الحقيقة والهبد فى قراءة الصراع الإيرانى الإسرائيلى

كالعادة، وغالبا فى ظل الأوضاع غير المستقرة والصراع الإقليمى تروج الكثير من التقارير المضروبة والشائعات، بجانب تحليلات تناسب مباريات كرة القدم أكثر من الحروب والصدامات، بينما الأمر يتطلب عقلا وقراءة تشمل كل الزوايا، بعيدا عن التهوين والتهويل، وبالطبع، فإن هذا لا يمنع من احتفالات فى هذا الطرف أو ذاك من دون تحويل عملية تحليل الحرب إلى سباق فى تشجيع ومبالغات كبيرة، طرف يقلل من حجم خسائر إسرائيل استنادا إلى تعتيم كبير تفرضه أجهزة الرقابة والأمن لدرجة اعتقال من يصور أو ينشر فيديوهات غير مصرح بها، وطرف آخر يحاول التقليل من خسائر إيران.
الأمر لا يتعلق بما يحدث، لكن بحجم وكم الخداع الذى يتبعه البعض والخلط بين الرغبة والواقع، فالحقيقة أهم من كل هذا وفى النهاية الأمر ليس مباراة، لكنه صراع يهدد العالم، ويكشف عن غرور وصلف إسرائيلى فى مواجهة العالم، ودعم أمريكى وأوروبى، لكن هذا لا يمنع من قراءة المشاهد كاملة بعيدا عن التصفيق أو التصفير، وطريقة مناقشة انتقالات اللاعبين بين الأهلى والزمالك لا تصلح لتحليل صراع يقترب من حرب نووية أو أسلحة دمار شامل.
بقدر ما نجح الاحتلال فى توجيه ضربات وتنفيذ اغتيالات لقيادات عسكرية ونووية واستخبارية إيرانية، فقد نجحت الصواريخ الإيرانية فى إشعال حرائق وتدمير مبان والوصول إلى مراكز حيوية وعسكرية واستخبارية وموانئ وغيرها، والمفارقة أن إسرائيل تمارس تعتيما وتنكر سقوط قتلى أو جرحى، وتقلل من الأرقام بشكل مبالغ فيه، وبينما التقارير، بل والظاهر نفسه يكشف عن عشرات الأضعاف من القتلى والجرحى فى إسرائيل، وتنقل الفيديوهات المسموح بها الرعب والفوضى التى تواجههما دولة الاحتلال، وتكشف عن أن الغرور فقط لا يظهر إلا ضد الأطفال والعزل فى غزة وفلسطين، بينما الخوف وغياب الأمن هو العنوان.
ثم إن استهداف مواقع مثل معهد وايزمان للعلوم «العقل النووى لإسرائيل» وغيره من المراكز أو المنشآت النووية، تكشف عن أن الاحتلال لم يتوقع ردًا بهذه القوة، والرهان على أن إيران سوف تقف عاجزة عن الرد، نظرًا لغياب الغطاء الجوى.
إيران أصابت أهدافًا حيوية ورمزية داخل إسرائيل، واشتعلت الحرائق بشكل كشف عن قصور فى فعالية منظومة القبة الحديدية والأنظمة الدفاعية التى قدمتها أمريكا لإسرائيل، وبالطبع فإن كل هذا يتم مع تحقيق إسرائيل لاختراقات معلوماتية وجواسيس داخل إيران.
بالطبع، فإن كل طرف يبالغ فى الدعاية والتقليل من خسائره والتضخيم من انتصاراته، لكن فى إسرائيل، المعارضة تصعّد من انتقاداتها لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتحمله مسؤولية التورط فيما يسموه «حرب فاشلة» لم تحقق أهدافها، وأنه يغامر بأمن إسرائيل فى حرب طويلة، بينما فشل فى استعادة المحتجزين بقطاع غزة أو تأمين الجبهة الداخلية، وأن استمرار التصعيد لا يؤدى إلا لمزيد من عدم الاستقرار والقلق داخل المجتمع الإسرائيلى.
كل هذا الذى يجرى يضاعف من أهمية القراءات الصحيحة، بعيدا عن التهوين أو التهويل أو الهبد والشائعات، والخلط بين التعامل مع حرب إقليمية ودولية تتداخل معها وتتقاطع الصراعات والتوازنات الاستراتيجية، وتتحكم فيها عناصر متنوعة، ترتبط بالكثير من التداعيات، وهى حرب تحتاج إلى رؤية تتجاوز الهبد والادعاءات، ولا تحتمل المزيد من الشائعات والأخبار والأرقام المضروبة.
صحيح أن الضربات الصاروخية الإيرانية مثلت نقطة تحول فى المواجهة وخللا وغرورا فى حكومة نتنياهو، وأثبت قدرة طهران على ضرب أهداف حساسة داخل العمق الإسرائيلى، رغم افتقارها سلاحا جويا متقدما بسبب الحصار وغيره بمستويات من الدقة والاعتماد على معلومات استخباراتية محدثة فى مواجهة اختراقات إسرائيل، وهو ما يشير إلى تحولات فى المواجهة.

Trending Plus