محمد دياب يكتب : قبل أن يطلب صوتك .. اختبره بمشروع على الأرض!

مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، يتكرر المشهد ذاته: لافتات عملاقة، ووعود محفوظة، وحقائب مالية تتحرك في الظل. المال الانتخابي أصبح في كثير من الدوائر تذكرة عبور إلزامية نحو البرلمان، بعد أن تحوّل من دعم سياسي إلى أداة حسم
لكن إذا كنا لا نملك حتى الآن القدرة على كبح جماح هذا المال، فلماذا لا نُعيد توظيفه لصالح الناس؟ لماذا لا نضعه داخل إطار منضبط يخدم المواطن والدولة معاً، بدلاً من أن يظل أداة لشراء الضمائر وتزييف إرادة الناخبين؟
في مشهد انتخابي تتداخل فيه الأدوار، بات كثير من المرشحين يركّزون على الأعمال الخدمية في دوائرهم، معتبرينها وسيلة فعّالة للدعاية الانتخابية، رغم أنها تقع خارج حدود مسؤولياتهم التشريعية
كم من نائب وعد بمستشفى ولم يُبنَ حتى سورها؟ وكم من شارع تم رصفه ليلة التصويت، ثم عادت إليه الحفر بعد أسبوع؟!
فلماذا لا نضع إطاراً قانونياً واضحاً نُلزم فيه كل من ينوي الترشح بتقديم "مشروع خدمة عامة" داخل دائرته، أشبه ما يكون بـ"مشروع التخرج" الذي يقدّمه خريج كلية الهندسة؟ مشروع خدمي–سياسي، يُنفّذ على أرض الواقع، ويُقيّم من لجنة مستقلة تضم ممثلين من أجهزة الدولة والرقابة الإدارية والمجتمع المدني
في هذا المشروع، يحدّد المرشح نوع الخدمة أو البنية الأساسية التي سيقدّمها، وتكلفتها، ومصدر تمويلها، ومدى جدواها لأهالي الدائرة. ويتم تنفيذ هذا المشروع قبل الترشح لا بعده
من يُنجز مشروعه بكفاءة، ويتحقق أثره في دائرته، يكون مؤهلاً للترشح، ويُعرض مشروعه على الناس ليحكموا على أدائه لا على وعوده
بهذا نكون قد أنصفنا مفهوم "الخدمة العامة" دون أن نفرط في قيمة الكفاءة السياسية. فالمواطن يحتاج نائباً صاحب رؤية واقعية، قادرًا على فهم مشكلات دائرته والتعامل معها بعقلية تشريعية، بعيداً عن منطق مقاول الخدمات الذي يرصّف شارعاً عشية التصويت
الرهان هنا يمتد إلى ضبط المال وتوجيهه، وتحويله من أداة للابتزاز الانتخابي إلى مساهمة حقيقية في التنمية، وذلك تحت رقابة صارمة، وإشراف دقيق، وبشفافية كاملة أمام أعين الناس
قد تبدو الفكرة منضبطة أكثر مما تحتمله بيئة اعتادت الاضطراب الموسمي وقت الانتخابات، لكنها في جوهرها تمثل استثماراً مباشراً في وعي الناخب، قبل أن تكون اختباراً حقيقياً لجدارة المرشح وكفاءته
إن لم نملك حتى الآن الأدوات الكافية لمنع المال السياسي، فلنحوّله إلى أداة تقييم ومساءلة
لنطلب من كل من يسعى لتمثيل الناس أن ينجز شيئاً حقيقياً قبل أن يطلب أصواتهم
هكذا فقط نُعيد الاعتبار لمفهوم التمثيل النيابي، ونُرمم ما تآكل من صورة البرلمان، ونُعيد للناس ثقتهم في من يُمثّلهم.
Trending Plus