حجاج مصر يودّعون النبي بقلوب عامرة بالدعاء.. سلامات على الحبيب ودموع أمام الروضة.. نهاية رحلة روحانية في المدينة المنورة يوثقوها بالصور.. سيلفي القبة الخضراء وساحات الحرم وحمام الحمى

في لحظات مشبعة بالمشاعر والإيمان، ودّع الحجاج المصريون المدينة المنورة، بعد أن قضوا فيها أيامًا مباركة عقب انتهاء مناسك الحج، بين رحاب المسجد النبوي، وروضة المصطفى، وساحات البقيع، في ختام رحلة روحانية ستظل محفورة في قلوبهم مدى الحياة.
تحرّكت الحافلات التي تقل الحجاج من مقار إقامتهم في المدينة إلى مطار الأمير محمد بن عبد العزيز، وسط أجواء امتزجت فيها دموع الوداع بخشوع الصلاة وسكينة الروح، في مشهد عاطفي تكرر في وجوه رجال وسيدات، شباب وكبار، تمنوا لو أن الزمن توقف قليلًا ليطيل مقامهم في مدينة النبي.
على أعتاب المسجد النبوي، وقفت مجموعات من الحجاج يلوحون بأيديهم نحو القِبلة، يقرأون ما تيسر من القرآن، ويتهامسون بالسلام الأخير على الحبيب محمد، بينما تهمس شفاههم بالدعاء والرجاء، أن يُكتب لهم لقاء جديد في عمر قادم، أو أن يختم الله لهم الحياة بهذه الزيارة المباركة.
لم تكن زيارة الحجاج للمدينة بعد الحج مجرد محطة أخيرة في رحلة طويلة، بل كانت ذروة التجربة الروحية، حيث توافدت الجموع على الروضة الشريفة، وتمسّكوا بأمل الصلاة فيها، رغم الزحام الشديد والإجراءات المنظمة، فكل ركعة هناك لا تُنسى، وكل دعاء يتردد صداه في القلب والروح.
من بين المشاهد اللافتة، كان حضور الحجاج في البقيع، حيث وقفوا بخشوع أمام قبور الصحابة وأهل بيت النبي، قرأوا الفاتحة، ورفعوا الأكف بالدعاء، في لحظة تأمل صامتة، بدت فيها المدينة وكأنها تحتضن قلوبهم قبل أجسادهم، بينما التقط البعض صورًا للذكرى من خلف الأسوار، في محاولة لتوثيق لحظة لا تتكرر كثيرًا.
وفي الساحات الخارجية للمسجد، اصطفت مجموعات الحجاج لالتقاط صور تذكارية مع حمام المدينة، الذي طالما كان رمزًا للسلام والطمأنينة، فكان مشهد الأطفال يطاردون الحمام، والسيدات يلتقطن الصور بجانبه، مفعمًا بالعفوية والفرح، كأن المدينة تبادلهم الوداع برفق وحنان.
بينما كانوا يتحركون نحو الحافلات، كان بيد كل حاج حقيبة صغيرة لا تخلو من ماء زمزم، وتُحف من السُّبَح والمصاحف والمسك، وهدايا بسيطة لأهلهم وأحبتهم في مصر. لم تكن الهدايا مجرّد أشياء مادية، بل رموزًا مشبعة بالحب والإيمان، ورسائل روحية محمّلة بأريج المدينة ومكة.
موفد "اليوم السابع" التقى عددًا من الحجاج قبيل مغادرتهم المدينة المنورة، وكان لكل منهم قصة مع السلام على النبي، ومع الصلاة في الروضة، ومع البكاء عند باب البقيع.
قال أحد الحجاج، إن لحظة دخوله إلى الروضة الشريفة كانت من أكثر اللحظات التي لن ينساها ما دام حيًا، مؤكدًا أنه شعر بقرب روحي لا يمكن وصفه بالكلمات، وكأن العالم كله سكن، ولم يبقَ إلا صوت الدعاء وهمسات القلب.
وأضافت سيدة مسنّة أن وداع المدينة كان أصعب من وداع مكة، لأنها شعرت فيها بأنها أقرب إلى الرسول، وكأنها في حضرته، وتمنت أن تكون الزيارة الأخيرة في حياتها هي زيارة النبي.
وأشار شاب ثلاثيني إلى أنه زار المدينة للمرة الأولى، وأنه التقط عشرات الصور في ساحات المسجد النبوي، وشارك أصدقاءه بها على وسائل التواصل الاجتماعي، موضحًا أنه أراد أن يشاركهم لحظة فخره وسعادته بكونه زائرًا في حضرة النبي، وقال إن أكثر صورة أثّرت فيه هي التي التقطها بجوار قُبّة الخضراء، عند الغروب.
وصف مساعد وزير الداخلية للشئون الإدارية رئيس بعثة الحج المصرية الرحلة إلى المدينة بأنها محطة روحية ضرورية بعد مشقة مناسك الحج، مؤكدا أن أغلب الحجاج يحرصون على زيارة المدينة بعد الحج، لما فيها من سكينة وفرصة لإعادة ترتيب مشاعرهم، ولقاء روحي مع النبي محمد وصحابته.
وشدد على أن تنظيم تنقل الحجاج من مكة إلى المدينة، ثم من المدينة إلى المطار، جرى بشكل سلس ودقيق، بفضل التنسيق المسبق مع السلطات السعودية، وجهود البعثة التي واكبت الحجاج خطوة بخطوة، ووفرت لهم وسائل راحة مناسبة، وأماكن إقامة قريبة من الحرم النبوي.
وقبل صعودهم إلى الطائرات، وقف الحجاج المصريون في مطار المدينة المنورة يتبادلون العناق والدعاء، بعضهم بكاءه صامت، وآخرون لا يخفون دموعهم، بينما حملت أصواتهم همسات الوداع الأخيرة: "السلام عليك يا رسول الله"، "عدنا يا مدينة، وسنعود إن شاء الله"، "اللهم لا تجعله آخر العهد".
وهكذا، تنتهي رحلة الحج، لكن لا تنتهي آثارها، فالحجاج يعودون إلى أرض الوطن محملين باليقين، والسكينة، وصور لا تُنسى، وأدعية لا تنقطع.
Trending Plus