زينب عبداللاه تكتب: كرامات الشيخ رفعت تظهر بعد 75عاما من رحيله.. كنوز ومكافآت ربانية من حملة اليوم السابع لفيلم الوصية.. هؤلاء سخرهم الله ليبقى صوته خالدا وحفيدته تصل لإجابة السؤال: لماذا ابتلاه الله في حنجرته؟

يسخر الله كل السبل والوسائل لنكتشف بين حين وآخر كرامات جديدة لقيثارة السماء وصوت الخلود الشيخ محمد رفعت، وكأن كل الظروف تعمل على أن يبقى صوته خالدًا راسخًا في وجدان الملايين من مشارق الأرض ومغاربها من كل الأعمار والفئات إلى يوم الدين، وكأنه عهد ووعد حصل عليه الشيخ الكفيف من رب العزة جل وعلا جزاءً لإخلاصه وورعه وخشوعه وما عاشه من ابتلاءات.
أصبح الشيخ رفعت بالنسبة لى ليس مجرد صوت نورانى من أجمل الأصوات بل أجملها على الإطلاق التي تتلو كلام الله، فتروى القلوب الظمأى، وتخشع وتطمئن بها النفوس الحائرة وتحلق معها الأرواح إلى عنان السماء، لكنه رمز للعطاء الإلهى والمكافآت الربانية والكرامات التي لا يهبها الله إلا لعباده المحبين المخلصين، عهدًا ووعدًا لكل الصابرين المخلصين المحبين الذين يمتد العطاء الإلهى لهم فى الدنيا حتى بعد رحيلهم ليكون شاهدًا على أن الله لا يخلف وعده وأن الفرج والنصر والفتح سيأتى حتمًا مهما تأخر بما يفوق خيال البشر وحدود الطلب، فربما لم يكن الشيخ الجليل المبتلى وهو يعانى فى سنوات عمره الأخيرة من المرض وقلة ذات اليد بعد أن احتبس صوته يتخيل أن يمنحه الله كل هذا الحب والخلود والبقاء والفتوحات التى تظهر بين حين وآخر لنكتشف معها رصيدًا وكنوزًا جديدة بصوته وحنجرته الذهبية، وأن يسخر له الله أشخاصًا لم يروه ولكن غرس حبه فى قلوبهم ليحافظوا على كنوزه وروائعه المدفونة لتخرج للنور بعد سنوات طويلة من رحيله فتظهر تسجيلا جديدة بين حين وآخر لم نسمعها من قبل للشيخ الجليل الراحل وكأنه يحيا بيننا ويفيض علينا من نوره بين فترة وأخرى.
منذ ما يقرب من 7 سنوات وتحديداً فى مايو 2018 أجريت حوارًا مع الحاجة هناء حسين محمد رفعت حفيدة قيثارة السماء وابنة أصغر أبنائه، كشفت خلاله عن وجود كنوز من تراث الشيخ محمد رفعت بحوزة الأسرة لم تر النور، وبذلت السيدة السبعينية كل ما فى وسعها وطرقت كل الأبواب كى تخرج هذه الكنوز إلى محبيه وعشاق صوته، كما فعل والدها وأعمامها قبل رحيلهم واستلمت هى وشقيقها الراحل علاء حسين محمد رفعت الراية من بعدهم.
حوار مع الحفيدة
تحدثت الحفيدة التى لم تر جدها ولكنها تذوب فيه حبًا وبكت وهى تحكى عنه وعن الفترة التى اشتد فيها البلاء عليه بعد إصابته بمرض سرطان الحنجرة واحتباس صوته، فالشيخ رفعت الذى عشق صوته المفكرون والأدباء والفنانون والبسطاء والملوك والرؤساء واجتمع على حبه المسلمون واليهود والمسيحيون لم تتجاوز مدة تلاوته فى الإذاعة المصرية سوى 5 سنوات فى الفترة من 1934 حتى 1939، ورفض خلال هذه الفترة كل الإغراءات من دول العالم للسفر وتلاوة القرآن فى دول وإذاعات أخرى بمبالغ خيالية مفضلا الإذاعة المصرية، حتى أصيب بمرض سرطان الحنجرة عام 1940 وتوقف عن التلاوة واحتبس صوته ونسيه الناس لما يقرب من 8 سنوات، حتى زاره محرر مجلة المصور وصور الشيخ فى بيته وهو راقد يعانى من المرض، بجسد نحيل، وكتب عنه، فانهالت الرسائل على المجلة ودعا الكثيرون لعمل اكتتاب للتبرع لعلاج الشيخ، وجمعوا مبالغ كبيرة وصلت وقتها إلى أكثر من 50 ألف جنيه، ولكن الشيخ انزعج ورفض هذه التبرعات وقال مقولته الشهيرة "حامل القرآن لا يذل ولا يهان" وأعاد أبناؤه الأموال إلى المجلة.
أحفاد الشيخ محمد رفعت مع الدكتور محمد سعيد محفوظ وفريق عمل فيلم الوصية
وقتها لم يكن لدى الإذاعة المصرية تسجيلات للشيخ رفعت الذى كان يتلو ويؤذن على الهواء مباشرة سوى شريطين من تسجيلاته، أحدهما لجزء من سورة مريم والثانى لجزء من سورة الكهف،ولكن تدابير الله وحكمته سخرت للشيخ الجليل ما يحفظ صوته إلى يوم الدين دون ترتيب منه، فكان دور زكريا باشا مهران أحد أعيان أسيوط وعضو مجلس الشيوخ المصرى قبل ثورة يوليو، المحب للشيخ رفعت دون أن يلقاه، والذى حرص وداوم على تسجيل حفلاته المذاعة على أسطوانات بعدما اشترى جهازين من أجهزة الجرمافون لهذا الغرض، وبعد علمه بمرض الشيخ رفعت أهدى زكريا باشا إلى الإذاعة إحدى هذه الأسطوانات، وبعد رحيل الشيخ عام 1950 كان كل هم أبنائه جمع تراث والدهم وحفظ صوته حتى لا يندثر كما اندثر غيره من أصوات المقرئين القدامى، فسافروا إلى عزبة زكريا باشا وكان قد توفى فأهدتهم زوجته زينب هانم مبارك العديد من التسجيلات التى سجلها زوجها، والتى لولاها لم يكن صوت الشيخ ليصل إلينا وإلى الملايين من محبيه.
كشفت الحاجة هناء حفيدة فى حوارها لـ"اليوم االسابع" أن أبناء الشيخ رفعت ظلوا طوال حياتهم عاكفين على إعادة إصلاح ومعالجة هذه الأسطوانات، وأن والدها أهدى الإذاعة 15 ساعة بصوت الشيخ رفعت دون مقابل، وهى كل التراث الذى سمعناه لقيثارة السماء، وحاول الأحفاد استكمال المسيرة لإنقاذ 15 ساعة أخرى بصوت الشيخ رفعت لم تر النور، ولكن بقدر إمكانياتهم الضعيفة، حيث تحتاج هذه المعالجة إلى استوديوهات عالية التقنية.
وأشارت الحفيدة، إلى أن الأسرة لجأت للإذاعة المصرية للمساعدة فى معالجة هذا التراث وإذاعته، ولكن مسئولى الإذاعة أكدوا أن الاستديوهات غير مؤهلة ولا يوجد إمكانيات تقنية لمعالجة هذا التراث، وفى المقابل عرضت دولاً أخرى على الأسرة شراء هذه الكنوز ولكن أبناء وأحفاد الشيخ رفعت رفضوا، كما أن وزارة الثقافة تحمست فى عهد الوزير فاروق حسنى لعمل مشروع كبير لإعادة إحياء تراث الشيخ رفعت، ولكن توقف بعد ثورة يناير.
ظلت الحفيدة تسعى طوال السنوات الماضية هى وشقيقها المرحوم علاء قبل رحيله كى يخرج تراث جدهم الذى حصلوا عليه من عائلة زكريا باشا مهران للنور، ونحن بدورنا فى اليوم السابع كتبنا أكثر من مرة وتبنينا حملة ناشدنا فيها كل الجهات لإنقاذ تراث وكنوز الشيخ رفعت وتحدثنا فى العديد من البرامج عن هذا القضية حتى تبنت مدينة الإنتاج الإعلامى مسئولية إعداد هذا التراث وترميمه و تحقق الحلم فى مارس من العام الماضى، حث تمت معالجة تراث الشيخ رفعت الذى لم ير النور والتسجيلات التى لم يسمعها الجمهور من قبل، ليستمع محبو الشيخ رفعت لتسجيلات جديدة بصوته بعد وفاته بما يقرب من 75 عاماً.
ليس هذا فحسب بل تستمر العطايا الربانية للشيخ رفعت وتستمر كراماته بما كشفه فيلم الوصية الوثائقى للكاتب والإعلامى الدكتور محمد سعيد محفوظ إنتاج شركة ميدياتوبيا و بطولة الفنان محمد فهيم، من إزاحة الستار عن كنز جديد من اسطوانات الشيخ محمد رفعت التى سجلها زكريا باشا مهران وظلت فى صندوق خشبى لعدة أجيال حتى وصل إلى الفنانة زينب مبارك ابنة شقيق زينب هانم مبارك زوجة زكريا باشا مهران وعلاء أبو النجا ابن شقيقة الباشا، واللذان جمعها الفيلم بأحفاد الشيخ رفعت هناء وعلاء ليكشفا أن لديهما صندوق خشبى به العديد من الاسطوانات بصوت قيثارة السماء لم تر النور ولم يسمعها عشاقه، ويبكى أحفاد الشيخ تأثراً بهذا الكشف الذى ظهر بعد وفاة الجد بأكثر من 75 عاماً وكأن الله أراد أن يحفظ هذا الصوت وأن يتجدد وتظهر كراماته بين حين وآخر ليبقى صوته صداحاً بالقرآن إلى يوم الدين.
ومع هذا الكشف الجديد لكنوز الشيخ رفعت تذكرت بكاء حفيدته الحاجة هناء خلال حوارها معى منذ 7 سنوات حين تساءلت عن الحكمة فى أن يكون ابتلاء جدها فى أعز ما يملك، فى صوته الجميل، الذى احتبس فى آخر سنوات حياته فعاش أيامًا صعبة وقاسية لكنه تحمل واحتسب، فكانت المكافأة الربانية التى كافأه بها الله بأن يسخر له أشخاصًا لم يروه ليحفظوا صوته إلى يوم الدين، زكريا باشا مهران وزينب هانم الصغيرة والكبيرة، أبناء وأحفاد مخلصين بذلوا وتحملوا الكثير حتى يخرج تراث وكنوز جدهم للنور، ومحبين من كل الفئات والأعمار والأجيال، وإعلاميين يعشقون سيرته فيفتح الله بهم كنوزاً جديدة تخرج للنور بعد سنوات طويلة من رحيله، فهنيئاً لنا بكنوز الشيخ رفعت وكراماته المتجددة.
Trending Plus