تحولات المواجهة بين طهران وتل أبيب.. حرب المسيرات والمعلومات

ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التى تتكشف فيها تحولات فى أشكال ومضامين وتفاصيل الحروب الحديثة، التى تدور بالمعلومات والخداع، وأيضا تتجاوز الأشكال التقليدية فى الحروب، فقد غيرت المسيرات والصواريخ طويلة المدى والتقنيات الحديثة واستعمال الحروب السيبرانية، التى لا تغنى عن استعمال الطرق القديمة والجواسيس المباشرين، فقد زعمت وسائل إعلام إسرائيلية، أن الموساد نصب سلاحا دقيقا فى الأراضى الإيرانية قبل بدء الهجوم، وأقام معسكرا للمسيرات الانقضاضية على الأراضى الإيرانية واستخدمها فى الهجوم يوم 13 يونيو، وهناك تفاصيل عن جواسيس وأيضا عمليات نوعية داخل إيران تكشف بعضها ومثل صدمة وأيضا كشف عن شبكات عنكبوتية داخل إيران، وبالطبع فإن إسرائيل أيضا أعلنت عن ضبط من زعمت أنهم جواسيس لإيران داخل الكيان.
هذه الجولة من المواجهة بين إسرائيل وإيران، تشير إلى تحولات واسعة فى شكل ومضمون الحروب الحديثة، وهى تطورات بدأت مبكرا جدا ربما منذ بداية التسعينيات من القرن العشرين، بداية الحروب التى يمكن متابعتها على الهواء والشاشات، كانت حرب تحرير الكويت بداية، لكن ما يجرى الآن يختلف ويكشف عن قفزات فى إدارة وشن الحروب تجاوزت ما كان متوقعا، ومع هذا تظل إمكانيات التعتيم على الخسائر قائمة، بشكل جزئى وليس تاما، حيث تحاول إسرائيل إخفاء حجم الدمار الذى سببته الصواريخ الإيرانية طويلة المدى، لكن مع التعتيم فقد ظهرت الكثير من التفاصيل لمبان ومناطق تضررت، بل وتدمير فى موانئ حيفا وأيضا فى مركز أبحاث وايزمان، وأنباء عن وصول صواريخ إلى مناطق ديمونة.
ومن رد فعل الاحتلال، فقد تغيرت اللهجة الإسرائيلية بعد موجات الصواريخ الإيرانية، حيث طالبت إسرائيل بإخلاء المنشآت النووية، وهو أمر يعنى إمكانية قصفها، ولا تحسب إسرائيل تداعيات هذا الأمر واحتمالات حدوث تسرب نووى قد يشكل خطرا على المنطقة والعالم، بل ويصل إلى إسرائيل، بجانب أنه يفتح مجالا لإيران أن ترد بالمثل، الأمر الذى يشكل خطرا متعددا على المنطقة، فى حال غياب المسؤولية، واستمرار ضعف النظام الدولى، وهى أمور تبدو أحيانا جزءا من مخططات للتأثير على الاقتصاد العالمى، لصالح معسكر الولايات المتحدة.
فقد استهدفت مسيرات إسرائيلية حقل بارس الجنوبى للغاز بمحافظة بوشهر فى ضربة للبنية التحتية للطاقة، وهو أحد أكبر حقول الغاز، ويقع على الخليج العربى، وأدى الهجوم إلى اندلاع حريق واسع فى المرحلة الرابعة من مصفاة بارس، وقالت وكالة تسنيم إن القصف تسبب فى توقف إنتاج 12 مليون متر مكعب من الغاز مؤقتا، بالطبع فإن بدء الحرب بالعدوان الإسرائيلى رفعت من أسعار النفط والغاز وبالقصف للغاز الإيرانى.
وتعد إيران منتجا رئيسيا للنفط والغاز، وأى استهداف مباشر لمنشآتها النفطية والغازية، يخفض الإمدادات العالمية، ويؤثر على إمدادات الغاز فى آسيا والعراق ومناطق مختلفة، وهو ما يضاعف من خطر استمرار المواجهة، خاصة أن إسرائيل اعتادت عندما تتعرض لضغط رد الفعل وكثافة الصواريخ والمسيرات أن ترد بقصف المدنيين، أو التهديد باستهداف حقول ومعامل النفط والغاز، وأيضا المنشآت النووية، وتهدد إيران فى حال توسيع الهجمات بتوسيع ضرباتها واستهداف منشآت نووية إسرائيلية، أو استهداف مصالح وقواعد حلفاء إسرائيل فى مضيق هرمز أو المناطق الإقليمية.
كل هذه التهديدات والمخاوف، تضاعف من خطر توسيع الحرب خاصة بعد إعلان وزير دفاع باكستان دعمه لإيران فى مواجهة العدوان، وباكستان دولة نووية، بما قد يضاعف خطر اتساع الحرب بشكل قد يصعب السيطرة عليه.
كل هذه التفاصيل والمواجهة قد تكون سحبت الضوء من منطقة الاشتعال الأولى غزة، وتشير إلى تحولات وعملية عض أصابع، هى الأكبر بين إسرائيل وإيران، تكشف عن تصعيد لاستخدام المسيرات فى الحروب، مثلما يجرى فى أوكرانيا وروسيا، والآن إيران وإسرائيل، بجانب تطورات نوعية فى صواريخ طويلة المدى، وحروب تقنية ومعلومات، بل إنها تعكس مخاوف من أن تتحول الطائرات المسيرة نفسها على أسلحة للإرهاب، فى حال عدم ضبط انتشارها، ضمن عنف غير منظم، وهو ما يمكن توقعه فى القريب.

مقال أكرم القصاص
Trending Plus