واحة الأنبياء ومهد السلام وملتقى الديانات.. رحلة العائلة المقدسة إلى مصر زيارة من السماء.. خطى المسيح تبارك الأرض وتلهم التاريخ.. و2000 كم سيرا على الأقدام من فلسطين لأسيوط.. والدرب يتحول إلى مسار عالمى للسياحة

دير سانت كاترين
دير سانت كاترين
كتبت بتول عصام

منذ أكثر من ألفي عام، شهدت مصر واحدة من أعظم الرحلات في تاريخ الإنسانية والإيمان، رحلة العائلة المقدسة إلى أرض النيل، التي لم تكن مجرد هروب من بطش هيرودس الملك بل بداية لبركة سماوية غمرت البلاد من أقصاها، فأنارت طرقها، وأعادت تشكيل معاني السلام والرحمة، وخلدت مصر كـ"أرض مباركة" على لسان الكتاب المقدس، وواحة الأنبياء ومهد السلام وملتقى الديانات.

في خطوة تعكس مكانة مصر التاريخية والدينية، يُعد مسار العائلة المقدسة، أبرز المسارات الروحية في العالم المسيحي، إذ سارت السيدة العذراء مريم والطفل يسوع والقديس يوسف النجار عبر صحراء مصر وهضابها، هربًا من بطش الملك هيرودس، في مشهد من أعظم مشاهد الحب الإلهي لأرض الكنانة، يوسف الحائر، ومريم الحاملة للطفل وسط صحراء مصر، سيظل محفورًا في الذاكرة.

بداية الرحلة


بحسب إنجيل القديس متى، فإن ملاك الرب ظهر في حلم ليوسف النجار، قائلًا: "قُم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر"، وذلك بعد أن علم الملك هيرودس بميلاد "ملك اليهود"، فأمر بذبح كل طفل دون العامين في بيت لحم.
بدأت الرحلة من فلسطين، وتحديدًا من بيت لحم، حيث عبرت العائلة الهضاب والصحاري متجنبة الطرق الثلاث المعروفة في ذلك الوقت، لتدخل مصر من جهة الفرما (بلوزيوم)، الواقعة بين العريش وبورسعيد.
ومن هناك، انطلقت الرحلة الطويلة، التي قادها يوسف والعذراء مريم حاملين الطفل يسوع إلى أرض مصر، في رحلة استغرقت أكثر من ثلاث سنوات، قطعوا خلالها نحو 2000 كيلومتر سيرًا على الأقدام، والتي شملت نحو 20 محطة، تنوعت ما بين مدن كبرى وقرى صغيرة، ولا تزال كثير من معالمها وآبارها محفوظة حتى اليوم. ففي تل بسطة (بالزقازيق)، وُوجهت العائلة بسوء المعاملة، فغادرت سريعًا، وصولًا إلى المحمة (مسطرد) حيث استحم الطفل يسوع في نبع ماء لا يزال قائمًا.
وفي بلبيس، استظلت العذراء تحت شجرة عُرفت باسم "شجرة العذراء مريم"، ثم إلى سمنود، حيث استقبلهم الأهالي بحفاوة، ولا يزال هناك ماجور حجري يقال إن العذراء عجنت فيه الخبز، وبئر باركه المسيح بنفسه.

الرحلة إلى الدلتا والصعيد


تابعت العائلة رحلتها إلى سخا (بكفر الشيخ)، ثم وادي النطرون، فـالمطرية و"شجرة مريم" الشهيرة، قبل الوصول إلى قلب مصر القديمة، حيث تركت العائلة بصمات واضحة ما تزال ماثلة في كنائس المنطقة، ومنها توجهت إلى المعادى لعبور النيل في طريقها إلى الصعيد.
وفي صعيد مصر، مرت العائلة بمحطات كثيرة، منها:
- دير الجرنوس بمغاغة
- البهنسا (صندفا – بني مزار)
- سمالوط وجبل الطير
- الأشمونين
- ديروط
- القوصية وقرية قسقام، حيث يوجد دير المحرق – أقدم كنيسة بنيت في العالم داخل مغارة أقامت فيها العائلة لستة أشهر وعشرة أيام
- قرية مير التي استقبلت العائلة بعد طردها من قسقام
- جبل درنكة في أسيوط، حيث أقامت العائلة في مغارة منحوتة بالجبل، في آخر محطة لها على أرض مصر

العودة إلى فلسطين


عقب وفاة الملك هيرودس، ظهر الملاك مرة أخرى ليوسف النجار وأمره بالعودة إلى موطنهم. فانطلقت العائلة من أسيوط إلى مصر القديمة، ثم المطرية، فالمحمة، ومنها إلى سيناء، فعادت إلى فلسطين لتستقر في الناصرة بالجليل.

مصر واحة الأمن والسلام


رحلة العائلة المقدسة ليست حدثًا دينيًا فحسب، بل هي جزء لا يتجزأ من الهوية المصرية، وتجسيد حيّ لوطن احتضن أنبياء الله.
فقد مر على أرضها إبراهيم، ويوسف، وموسى، ثم الطفل يسوع نفسه، ليُقال بعدها في الكتاب المقدس: "مبارك شعبي مصر" (إشعياء 19: 25).
وتؤكد المخطوطات القديمة – مثل ميمر البابا ثاؤفيلس، ومراجع الكنيسة القبطية – أن الأوثان كانت تتساقط في المدن بمجرد دخول المسيح، وأن البركة رافقت العائلة في كل بقعة مرت بها، من شجر وماء وحجر.

احتفالية سنوية في أول يونيو


تحتفل الكنائس سنويًا بـ"عيد دخول السيد المسيح أرض مصر" في 24 بشنس الموافق 1 يونيو، ويُعد هذا اليوم مناسبة دينية وطنية يتجدد فيها معنى السلام والبركة.
رحلة العائلة المقدسة هي رحلة معاناة وشهادة، تحمل معاني الصبر والإيمان والتواضع، لكن في الوقت نفسه، كانت رحلة خلاص وبركة لمصر كلها.

مبادرة لإحياء مسار العائلة المقدسة


تسعى الدولة المصرية اليوم إلى تطوير هذا المسار ليكون مشروعًا سياحيًا عالميًا يربط بين الدين والتاريخ والتراث، ويجذب الحجاج والزوار من مختلف دول العالم. ويجري العمل على ترميم المواقع، وتوثيق المحطات، وتطوير البنية التحتية، لجعل "مسار العائلة المقدسة" أحد أبرز مقاصد السياحة الروحية في العالم، حيث ما زالت الكنائس والمزارات ممتدة على طول مسار العائلة المقدسة، من شجرة مريم في المطرية، إلى المغارة في أبو سرجة، ودير المحرق، ودير درنكة.
وأخيرًا، رحلة العائلة المقدسة إلى مصر ليست فصلًا ماضيًا، بل حضور دائم في الوجدان المسيحي والوطني، فلقد اختارها الله لتكون ملجأً، فاختارها التاريخ لتبقى شاهدًا، وبقيت الأرض تشهد، أن السلام دائم، والبركة باقية، والإيمان راسخ.

 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

إيران تقصف تل أبيب بالصواريخ

إيران تقصف تل أبيب بالصواريخ الجمعة، 13 يونيو 2025 09:18 م

الأكثر قراءة

معاريف: موجة ثالثة من الصواريخ الإيرانية فى طريقها إلى إسرائيل

إعلام إيرانى: الدفاع الجوي أسقط مقاتلتين إسرائيليتين وأسر قائد إحداهما

شاهد.. لحظة سقوط أحد الصواريخ فى تل أبيب وفشل القبة الحديدية في إسقاطه.. فيديو وصور

الجيش الإسرائيلى: موجة صواريخ إيرانية ثانية انطلقت الآن تجاه إسرائيل

إسرائيل تحت قصف إيران.. لقطات لتصاعد الأدخنة وسط تل أبيب بعد سقوط صواريخ


إعلام إسرائيلي: الجيش رصد إطلاق 100 صاروخ باليستي تجاه إسرائيل

إيران تقصف تل أبيب بالصواريخ

قصف إيران.. إسقاط مقاتلة إسرائيلية F16 واستمرار البحث عن الطيار

بعد مرور أقل من شهر على فرحه.. مسلم يتعرض لوعكة صحية ويعلق: يا رب

لا يملكون أوراقا ثبوتية.. الداخلية الليبية تعلق على المشاركين فى مسيرات غزة


تامر حسنى يطمئن جمهوره على ابنه: الوضع مستقر وخرج من العناية المركزة

إلهام شاهين: لسنا محتجزين في العراق والمجال الجوي أغلق ونحن في المطار

باكستان تتخذ إجراءات احترازية وتُفعل أنظمتها الدفاعية قرب إيران

نتنياهو × خامنئي.. التفاصيل الكاملة للضربات الإسرائيلية على إيران

جنرالات وعلماء نووي.. هؤلاء اغتالتهم إسرائيل فى هجمات الفجر على إيران

اليوم انطلاق مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربى وتكريم أحمد حلمي

مصدر: محافظ الجيزة يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 غدًا السبت

الحكومة العراقية تدين بأشد العبارات الهجوم الإسرائيلي على إيران

نتائج طلاب صفوف النقل الترم الثانى 2025 بالرقم القومى فى الجيزة

ابحثوا عن أقرب ملجأ.. نداء عاجل من خارجية أمريكا لرعاياها بالشرق الأوسط

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى