ما حكم التقشير الكيميائى للوجه والكفين من أجل التداوى؟ دار الإفتاء تجيب

دار الإفتاء -أرشيفية
دار الإفتاء -أرشيفية
كتب لؤى على

ما حكم التقشير الكيميائي للوجه والكفين من أجل التداوى؟ حيث يلجأ بعض الناس إليه باعتباره حَلًّا علاجيًّا لمشاكل البشرة وإزالة آثار حب الشباب والندبات، ومعالجة التصبغات الشمسية، والكلف والنمش ونحو ذلك، وهل يسري الحكم فيما إذا تم اللجوء إليه للزينة وحسن المظهر من نحو تنقية البشرة وإضفاء مظهر جماليٍّ عليها؟ سؤال أجابت عنه دار الافتاء بالآتى:

التقشير الكيميائي للوجه والكفين والرقبة بل لجميع أجزاء الجسم -أمرٌ جائزٌ شرعًا، سواء كان ذلك للتداوي أو لغرض تجميلي، ويستوي في ذلك النساء والرجال، بشرط ألَّا يكون فيه ضرر على الإنسان في الحال أو في المآل، وأن يتم لدى المتخصصين المرخَّص لهم بممارسة هذا العمل.

 

بيان أن حب الزينة أمر فطري

حُبُّ الزينة والحرصُ على المظهر الحسن والهيئة الجميلة أمرٌ فطريٌّ، وموافقٌ لمراد الشارع الحكيم سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان بجمال الصورة وحسن التقويم، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4].

والأصل في التجمل والتزين: الحِل إلا ما جاء نص على حرمته، قال الله تعالى: ﴿يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31].

وقال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: 32].

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، إني ليُعْجبني أنْ يكون ثوبي غَسيلًا، ورأسي دَهينًا، وشِرَاك نعلي جديدًا، وذكر أشياء، حتى ذكر عِلَاقة سوطِه، أفمن الكبر ذَاكَ يا رسول الله؟ قال: «لَا، ذاكَ الْجَمَالُ، إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» أخرجه مسلم، وأحمد، والحاكم.

قال الشيخ ابن القيم في "الفوائد" : [ويدخل فيه بطريق العموم: الجمالُ مِن كل شيء] اهـ.

بيان المراد بالتقشير الكيميائي للجلد وحكمه


زينة الوجه والكفين من أوليَّات ما تتعلق به النفس ويشتد حرصها على ظهورهما في أحسن حال، إلَّا أنه قد يطرأ عليهما من العوارض والأحداث ما يؤثر على مظهرهما، من نحو: حروق، أو أمراض فسيولوجية، أو تصبغات شمسية، أو تشوهات خِلْقِيَّة، أو ظهور بقع الكلف والنمش نتيجة تقدم العمر أو الحمل والولادة، ونحو ذلك مما من شأنه أن يكون ضرورة مُلْجِئة أو حاجة مُلِحَّة تجعل الإنسان يُقدم على استخدام الوسائل الطبية التي من شأنها إعادة الوجه والكفين لمظهرهما الطبيعي من حيث صفاء اللون، وتتنوع تلك الوسائل وتختلف باختلاف الزمان، وَتَطَوُّرِ المعارف الطبية، وحسب الحالة وما تحتاجه اعتمادًا على نوع المشكلة التي يتم علاجها، ومن هذه الوسائل: "التقشير الكيميائي"، وهو عبارة عن علاج قائم على التخلص من الطبقة العليا من الجلد عن طريق تطبيق محلول حمضي مخفف أو نوع مادة كيميائية سواء على الوجه أو اليدين أو الرقبة أو باقي أجزاء الجسم؛ لإزالة الطبقة المتضررة من الجلد، لتقوم بعد ذلك أنسجة الجلد بتجديد خلايا الطبقة العليا، الأمر الذي يجعل البشرة أكثر نعومة وخالية من العيوب، ويتنوع التقشير الكيميائي إلى أنواع وفق نوع المادة المستخدمة فيه وعمق التقشير، سواء سطحي أو متوسط أو عميق حسب احتياج الحالة والنتيجة المرادة من قِبَلِ مُريد التقشير وبالاتفاق مع الطبيب المعالج، كما أفاده المتخصصون. واستخدام هذا النوع الكيميائي إما أن يكون سببه العلاج والتداوي، وإما أن يكون للزينة والتجمُّل.

أما الباعث الأول وهو استخدامه حَلًّا علاجيًّا: فالأخذ بالعلاج والتداوي قد طلبه الشرع وندبه وحثَّ عليه؛ فعن أسامةَ بنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قال: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُؤُوسِهِمُ الطَّيْرُ، فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ، فَجَاءَ الأَعْرَابُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَتَدَاوَى؟ فَقَالَ: «تَدَاوَوا؛ فَإنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَواءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: الهَرَمُ»" (والهَرَمُ: الكِبَر) أخرجه أبو داود والترمذي، فأفاد هذا الحديثُ الحثَّ على التداوي مطلقًا غير مُقَيَّدٍ بقَيد، ومما تقرر في القواعد: "المُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إِطْلَاقِهِ حَتَّى يَرِدَ مَا يُخَصِّصُهُ".

قال الإمام الخَطَّابي في "معالم السنن" : [في هذا الحديث إثبات الطبِّ والعلاجِ، وأن التداويَ مباحٌ غير مكروهٍ] اهـ.

وقال الإمام عز الدين بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" : [إن الطبَّ كالشرع وُضِع لجلب مصالح السلامة والعافية، ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام، ولدرء ما أمكن دَرْؤُهُ من ذلك، ولجلب ما أمكن جلبه من ذلك] اهـ.

ومجالات التقشير الكيميائي العلاجية الشائعة داخلة في أصل مطلوبية العلاج الذي سبق تقريره، ولا يُمنَع منها إلا ما كان ضرره راجحًا، بحيث تكون مفسدة استعمالهِ تفوق مفسدة تركه يقينًا أو بغلبة الظن، فقد تقرر شرعًا: "إِذَا تَعَارَضَتْ مَفْسَدَتَانِ رُوعِيَ أَعْظَمُهُمَا ضَرَرًا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا".

أما الباعث الثاني، وهو استخدامه حَلًّا تجميليًّا: فما يحصل للإنسان -رجلًا كان أو امرأة- من شعور نفسي سلبي بسبب ما قد يطرأ على مظهر الجلد الذي قد يصل ببعض الأشخاص إلى اضطراب نفسي، فيصير من جملة الحرج المعنوي، فضلًا عن الضرر الحسي، كل ذلك يجعله يحتاج إلى عمل التقشير الكيميائي، وقد تقرر في قواعد الشرع الحنيف: "الْحَاجَةُ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ، عَامَّةً كَانَتْ أَوْ خَاصَّةً".

قال الإمام الشاطبي في "الموافقات": [المؤذيات والمؤلمات خلقها الله تعالى ابتلاءً للعباد وتمحيصًا... وفُهِمَ من مجموع الشريعة: الإذنُ في دفعها على الإطلاق؛ رفعًا للمشقة اللاحقة، وحفظًا على الحظوظ التي أذِنَ لهم فيها، بل أذن في التحرز منها عند تَوَقُّعِها وإن لم تَقَعْ؛ تكملةً لمقصود العبد، وتوسعةً عليه، وحفظًا على تكميل الخلوص في التوجه إليه والقيام بشكر النعم. فمن ذلك: الإذنُ في دفعِ ألم الجوع والعطش والحر والبرد، وفي التداوي عند وقوع الأمراض، وفي التَّوَقِّي من كلِّ مؤذٍ، آدميًّا كان أو غيرَه، والتحرُّزِ من المتوقَّعات حتى يُقدِّم العُدَّة لها، وهكذا سائر ما يقوم به عيشُه في هذه الدار، من درء المفاسد وجلب المصالح... وكونُ هذا مأذونًا فيه: معلومٌ من الدين ضرورة] اهـ.

وتقشير الجلد لإزالة ما يطرأ عليه من تغيُّرٍ للون البشرة على اختلاف مسببه، وَرَدَ فعله عن أمهات المؤمنين ونساء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؛ حيث كنَّ يتخذن الوَرْس على وجوههنَّ لأجل ذلك. فعن أم المؤمنين السيدة أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: "كُنَّا نَطْلِي وُجُوهَنَا بِالْوَرْسِ مِنَ الْكَلَفِ" أخرجه أصحاب السنن، والإمام أحمد.

قال العلامة شهاب الدين ابن رسلان في "شرح سنن أبي داود" : [(وَكنَّا نَطْلِي عَلَى وجُوهِنَا الوَرْسَ) بِفتح الوَاو وسُكون الراء ثم سين مهملة. قال في "النهاية": هو نبت أصفَر يصْبغ به. وهوَ: يكونُ باليَمن يخرج عَلى الرمْث بَيْنَ الشتاء والصَّيف، والرمْثِ بكسر الراء المهملَة وسُكون الميم بَعدَها ثاء مثلثة: مَرْعَى من مَراعي الإبل، وهو منَ الحمض، وأورس الرمث أي: اصفَرَّ وَرَقُه بَعْدَ الإدراك، وصَارَ عليه مثل الملاء الصُّفر، والحمض مَاء ملح وَأَمَرُّ من النبَات... (مِنَ الكَلَفِ) وهو شيء يعْلو الوَجْه كالسِّمْسم، وهو لون بينَ السَّواد والحُمْرة، وهَي حمرة بكدرة تعلو الوَجْه، وفي بعض ألفاظه: "نطلي وجوهنَا بالوَرس والزَّعْفَران"] اهـ.

وقال العلَّامة شمس الدين الزركشي في "شرح مختصر الخرقي" : [الورس نبت أصفر يصبغ به، ويتخذ منه غُمْرَةٌ للوجه، يُحَسِّن اللون، «والكلف» لون يعلو الوجه، يخالف لونه، يضرب إلى السواد والحمرة، والله أعلم] اهـ.

وقال الإمام بدر الدين العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" : [ولا يمنع من الأدوية التي تزيل الكلف وتُحَسِّن الوجه للزوج، وكذا أخذ الشعر منه، وسئلت عائشة رضي الله تعالى عنها عن قشر الوجه فقالت:... إن كان شيء حدث فلا بأس بقشره] اهـ، وبمثله قال العلامة ابن الملقن في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (25/ 45، ط. دار النوادر).

فأفاد ما جاء عن أمهات المؤمنين وما فهمه العلماء جواز هذا الفعل، سواء كان المقصد هو العلاج والتداوي أو التجميل والتحسين بإزالة ما تغير من مظهر الجلد.

شروط عمل التقشير الكيميائي للجلد


يشترط في استخدام هذه التقنية ألا يكون فيها ضرر، وأن يتم لدى المتخصصين المرخَّص لهم بممارسة هذا العمل، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أخرجه الإمامان ابن ماجه، وأحمد.

وتطبيقًا لما تقرر في قواعد الشرع أن "الضَّرَرَ يُزَالُ"، كما في "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 132).

الخلاصة


بناءً على ذلك وفي السؤال: فالتقشير الكيميائي للوجه والكفين والرقبة بل لجميع أجزاء الجسم -أمرٌ جائزٌ شرعًا، سواء كان ذلك للتداوي أو لغرض تجميلي، بشرط ألَّا يكون فيه ضرر على الإنسان في الحال أو في المآل، يستوي في ذلك النساء والرجال.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

دار الإفتاء توضح آداب الرجوع من الحج

دار الإفتاء توضح آداب الرجوع من الحج الأربعاء، 11 يونيو 2025 03:13 م

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

غدا.. بدء تنسيق وقبول طلاب مدارس المتفوقين والنيل الثانوية الدولية 2025

فيريرا يرفع شعار المفاجآت قبل مواجهة المقاولون في دوري Nile

الأهلى يبحث عن تصحيح المسار الليلة أمام فاركو بالدوري المصري

منتخب الشباب يلاقي المغرب في الودية الثانية اليوم استعدادا للمونديال

الإسماعيلى يفقد مروان حمدى شهرا.. يغيب عن مباراتى الاتحاد والطلائع بالدورى


الزمالك يختتم استعداداته لمواجهة المقاولون بالدورى

البنك الأهلى يخشى اليوم مفاجآت الظهور الأول لحرس الحدود بالدورى

تعرف على نصائح للمترجلين لمنع تكرار حوادث الطرق ونزيف الدماء

مروان عطية ينتظم فى تدريبات الأهلي خلال 10 أيام بع جراحة "الفتاق"

للأزواج.. ماذا تفعل حال ملاحقة زوجتك لك لسداد قائمة منقولات بقيم مبالغة؟


التحقيقات: لصوص الهواتف المحمولة فى القاهرة نفذا 19 جريمة بأسلوب الخطف

أشرف زكى يصدر قرارا بمنع الفنانين الحديث عن أزمة بدرية طلبة بأى وسيلة إعلامية

أعظم العسكريين بالتاريخ الفرعونى.. تمثال الملك تحتمس الثالث بمتحف الغردقة

منتخب السلة راحة اليوم ببطولة الأفروباسكت لكرة السلة

تعرف على حالات يحق لرجل المرور سحب التراخيص من السائق على الطرق

أهداف مباريات اليوم الخميس 14 - 8 - 2025 بالدورى المصرى

7 أخبار رياضية لا تفوتك اليوم الخميس 14 – 8 – 2025

انتحار ضابط احتياط إسرائيلى بعد مشاركته فى معارك بقطاع غزة

وزارة التعليم: مسمى جديد لشهادات التعليم الفنى باسم البكالوريا التكنولوجية

وزارة الرياضة تكشف لـ"اليوم السابع" نتيجة التحقيق فى فيديوهات المركز الأولمبي

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى