سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 12 يونيو 1974.. نيكسون فى أول زيارة لرئيس أمريكى لمصر ووسائل الإعلام تدعو للحشد فى استقباله.. وأحمد فؤاد نجم يكتب قصيدته ساخرا: «شرفت يا نيكسون بابا»

أراد الرئيس السادات أن يكون استقبال نظيره الأمريكى ريتشارد نيكسون أسطوريا، فأعطى تعليماته للحكومة بأن تكون هناك حشود شعبية كبيرة فى استقباله بالقاهرة مع بدء زيارته إلى مصر يوم 12 يونيو، مثل هذا اليوم، 1974.
كانت زيارة نيكسون هى أول زيارة يقوم بها رئيس أمريكى لمصر، وتمت الزيارة فى مرحلة تاريخية بالغة الدقة لمصر وللمنطقة، فحرب أكتوبر 1973 لم يكن مضى عليها أكثر من 9 شهور، وكانت سياسة السادات نحو الارتباط بأمريكا تشهد اندفاعا كبيرا، عكس ما كانت عليه علاقة البلدين من توتر فى مرحلة الرئيس جمال عبدالناصر، والذى بلغ ذروته بقرار قطع العلاقات معها بعد نكسة 5 يونيو 1967، كما وقعت الزيارة أثناء الموقف الداخلى الحرج الذى كان يواجهه نيكسون بسبب تورطه فى فضيحة «ووترجيت»، وحسب الكاتب الصحفى صلاح عيسى فى كتابه «شاعر تكدير الأمن العام - الملفات القضائية للشاعر أحمد فؤاد نجم»: كانت حملة الصحف الأمريكية على نيكسون قد وصلت إلى ذروتها، بعد أن ثبت أنه أمر بزرع أجهزة تنصت فى مقر الحزب الديمقراطى المنافس له بـ«ووترجيت»، وهوت شعبيته حتى أصبح الجميع يتوقعون سقوطه.
يكشف الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، فى كتابه «خريف الغضب»، أن الإعداد لهذه الزيارة تم بين السادات ووزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر، ويؤكد: «كان الهدف منها فى وسط خضم أزمة «ووترجيت» أن تؤثر على الرأى العام الأمريكى وتقنعه أن الرئيس الآيل للسقوط فى واشنطن هو صانع السلام الذى تهلل له جماهير العالم العربى التى طالما وقفت موقف العداء للسياسة الأمريكية»، يضيف هيكل: ربما كان فى ذهن «السادات» الذى لم يقدر مدى خطورة فضيحة «ووترجيت»، أن زيارة رئيس أمريكى له فى ذلك الوقت ترفع هيبته وتفسح له المجال الذى يريده تحت الأضواء العالمية.
ويستشهد «هيكل» بآخر مقال كتبه فى الأهرام وهو رئيس تحرير له يوم 1 فبراير 1974، كدليل على وجهة نظره، حيث توقع فيه سقوط نيكسون وخروجه من البيت الأبيض، ويكشف أن السادات غضب من هذا المقال غضبا بالغ العنف والشدة، ويقول «هيكل»: «من الملفت للنظر أن التعليمات صدرت للصحف المصرية فى ذلك الوقت بأن تمتنع عن نشر تطورات فضيحة «ووترجيت» التى كانت تنفجر كل يوم فى واشنطن، واستقبل نيكسون فى القاهرة استقبال الأبطال وهو المطارد فى بلده».
يذكر صلاح عيسى، أن أجهزة الإعلام الرسمية أوهمت الناس بأن من واجبهم أن يبالغوا فى الترحيب بأول رئيس أمريكى يزور بلادهم، إذا أرادوا أن تحل أمريكا كل مشكلاتهم فتضغط على إسرائيل لكى تجلو عن بقية الأراضى المحتلة، وتغدق مصر بالمعونات الاقتصادية، فينال كل واحد منها نصيبا من دولاراته.
امتلأت الشوارع بالناس التى حشدتهم الأجهزة من القاهرة والمحافظات المتاخمة لها، وتم تجهيز سيارة مكشوفة لنيكسون، فرفض حرس أمريكا ركوبها، وبعد محاولة أخذ ورد، طلب رئيس حرس أمريكا كتابة تعهد من رئيس مصر بالمحافظة على حياة رئيس أمريكا، وكان أطرف ما فى الاستقبال الورد الذى تم إلقاؤه على الرئيسيين ووصفها نيكسون فى خطابه بأن «الشعب حول السيارة لحديقة»، وفى خطابه الذى ألقاه من شرفة قصر القبة، قال: «إن المسؤولين عادة يستطيعون التمييز بين استقبال حكومى واستقبال شعبى من القلب، وأنا سعيد بقلوب المصريين».
كانت قوى اليسار المصرى بكل فصائله هى الأكثر رفضا لهذه الزيارة، وأصدرت التنظيمات الماركسية السرية بيانات إدانة قامت بتوزيعها فى الشارع، كما كتب الشاعر أحمد فؤاد نجم قصيدتيه «حسبة برما بمناسبة زيارة ابن الهرما» و«شرفت يا نيكسون بابا»، ويذكر صلاح عيسى، أن القصيدة الأولى كانت لفضح زيف الأرقام التى أذيعت حول عدد الذين استقبلوا الرئيس الأمريكى من المصريين، وليشد المسخرة فى الثانية على الضيف والمضيف، وعلى جوقة أصدقاء الولايات المتحدة فى الصحافة المصرية الذين مهدوا للزيارة، وأحاطوها بحملة دعاية واسعة، انطلاقا - كما كتب أحدهم آنذاك - موقف الشعب من زيارة الرئيس الأمريكى هو استفتاء على النظام الاجتماعى الذى يريده، والمعسكر الدولى الذى يريد أن ينضم إليه.
يؤكد «عيسى»: «لسبب ما استفزت قصيدة «شرفت يا نيكسون بابا» السلطات المصرية، ربما بسبب المقطع الثانى منها، الذى يخاطب فيه «نجم» الرئيس الأمريكى «نيكسون» قائلا: «جواسيسك يوم تشريفك/عملوا لك دقة وزار/ تتقصع فيه المومس/ والقارح والمندار/ والشيخ شمهورش راكب /ع الكوديا وهات يا مواكب/ وبواقى الزفة عناكب/ ساحبين من تحت الحيط/ وأهو مولد ساير داير/ شى الله يا أصحاب البيت».
يقول «عيسى»، إنه فضلا عن أن «نجم» يتهم فى هذا المقطع كل الذين رحبوا بالرئيس الأمريكى، بأنهم من جواسيسه، فقد فهمت الإشارة إلى «الشيخ شمهورش» و«الكوديا» باعتبارهما إيماءة إلى الرئيس السادات، والسيدة جيهان السادات، اللذين كانا يتصدران كل مواكب الترحيب بالرئيس الأمريكى.
Trending Plus