الحرب النووية قد تبدأ صدفة أو عن طريق الخطأ.. باحثون: حوادث وشيكة بحدوث تصادم نووى تكررت مرارا عبر التاريخ.. اصطدام غواصتين نوويتين فرنسية وبريطانية فى 2009.. وصاروخ هندى أُطلق على باكستان بالخطأ فى 2022

مع استمرار الصراع العسكرى بين إيران وإسرائيل، واستهدف منشآت ومواقع نووية فى كلا البلدين، يعيش العالم حالة من الخوف من اندلاع الحرب إلى صراع نووى.
لكن الحرب النووية لا تنشأ عمداً فقط، بل يمكن أن تنشأ بالصدفة عن طريق الخطأ، مثلما يمكن أن تنشئ بشكل متعمد.
وفى مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست، الأحد، وكتبه كل من هانز كريستين ومات كوردا، المدير والمدير المساعد لمشروع المعلومات النووية فى اتحاد العلماء الأمريكيين، وإليانا جونز مسئول الأبحاث فى الاتحاد، وألى مالونى، مدير المخاطر، قالوا إن قرار استخدام الأسلحة الأكثر تدميرا فى العالم قد ينشئ عن خطأ بشرى أو سوء فهم مثلما ينشأ عن قرار متعمد من جانب دولة متضررة.
فقد يبلغ نظام حاسوبى معيب بشكل خاطئ عن صواريخ قادمة، مما يدفع دولة للرد على مهاجمها المشتبه به. وكذلك، فإن النشاط المثير للشكوك حول قواعد الأسلحة النووية يمكن أن يحول صراع تقليدى إلى صراع نووى. وقد يتم تحميل الضباط العسكريين الذين يتعاملون بشكل روتينى مع الأسلحة النووية، أن يقوموا خطأ بتحميلها على المركبة الخاطئة. وأى من هذه السيناريوهات قد يؤدى إلى خروج الأمور عن السيطرة.
ويقول كاتبو المقال إن مثل هذه الحوادث ليست مجرد حبكات محتملة لأفلام الأكشن، بل جميعها حدثت بالفعل، ويمكن أن تتكرر. فالبشر ليسوا كاملين، لذا فإن حوادث التصادم النووى الوشيكة والحوادث النووية أمر واقع ما دامت هذه الأسلحة موجودة.
تمتلك تسع دول اليوم أسلحة نووية. وينشرها معظمها فى زمن السلم باستخدام مزيج من الطائرات والصواريخ والغواصات. ويعتبر الاستعداد والقدرة على استخدامها ضروريًا لجعلها فعالة؛ فهناك أكثر من 2000 سلاح فى حالة تأهب وجاهزة للاستخدام فى وقت قصير. لذا، ستستمر الحوادث فى الحدوث، بنتائج غير متوقعة.
لحسن الحظ، لم تؤدى التوترات الشديدة التى شهدتها الحرب الباردة إلى حرب نووية قط، لكن الردع القائم على استخدام الأسلحة النارية الجاهزة فى تلك العقود أدى إلى العديد من الحوادث التى كادت أن تقع معها تلك الحرب. وكان الخطأ البشرى سمة ثابتة آنذاك، وسيظل خطرًا متوطنًا فى العصر النووى الجديد ، مع تزايد عدد الأطراف الفاعلة، وتقنيات أسرع وأكثر تعقيدًا، وتزايد نقاط الصراع والتوتر.
ورصد الباحثون فى مقالهم بعض الحالات التى كادت أن تقع فيها حوادث نووية
خدعة الرجل الأعمى
فى فبراير 2009، كانت الغواصة الفرنسية "لو تريومفان" المُجهزة بصواريخ استراتيجية نووية، تجرى دوريات روتينية فى المحيط الأطلنطى. فى الوقت نفسه، ودون علم الغواصة الفرنسية، كانت الغواصة البريطانية "إتش إم إس فانجارد" المُجهزة بصواريخها النووية، تجرى دورية روتينية قريبة جدًا. فى مساحة 40 مليون ميل مربع من المحيط المفتوح، اصطدمت الغواصتان.
وفى أوقات الأزمات أو التوترات مثلاً مع روسيا أو الصين،كان من الممكن أن يتفاقم الارتباك بسهولة إلى أزمة.
تتيح التكنولوجيا المتقدمة للغواصات العمل بهدوء، يكاد يكون من المستحيل اكتشافه، فى مساحة المحيط المفتوح الشاسعة. ويتحقق ذلك من خلال أنظمة دفع خاصة مصممة لتكون فائقة الهدوء ومزودة بطبقات صوتية على الهيكل، قادرة على امتصاص موجات السونار، مما يقلل من الانعكاس الذى قد يجعل الغواصة قابلة للكشف. وقال وزير الدفاع الفرنسى فى تفسيره للاصطدام: "إنهم يصدرون ضوضاء أقل من الجمبرى".
لهذا السبب، تُعدّ الغواصات أقل الأسلحة النووية عرضة للخطر، مما يمنح الدول التى تنشرها ثقةً بأنها ستكون دائمًا على أهبة الاستعداد. ولكن ماذا لو فقدت إحداها فجأة؟ يعلم القادة العسكريون أن غواصاتهم ستكون أهدافًا منطقية للغواصات الهجومية كمقدمة لهجوم نووى أوسع. إذا اعتقدت دولة ما أن غواصاتها تعرضت لهجوم، فقد تشعر بأنها مضطرة للرد.
لحسن الحظ، فى حادث تصادم عام 2009، كانت الغواصتان تسيران بسرعة منخفضة جدًا، ولم يُصب أى من أفراد الطاقم بأذى، وظلت المفاعلات النووية والأسلحة سليمة فى الحادث.
صاروخ هندى فى باكستان
لا تقتصر هذه المخاطر على القوى النووية العظمى فحسب. فكما تظهر الأحداث الأخيرة، لا تزال منطقة جنوب آسيا نقطة اشتعال نووية محتملة. سعى المسئولون الأمريكيون فى البداية إلى تجنب أى تدخل فى الصدام بين الهند وباكستان فى مايو، لكن الولايات المتحدة انجرت فى النهاية إلى الوساطة عندما ضربت طائرات هندية بدون طيار قاعدة نور خان الجوية الباكستانية فى روالبندي، بالقرب من العاصمة إسلام آباد. تقع هذه القاعدة أيضًا على مقربة من مقر قسم الخطط الاستراتيجية الباكستاني، وهو مركز رئيسى فى نظام القيادة والسيطرة النووية فى البلاد. ويبدو أن المسئولين الأمريكيين اعتبروا الضربة وغيرها من الأحداث بمثابة مخاطرة بالتصعيد إلى المستوى النووى.
تعتبر باكستان أسلحتها النووية الملاذ الأخير ضد جيش هندى أكبر بكثير، وتأخذ أى تهديد لها على محمل الجد. وقد هدد تصعيد العمل العسكرى والخطاب من قبل خصمين نوويين بتحويل صراع تقليدى إلى أزمة نووية. كما شهد الصدام كميات كبيرة من المعلومات المضللة من أطراف ثالثة، مما زاد من غموض وضع غامض وخطير بالأساس. ولم يكن هذا أول صراع من نوعه بين البلدين.
فدون سابق إنذار، أطلقت دولة نووية صاروخًا على أراضى دولة نووية أخرى فى مارس 2022. لم يكن لدى أحد أى فكرة عن السبب.
على الفور، أفادت التقارير أن باكستان وضعت القواعد العسكرية على طول الحدود فى حالة تأهب قصوى، إلا أن الهند التزمت الصمت، ولم تصدر أى بيان عام ولم تبذل أى جهد للتواصل مع القادة العسكريين الباكستانيين.
بعد يومين من الحادث، أصدرت الهند بيانًا عامًا ألقت فيه باللوم على "عطل فنى أدى إلى إطلاق صاروخ عن طريق الخطأ". تم تعديل البيان بعد أسبوعين، وهذه المرة ألقت باللوم على خطأ بشرى.. ثم أخيرًا، فى مارس 2024 - بعد عامين - كشفت محكمة هندية حقيقة ما حدث. فأثناء زيارة ضابط رفيع المستوى فى سلاح الجو الهندى، فشل طاقم الإطلاق، المكلف بعرض إجراء إطلاق صاروخ لرئيسهم، فى تعطيل موصلات القتال الخاصة بالصاروخ، مما ترك نظام الأسلحة جاهزًا للإطلاق.
لحسن الحظ، حدث الخطأ خلال فترة من السلام النسبى بين البلدين؛ لم يصب أحد بأذى، وكان موقع الاصطدام خاليًا. وقرر الباكستانيون بسرعة أن الصاروخ كان غير مسلح. لم تُصب أى طائرة، على الرغم من أن عدة طائرات مرت بالقرب من مسار طيران الصاروخ.
إنذار أحمر
يحذر الباحثون فى مقالهم بصحيفة واشنطن بوست إن نهاية البشرية قد تصل فى دقائق، وهذا ما يجعل الحرب النووية مختلفة تمامًا عن الحروب الأخرى.
خلال الحرب الباردة، أبقى كلا الجانبين أسلحتهما فى حالة تأهب للإطلاق، أو "على أهبة الاستعداد"، حتى لا تكون هناك مفاجأة. كانت المخاوف من هجوم "مفاجئ" حقيقية ودائمة، واعتقد القادة أن الطريقة الوحيدة لردع مثل هذه الضربة هى الاستعداد للرد فى دقائق. أدى هذا حتمًا إلى أخطاء وإنذارات كاذبة. وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التى يبذلها المشغلون العسكريون المدربون تدريبًا عاليًا والقادرون، فإن الأخطاء حقيقة واقعة فى العالم النووى تمامًا كما هى فى الحياة العادية.
بين عام 1960، عندما نشرت الولايات المتحدة لأول مرة نظام إنذار مبكر، وديسمبر 1976 ، أى على مدار 16 عامًا ، أصدر النظام سبعة إنذارات كاذبة بهجوم نووي. أى ما يقرب من إنذار واحد كل عامين. ثم، فى عامى 1979 و1980، وقعت خمسة حوادث متتالية.
فى الساعة 8:50 من صباح يوم 9 نوفمبر 1979، واجه ضباط الخدمة فى قيادة الدفاع الجوى لأمريكا الشمالية وغيرها فجأةً عرضًا إلكترونيًا واقعيًا لهجوم نووى سوفييتى. أشار العرض إلى هجوم تم تصميمه لتعطيل نظام القيادة الأمريكى وتدمير القوات النووية الأمريكية. وبدا أن عددًا كبيرًا من الصواريخ السوفيتية قد إطلاقه من البر والبحر.
Trending Plus