الفيلسوف روجيه جارودى.. عدو الصهيونية الأول ومناصر القضية الفلسطينية

في مثل هذا اليوم 13 يونيو من عام 2012، أسدل التاريخ الستار على حياة أحد أكثر العقول تمردًا في القرن العشرين، هو روجيه جارودي، الفيلسوف والمفكر الفرنسي الذي بدأ رحلته بين جدران الماركسية وانتهى ساجدًا في محراب الإسلام.
ولد روجيه جارودي في 17 يوليو 1913 بمدينة مرسيليا الفرنسية، وتفتحت وعيه المبكر أزهار الفكر الاشتراكي، فانضم للحزب الشيوعي الفرنسي، مؤمنًا بعدالة القضية العمالية، ومدافعًا شرسًا عن الطبقة الكادحة، لكنه، على عكس الماركسي التقليدي، لم يحصر الإنسان في أرقام أو طبقات.
أظهر منذ وقت مبكر نزعة روحية وإنسانية جعلته ينتقد الجمود العقائدي لرفاقه، حتى بلغ ذروته عام 1970 حين غادر الحزب بعد سلسلة صدامات فكرية حادة، أبرزها خطبته الشهيرة داخل المؤتمر المركزي، والتي افتتحها بجملته التي لا تُنسى: "لم يعد الصمت ممكنًا".
كان جارودي قد اكتشف العالم الإسلامي مبكرًا، حين أسرته قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية وأودعته في سجن الجلفة بالجزائر، وهناك تلامس لأول مرة مع الحضارة الإسلامية عن قرب، ولم يكن ذلك مجرد احتكاك ثقافي، بل صدمة حضارية تركت أثرًا عميقًا في نفسه، وقال لاحقًا: "كنت أبحث عن معنى للحياة، ولم أجده إلا في الإسلام".
تحول هذا اللقاء الأول إلى مسار طويل من التأمل والاقتراب، حتى أعلن إسلامه في التسعينيات، وبدأ في إعادة قراءة العالم من خلال القرآن، وتأثر كثيرًا بالتصوف الإسلامي، خصوصًا بابن عربي، وكتب عن الإنسان الكامل، لا كفكرة صوفية فحسب، بل كأفق للعدالة والحرية والحب.
ما ميز جارودي بعد إسلامه لم يكن مجرد دخوله في الدين، بل منهجيته الفريدة في تفكيك الخطاب الصهيوني، وفضح الأساطير التي بني عليها المشروع الاستيطاني في فلسطين.
في كتابه "الأساطير المؤسسة للدولة الإسرائيلية"، كسر التابو الأوروبي المقدس، وسأل الأسئلة التي لا يجرؤ أحد في الغرب على طرحها، وهو ما عرضه لحملات عنيفة ومحاكمات في فرنسا.
لكنه لم يتراجع، بل مضى في فضح تناقضات الغرب الذي يدعي الدفاع عن الحقوق بينما يتغاضى عن الاحتلال والعنصرية، وكانت جرأته تلك مصدر إلهام لكثير من المفكرين الغربيين واليهود أنفسهم.
Trending Plus