الكوبالت وإخواته.. ورقة الصين الزرقاء فى الحرب التجارية مع أمريكا

فى ظل جولة المفاوضات بين الولايات المتحدة والصين، التى انعقدت فى لندن، بدا أن الأمر يتجاوز حربا تجارية، لكنه صراع على المستقبل، واحتكار التكنولوجيا فى مجالات النقل والصناعات العسكرية والفضاء وبالطبع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى، وبدا أن الصين تمتلك الكثير من الأوراق التى تمكنها من الصمود فى لعبة شطرنج خطرة ومعقدة، فقد برزت ورقة المعادن الأرضية المختلفة التى اتضح أن الصين تسعى على مدى عقدين لامتلاكها والاستثمار فيها ضمن مساعيها للسبق التكنولوجى.
وتعد الصين أكبر منتج فى العالم لـ30 من أصل 44 معدنا أساسيا تدخل فى كل الصناعات التكنولوجية وربما أشهرها الكوبالت الذى يسمى المعدن الأزرق، والذى يمثل أحد أهم أسس إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، وقبل سنوات اشترت الصين أكثر من نصف مناجم الكوبالت فى الكونغو، والتى تحتكر أكثر من 60 % من إنتاج الكوبالت فى العالم، وسعت الصين فى عهد الرئيس شى جين بينج إلى الاستثمار فى إنتاج المعادن الأرضية التى يعد الكثير منها أساسيا لتصنيع الرقائق، بما فى ذلك الجاليوم والجرمانيوم والأنتيمون والجرافيت والتنجستين، وباقى مجموعة العناصر الموجودة فى الجدول الدورى ولها خصائص متشابهة، تستخدم المعادن الأرضية النادرة فى تصنيع التقنيات بما فى ذلك المركبات الكهربائية، وطواحين الهواء، والإلكترونيات الاستهلاكية، وصناعة الدفاع، وقد فرضت الصين قيودا على تصدير بعض العناصر الأرضية النادرة وحظرت تصدير تكنولوجيا معالجة العناصر الأرضية النادرة، وتحوز الصين ما يزيد على 95 % من إنتاج العالم من المعادن النادرة.
والواقع أن بكين لم تبدأ الحرب التجارية، لكنها استخدمت ورقة سلاسل توريد المعادن النادرة التى مثلت معادلا لرسوم الرئيس ترامب، لأنها مثلت تهديدا للصناعات التكنولوجية والعسكرية، وبالتالى تعرض البيت الأبيض للضغط من رؤساء الشركات وأرباب الصناعات بسبب تصعيد الحرب التجارية مع الصين، وبعد إعلان ترامب مطلع أبريل الماضى فرض رسوم جمركية بنسبة 145 % على الواردات من الصين ردت بكين بفرض تعريفة جمركية على الصادرات الأمريكية، وفرضت حظرا على تصدير السبائك المحتوية على معادن نادرة إلى الولايات المتحدة.
وهو ما ظهر أثره على الفور، وأرسلت كبرى شركات صناعة السيارات مثل «جنرال موتورز» و«تويوتا» و«هيونداى» و«فولكس فاجن» رسالة إلى البيت الأبيض فى 9 مايو الماضى، حذرت فيها من أنه إذا لم يرفع الحظر الصينى عن تصدير تلك السبائك المعدنية لن يكون أمام هذه الشركات سوى خفض إنتاجها بشدة، يومها كتب الرئيس ترامب على موقعه أنه «مستعد لتقديم تنازلات كبيرة للتوصل إلى اتفاق مع الصين»، وفى الأسبوع التالى عقدت جولة محادثات بين مسؤولين أمريكيين وصينيين انتهت باتفاق مبدئى على خفض الرسوم والتعريفة الجمركية، واتضح بعد ذلك أن الصين سمحت بإعادة تصدير المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة.
وفى لندن بعد يومين من المحادثات، خرجت أمريكا والصين بتصريح أنهم «اتفقوا من حيث المبدأ» على إطار عمل جديد للهدنة التجارية. هذا يعنى أنهم وضعوا الخطوط العريضة وأعلنت بكين فك القيود على تصدير المعادن الأرضية النادرة «التى تعتمد الصناعة العالمية عليها فى كل شىء من السيارات للمقاتلات»، بينما واشنطن بدأت فى تخفيف القيود على بعض تكنولوجيات الرقائق الدقيقة التى تحتاجها الصين فى صناعتها، دون أن تمس رقائق الذكاء الاصطناعى المتطورة مثل التى تمتلكها إنفيديا، والتى يبدو أنها ستكون فى الطريق، لأن الأوراق التى تمتلكها الصين تمثل عنصرا شديد الأهمية والحسم فى اللعبة الدائرة، وكانت رسالة الصين، التكنولوجيا مقابل المعادن التى تدخل فى صناعة التكنولوجيا، حيث فرضت أمريكا حصارا اقتصاديا على الرقائق الدقيقة «ميكروتشيبس» خاصة المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعى، بدأها ترامب فى رئاسته الأولى وأكملها بايدن، رهانا على منع الصين من التطور العسكرى والتكنولوجى، لكن الواضح أن الصين استعدت إلى هذه الجولات جيدا فى سباق هدفه السبق التكنولوجى، ومن الواضح أن المعادن النادرة، الكوبالت وإخواته، مثلت ورقة رابحة لبكين.

Trending Plus