حرب لا تهدأ.. جهود وزارة الداخلية في مكافحة تجارة المخدرات.. تحريز أطنان من الحشيش والبانجو واستهداف المخدرات المستحدثة.. خبراء: خطط حديثة وعقوبات رادعة لمواجهة المهربين.. والحل المستدام يقوم على التوعية

في إطار استراتيجيتها الشاملة لمواجهة الجريمة المنظمة، تواصل وزارة الداخلية تكثيف حملاتها الأمنية لضرب أوكار تجارة المواد المخدرة، وتوجيه ضربات استباقية للبؤر الإجرامية التي تنشط في هذا المجال، خاصة تلك التي تتسم بالخطورة الشديدة.
وتشير المؤشرات إلى تحقيق نجاحات ملحوظة في هذا الملف، وهو ما يعكس إصرار الدولة على حماية المجتمع، ولا سيما الشباب، من هذه الآفة القاتلة.
ضبطيات ضخمة
في واحدة من أبرز الضربات الأمنية الأخيرة، نجحت وزارة الداخلية في تفكيك بؤرة إجرامية شديدة الخطورة بمحافظة السويس، تضم خمسة عناصر جنائية تصنف على أنها من أخطر المشتبه بهم في الاتجار بالمواد المخدرة.
وأكدت معلومات وتحريات قطاع مكافحة المخدرات والأسلحة والذخائر غير المرخصة، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية المعنية، قيام هذه المجموعة بمحاولة جلب كميات كبيرة من المواد المخدرة تمهيدًا لترويجها داخل البلاد.
وعقب استصدار إذن النيابة، تم تنفيذ عملية أمنية محكمة أسفرت عن ضبط المتهمين وبحوزتهم كمية كبيرة من المخدرات، شملت 666 كيلو جرامًا من مخدر الحشيش، و20 كيلو جرامًا من مخدر الهيدرو، بالإضافة إلى 5 سيارات استخدمت في تسهيل النشاط الإجرامي. وتُقدر القيمة المالية للمضبوطات بنحو 72 مليون جنيه، وهو ما يشير إلى حجم هذا النشاط الإجرامي المنظم.
إحصائيات صادمة
لا تقتصر جهود وزارة الداخلية على السويس فقط، بل تشمل مختلف المحافظات.
وأظهرت الإحصائيات - وفقا للتقارير الاعلامية - للنصف الأول من عام 2024 نتائج لافتة على صعيد ضبط المواد المخدرة، من ضمنها ضبط أكثر من 9.5 طن من الحشيش ومصادرة نحو 550 كيلو جرامًا من الكوكايين، وضبط 12.5 مليون قرص من الكبتاجون المخدر، ومصادرة 3 ملايين قرص من الترامادول، وضبط 46 كيلو جرامًا من مخدر البودر، ضبط 2.5 كيلو جرام من مخدر الآيس.
وقُدّرت القيمة السوقية لتلك الكميات المضبوطة بنحو 3.5 مليار جنيه، وهو ما يعكس ضخامة السوق السوداء للمخدرات، وخطورة العصابات التي تقف خلفها.
رأي الخبراء الأمنيين
يرى خبراء أمنيون أن النجاحات التي تحققها وزارة الداخلية في هذا الملف الحيوي تعود إلى عدة عوامل متكاملة، أبرزها التنسيق الوثيق بين قطاعات الوزارة المختلفة، والتوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة في الرصد والتحري، إلى جانب تفعيل أدوات التحليل الأمني والاستباقي.
ويؤكد اللواء رأفت الشرقاوي، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن الضربات الاستباقية للبؤر الإجرامية تمثل ركيزة أساسية في جهود مكافحة المخدرات، مشيرًا إلى أن هذه العمليات لا تقتصر فقط على الجانب الأمني، بل تتطلب تعاونًا مجتمعيًا وإعلاميًا لمواجهة الظاهرة من جذورها.
ويضيف اللواء خالد يحيى ، خبير الأمن الجنائي، أن جهود الداخلية باتت تشمل متابعة انتشار المخدرات المستحدثة، مثل الهيدرو والآيس والبودر، والتي تمثل تحديًا إضافيًا نظرًا لقدرتها على التأثير السريع والمدمر على المتعاطين.
عقوبات رادعة للاتجار بالمخدرات
ينظم القانون بشكل صارم جرائم الاتجار وتعاطي المخدرات، حيث تنص المادة 33 من قانون العقوبات على أن كل من يتاجر في المواد المخدرة يعاقب بالسجن المشدد لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، وقد تصل العقوبة إلى السجن المؤبد أو الإعدام في حال اقترنت الجريمة بظروف مشددة، مثل تهريب المخدرات من الخارج أو الاشتراك في عصابة مسلحة.
أما المادة 34 فتُغلّظ العقوبات إذا ارتُكبت الجريمة ضمن تشكيل عصابي منظم، أو في محيط المدارس أو المؤسسات التعليمية، أو في حال تم استخدام قُصّر في ترويج المواد المخدرة.
ويُعد ذلك الإطار القانوني بمثابة رسالة واضحة بأن الدولة لن تتهاون مع أي محاولة للإضرار بالأمن القومي أو استهداف صحة المواطنين.
نحو مجتمع خالٍ من المخدرات
رغم الجهود الأمنية الجبارة، يؤكد المتخصصون أن الحل المستدام لمشكلة المخدرات لا يقتصر على المواجهة الأمنية، بل يشمل أيضًا توعية المواطنين، لا سيما فئة الشباب، بمخاطر التعاطي والإدمان، وتشجيع المبادرات الأهلية والتثقيفية التي تهدف إلى خلق بيئة صحية خالية من هذه السموم.
وتعمل الدولة بالتوازي على تعزيز دور صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، ودعم مراكز التأهيل والعلاج بالمجان، كخطوة مهمة في سبيل إعادة دمج المدمنين المتعافين في المجتمع.
تمثل حرب وزارة الداخلية ضد تجارة المخدرات جبهة مفتوحة لا تهدأ، ويبدو أن النجاحات المتواصلة تعكس وجود رؤية أمنية متطورة وإرادة سياسية صارمة.
ومع استمرار هذه الجهود وتكاتف كل مؤسسات الدولة والمجتمع، يبقى الأمل معقودًا على تحقيق هدف مصر خالية من المخدرات، ومجتمع آمن لأجياله القادمة.
Trending Plus