان أمين الحسينى شاهد عيان، التقى هتلر وتوسط لعقد لقاء يجمعه مع حسن البنا، والجماعة رافقت النكبة من بدايتها لمنتهاها، وما اختارت أن تتشكل كيانا متجسدا فى فصيل إلا بعد أربعة عقود، وكانت حركة فتح ومنظمة التحرير قد استبقاها بأكثر من عشرين سنة، وخاضوا صراعات عديدة ومركبة فى الخارج والداخل، وأفضت جهودهم لإعلان قيام الدولة ومخاطبة العالم من منصة الأمم المتحدة، وصولا إلى إيقاظ الشارع وتثويره فى الانتفاضة الأولى/ أطفال الحجارة.
وهنا تحديدا انشقت الأرض عن حماس بعد حضور خافت ومخاتل وغير مثمر بالمرة، لتستغل الفورة الشعبية للإعلان عن نفسها قوة طالعة من بين الناس، ومتحررة من اعتبارات السياسة وتوازنات الخرائط العربية السائلة.
وبقدر ما يصح النظر إليها على اعتبار أنها كانت نتاج تفاعلات يغلفها اليأس وانعدام الأمل؛ تحتمل الولادة الطارئة أسئلة جمّة عن المكان والزمان، وعن مناطحة المنظمة وأوسلو لاحقا، واختصام كاريزما عرفات بالصخب الأصولى، ثم بالانفلات الكامل بعدما انطفأت أسطورة الرجل ووسِّد التراب فى مثواه الأخير.
الرواية هنا تحتمل الضدين معا: حركة مقاومة وطنية بنكهة عقائدية، أفرزتها الحاجة بعد انقضاء زمن القومية العرببة وخطاباتها الهائجة، أو مسمار أصولى طرأ على المشهد فاستثمره العدو، ودقّه قصدًا فى خشبة النضالات الوطنية، على أمل شقها أو تفسيخ نسيجها وتشويه صورته. الذاكرة عليها أن توثق لا أن تفرز، ثم تتكفل الوقائع التالية بإجلاء الغامض وتفسير المستغلق على الأفهام.
البقاء خارج منظمة التحرير عنوان له دلالات من المستحيل تجاوزها. وكذلك الاقتراب من خطاب اليمين الصهيونى المضاد لتفاهمات أوسلو، لدرجة خلق تعادلية بين حال الحركة فى تشغيبها داخل البيئة الفلسطينية، وما كان من تحريض نتنياهو على إسحاق رابين ثم الرقص فوق جثته وصولا لمقعد الحكم.
المنافسة على السلطة فى أول استحقاق بعد عرفات تبيان لما كان خفيا من أهداف حماس، والانقلاب سريعا على رام الله اقتطاعا للقطاع من الكيانية التى لم تتحقق بعد دلالة أخرى. وصولا إلى قرار الطوفان بمعزل عن الجمعية العمومية للدولة الضائعة، واتصالا بالشيعية المسلحة وغيرها من أجندات إخوانية عابرة للحدود.
وأخيرا، نصل إلى البقاء فى معركة غير متكافئة، والتفاوض على مصالح التنظيم ولا تعارضت مع أولويات القضية وشواغل الغزيين. كلها ثقوب فى الرداء القسّامى، وتساؤلات مفتوحة لم تستوف إجاباتها المقنعة حتى الساعة.
وفيما تثار اليوم أحاديث عدّة عن انفجار للميليشيات المسلحة فى غزة، وبينها دوائر تُوصف بالعمالة كحال مجموعة ياسر أبو شباب؛ فإن الرواية لا تكتمل من دون العودة إلى الوراء قليلا، والوقوف على الحقيقة المجردة بشأن طبيعة حماس وتوصيفها الموضوعى المجرد.
فالواقع أنها ميليشيا أيضا، وتأسست فى سياق ملتبس، وعلى علاقة مركبة وصدامية مع السلطة الشرعية، كما أنها تربحت من الاحتلال باتفاقات صريحة أو مواءمات ضمنية.
وليس القصد هنا إطلاقا أن تُبرر الخيانة، ولا أن تُبرّأ ساحة أبو شباب وأمثاله؛ إنما أن تُضبط النظرة للحوادث وفق منطلقات مبدئية ومداخل منطقية ناضجة، يُلام فيها الجميع على أخطائهم بالتساوى ودون استثناءات، وليس أن تتخذ الواقعة الواحدة صفة الذم فى سياق، وفاعلية المدح فى آخر شبيه به أو مطابق له تماما.
والمعضلة فى هكذا تصورات أنها تبتسر القصص وتحرفها عن مواضعها، وقد تنطوى على رغبة فى التعمية والإلغاز انطلاقا من خلق الأوراق وتشويه الحقائق.
فالقطاع المنكوب يفيض بالغضب مما آلت إليه أحواله، وقد أخرجته النكبة من الاستقامة الضميرية التى تتصورها الأصولية عن الصراع، فبات حانقا على الصهاينة وناقدا للحماسيين.
وإدخال ورقة الميليشيات التى سلّحتها إسرائيل على الخط، مع الإفراط فى ترويجها وتسييدها على غيرها من المسائل؛ إنما يتقصّد التأطير والردع الاستباقى، عبر ترويض الغاضبين أو الإيحاء لغيرهم فى الداخل والخارج بأنهم عملاء غير وطنيين.
وبهذا؛ توظّف الحقائق بغرض التضليل، وتُختزل الحكاية المركبة فى تفصيلة واحدة، وبانتحال واحتيال ملؤهما الابتسار والمبالغات غير البريئة.
والمسألة نفسها تنسحب على الماضى بأثر رجعى، وتلك النقطة أهم ما يشغلنى شخصيا، ولأجلها فقط قررت الاشتباك مع الموضوع. إذ شهدت الأيام الأخيرة رواج دعائية موجهة عن عنصر غزّى اسمه عصام النباهين، يقال إنه ينتمى لمجموعة أبو شباب حاليا، وكان داعشيا فى السابق.
والزعم أنه أحد المتورطين فى عمليات الإرهاب التى شهدتها سيناء قبل سنوات، ما يعنى ضمنيا أن الجريمة تلتصق بجانٍ جديد من خارج الهيكلية الحماسية، وبالتبعية فإن الحركة بريئة تماما مما نُسب إليها من جنايات موصوفة على الأراضى المصرية، وبحق مدنيين وجنود استُبيحوا وأُزهقت أرواحهم غدرا.
والعقدة هنا ليست فى مشاركة النباهين من عدمها؛ بل فى العمل على تلفيق سياق كامل يتضاد مع ما عشناه وكنا شهودا عليه، وما أُثبت بالقرينة والدليل، وباعترافات موثقة ومحاكمات علنية استوفت الضوابط الإجرائية والفنية وضمانات التقاضى والمساءلة العادلة.
لم يغادر محمد مرسى ورفاقه زنازينهم البعيدة فى صحراء وادى النطرون نتيجة زلزال أو كارثة طبيعية. كان الهروب مصنوعا ومرتبا تماما، بالتنسيق مع قيادة حماس وبتنفيذ عناصرها من مقاتلى القسام.
اقتُحمت الحدود حقيقة لا خيالا، وثمة تجربة سابقة لا يداخلها الشك فى العام 2008. الأنفاق كلها كانت تحت سيطرة الحركة، والعداد والعتاد عبرت منها لا من السطح. ضُبط عناصر من التنظيم فعلا، وقُتل آخرون خلال المواجهات، وبعضهم نعاه قادة ومقربون وثيقو الصلة بالفصيل الفلسطينى.
تلك وقائع قُتلت بحثا، وتأكدت بالتيقّن الخالص، ولا مجال لإعادة عرضها على البحث والتداول لمجرد أن عنصرا من المتورطين ينتمى لداعش؛ لا سيما أن جميع الفصائل والتيارات الأصولية فى غزة كانوا يعملون بالتنسيق مع حماس أصلا، ويأتمرون بأمرها، وعبورهم حجة على الحماسيين لا لهم، ودليل على الإفراط والتفريط العمديين أيضا.
تجاوزت مصر رواسب الماضى احتراما لفلسطين وقضيتها، وترتيبا للأولويات بشأن الأشقاء والأمن القومى، ولأنها لا تتقاعس عن أدوارها الإلزامية والاختيارية مهما تضخمت العوائق والمنغصات.
لا يعنى هذا أنها أسقطت التهمة أو غفرت للمجرمين، ولا أنها تتبرع بذاكرتها لتلفيق سردية تغسل أيدى المدانين مجانا ودون أى مبرر.
الدول العاقلة تفصل السياقات عن بعضها، والمشكلة مع سلطة الأمر الواقع كانت عندما وجهت أسلحتها إلى صدورنا؛ إنما لا خلاف معها عندما توجهها إلى وجهتها الصحيحة، وتضطلع بمهامها الوطنية رفقة شركائها وجمهورها، وسيكون على مصر وقتها أن تدعم وتؤزار وتبذل كل ما فى وسعها، من دون أن تجعل إحن الماضى عقبة على طريق الإسناد، أو أن تشطبها من الدفاتر تطوعا وإبراء غير مستحق للذمم الملوثة.
الذاكرة هنا ليست منصة للإدانة فحسب؛ بل لرصد الحقائق واستكشاف مداخلها الواعية، والوقوع على تناقضاتها الخفية. بحيث يتيسر سد الثغرات واجتناب المآل ذاته مستقبلا؛ فيما يشى السعى للإفلات من قبضة التاريخ والعمل على تشويهه، بنزعة عدوانية لا تعترف بالخطأ، فلا ترى أنها فى حاجة إلى تصويبه بمجرد الاعتذار أو تعديل الأفكار والخطابات التى قادت إليه.
فكأن الحركة لم تتعلم من دروس الماضى أو تتعظ بها، ولا ضمانة على الإطلاق من أنها باقية على عهدها القديم، وقد لا تتورع عن تكرار مزالقه حينما تقضى الظروف أو المصالح الظاهرة والمضمرة.
وهنا نعود لفلسطين مجددا؛ فالسنوار أطلق الطوفان وكابر سنة كاملة فى المراجعة والتقويم، وإسرائيل تنزح الخنادق على حال التصلب نفسها رغم هشاشة البناء والأداء، وقادة الفنادق يصرون على زعمهم بالنصر ويتحدثون لغة منعزلة عن الواقع، ومتعالية على وجيعة حاضنتهم الشعبية العريضة.
النسيان علة يتعين أن يتقيها أصحاب الجروح الوجودية النازفة؛ أما التناسى والتعامى والإنكار والاستنكار فجرائم عمدية لا تُبرر ولا تُغتفر، كما لا تنم إلا عن سطحية ورعونة وعدم استشعار لحجم الكارثة وتداعياتها الثقيلة، ومآلاتها التى ستتراكم وتصاحب القضية وأهلها لعقود مقبلة.
كثير من فخاخ الحاضر حُفِرَت فى أزمنة سابقة، وما تزال فعّالة ومُولِّدة للعثرات. حماس نشأت تحت سقف الوقفية الإسلامية وإلغاء المُحتل تماما، وبينما صارت أضعف من الدفاع عن بقائها الذاتى، يظل الصهاينة على عادتهم فى استخدام مزاعم المحيط العدائى الراغب فى الانقضاض على اليهود وإلقائهم فى البحر.
وقد وظّفت أكذوبة أخرى ضد الفلسطينيين، تدور فى نطاق أنهم باعوا أرضهم وتلقّوا مقابلها، وسواء كانت استندت لوقائع معدودة وهامشية أو اختلقت القصّة من العدم؛ فإن آثارها ما تزال حاضرة ولم تتبدّد من الأذهان تماما.
وفى الأخير؛ ما بقيت القضية فوق نكباتها المتوالية إلا بالذاكرة، وبها وصلت إلى الفصائل الغزّية لتجد ما تقف عليه وتناضل لأجله أو تتاجر به، ويتعيّن ألا تُعوِّض خسارتها فى الميدان أمام إسرائيل، بإعانة العدو على خزائن الوقائع والحكايات، حُلوّها ومُرها، وما يُشين فيها قبل ما يدعو للزهو والافتخار.
أبو شباب خائن أو مُغرَّر به، والنباهين داعشى قتل الجنود المصريين أم تُلصق به التهمة لإبراء آخرين، لا فارق على الإطلاق طالما لم يُحرِّر الحماسيون جانبهم من الحكاية بموضوعية واتّزان، ولم يُقرّوا بأخطائهم ليتوبوا عنها، ويُقيموا حجّة التوبة على الغائصين فى مستنقعات التكرار والاستزادة من السقطات.
يتوجّب أن تُراجع تاريخها نشأة ومُنطلقات، وأن تعترف بخطيئة التشغيب على منظمة التحرير، والاشتغال بجانب اليمين الصهيونى ضد أوسلو حتى لو كان مُقدّرًا لها أن تفشل فى كل الأحوال، كما يتوجّب الاعتراف بخطأ الانقلاب والانقسام، وفداحة العمل مع نتنياهو صراحة أو من وراء ستار، وسفالة إعلاء الراية الإخوانية أو الشيعية فوق فلسطين، والتورط فى جرائم مُشينة بحق مصر وغيرها.
الذاكرة لا تعمل فى مسار واحد، ولا تصبح فعّالة ما لم تتوقّف عن أن تكون انتقائية ومُضللة لأصحابها. المعنوى فى تلك القضية العادلة لا يقل أهمية عن المادىِّ، والسلاح قد يُخفق وتتآكل الجغرافيا؛ إنما الخطر كله أن تبهت السردية أو يُتلاعَب فيها لأغراض أيديولوجية وتحالفية موجّهة سلفًا.
الاعتراف دون مكابرة مدخل إلزامى إلى التسامح دون نسيان، وبهما فقط لا يضرّ الفلسطينيين شىء من إجرام الصهاينة أو انحياز المنحازين لهم، وبدونها تتسع الخروق على الراتقين مهما حسُنت النوايا.
يُدان من يستحق الإدانة، ولا برىء سوى الأبرياء المغلوبين على أمرهم. أما أقنعة الملائكة فلا تُقنع أحدًا، وتُيسِّر لشياطين آخرين أن يستمرئوا لعبة التخفّى والخداع. على الأصوليين العودة إلى بشريّتهم؛ ليكون ثمّة أمل فى الندم أولا، ثم فى التوبة والصلاح وإن بعد مشقّة وحِجاج.

Trending Plus