وشاح من زمن الفراعنة.. كنز توت عنخ آمون لأول مرة فى المتحف الكبير

قبل أكثر من قرن انحنى العالم البريطانى هوارد كارتر على فتحة صغيرة فى الرمال، وأدخل شعلة خافتة إلى جوف مقبرة غلفها الغموض 3000 عام، سُئل: "هل ترى شيئًا؟" فأجاب بانبهار: "نعم... أشياء رائعة!"، كان ذلك في 16 فبراير من عام 1923، عندما أصبح كارتر أول إنسان تطأ قدماه مقبرة الملك الذهبى توت عنخ آمون، الصبى الذى جلس على عرش مصر فى الأسرة الثامنة عشرة.

تلك المقبرة، التى وُصفت منذ لحظتها الأولى بأنها "أيقونة الآثار المصرية"، تميزت بكونها المقبرة الملكية الوحيدة المكتشفة فى وادى الملوك بمحتوياتها شبه الكاملة، والتى حفظها الزمن دون أن تمسها يد لص أو تفتك بها الرمال.

واليوم، وبعد مائة عام، يستعد العالم لمشاهدة هذه الكنوز كما لم تعرض من قبل، داخل قاعات المتحف المصرى الكبير، فى عرض كامل لمجموعة الملك توت عنخ آمون لأول مرة، يزيد عددها على 5 آلاف قطعة، من بين أكثر من 50 ألف قطعة أثرية يحتضنها الصرح الثقافى الأكبر فى التاريخ الحديث، لكن بين تلك القطع، هناك كنز خفى، لا يلمع كالذهب لكنه يحمل بين خيوطه قصة مذهلة إنه وشاح الملك الذهبى توت عنخ آمون.

عندما وصل هذا الوشاح إلى معمل الآثار العضوية داخل المتحف المصرى الكبير، لم يكن أكثر من كتلة غامضة غير واضحة الملامح، كأنها ترفض البوح بسرها، خضع للتحاليل والتصوير تحت أضواء خاصة، وتبين أنه نسيج ملكى فريد، تظهر عليه كتابات مقدسة فى جزئه الأمامى.

بدأت رحلة ترميم دقيقة قادها فريق من الخبراء، استعانوا بجهاز "ألترا سونيك" لترطيب النسيج بالبخار وفرده ببطء دون أن يتفتت، وبعد ثلاثة أسابيع من العمل المتواصل، انبسط أمام أعينهم وشاح مذهل، بلغ طوله نحو 4 أمتار و80 سم.

ولأن طوله كان استثنائيًا، ويفوق مقاسات الحوامل التقليدية، كان لا بد من ابتكار وسيلة عرض خاصة، تم تصنيعها يدويًا عبر وصلات دقيقة فى الكارتون، ووضع الوشاح أخيرًا فوق قماش مختار بعناية، ليعرض أخيرًا، بعد ثلاثة آلاف عام، كما يليق بملك عائد من آلاف السنين.

الزوار الذين سيقفون أمام هذا الوشاح لن يروا مجرد قطعة قماش، بل سيلمسون بعيونهم خيطًا من نسيج الحضارة، نسج بأيدى المصريين القدماء، وانتظر ثلاثة آلاف عام ليُحكى قصته.