خالد صلاح يكتب: السردية التليفزيونية فى الحرب بين طهران وتل أبيب.. كيف تربح إسرائيل بالصورة وتخسر إيران بالكتمان؟

الخطيئة نفسها يرتكبها كل من يدخل حربا مفتوحة مع إسرائيل، تل أبيب تعرف أهمية الصورة التليفزيونية على الهواء مباشرة، وتوقن بأن المتحكم فى السردية التليفزيونية للمعركة سيكون له حظا أوفر فى الانتصار السياسى والإعلامى، ومن ثم تحدد إسرائيل جمهورها المستهدف بالسرد التليفزيونى بدقة، تعرف متى تظهر أنها خائفة، وضعيفة، ومتى تجعل مشاهد الحرائق والصواريخ التى تتهاوى على المدن الإسرائيلية مدخلا إلى قلوب العائلات التى تتجمع حول نار المدفأة فى أوروبا، وتخلق من صور الأطفال الخائفين فى الملاجئ، فرصة رائعة لتحريض الرأى العام الغربى، وإثارة الفزع فى قلوب هؤلاء الذين ترعبهم إيران أصلا، حتى من قبل أن تخوض حربا، أو تطلق صاروخا.
إسرائيل تنتصر فى هذه السردية التليفزيونية دون شك، ويؤسفنى جدا أن أزعج هؤلاء الذين ينتظرون أن يشفون صدورهم بالانتقام، والتشفى، حين يرون الرعب يخيم على الإسرائيلية، أو يطلقون التكبيرات مع كل صاروخ يفلت من القبة الحديدية.
إيران، تخفق إعلاميا كما أخفق كل من قبلها فى معركة السرديات التليفزيونية، تتكبر إيران على ضعفها، ولا تقيم للرأى العام الغربى أى وزن، ومن ثم استعلت على المحنة، وأرادت أن تظهر القوة فى غير محلها، وأن تتكتم على الضحايا، وبدلا من أن نرى صور المدنيين المرعوبين من العدوان الإسرائيلى على الأراضى الإيرانية، رأينا مؤتمرات عسكرية، وطائرات مسيرة، وكبرياء قوميا فارغا، يضعف الموقف الإيرانى، ويزيد من قوة تأثير السردية الإسرائيلية فى العالم.
رغم أن إسرائيل اعتدت على مناطق مدنية، واستهدفت علماء مدنيين، وضربت بنية تحتية مدنية، إلا أننا لم نر طفلا إيرانيا يبكى، أو امرأة إيرانية تنتحب أمام الكاميرات، أو مشاهد فزع فى الشوارع، وهو فى تقديرى خطأ كبير فى فهم إيران لطبيعة الحرب الإعلامية، ولأهمية السردية التليفزيونية فى المعركة، وهذا الخطأ قد يدفع بقوى غربية أخرى، وليس الولايات المتحدة وحدها، إلى الاصطفاف مع إسرائيل، فهذه الصواريخ هى رسالة لكل الشعوب الأوروبية بأن صواريخ إيران يمكن أن تصل إلى عواصمكم، وشوارعكم ومبانيكم، وأن الخوف الذى يعيشه الإسرائيليون اليوم، ربما تعيشونه أنتم غدا لو انتصرت إيران فى المعركة، أو لو استطاعت إيران أن تمتلك قوى نووية شاملة، والمعنى أن إسرائيل تقول للعالم، شاركونا فى القضاء على إيران، قبل أن يقضى عليكم الحرس الثورى.
حولت إسرائيل تليفزيونات العالم، وتليفزيونات فى العالم العربى أيضا، إلى منصة قتال بصرية، فهى تسمح للكاميرات بالدخول إلى مناطق تختارها بعناية، وتظهر الجنود الإسرائيليين، ورجال الإطفاء، وفرق الإنقاذ فى مواقف إنسانية، يساعدون أطفالًا، ويواسون جرحى، وتقدم روايتها مصحوبة بصور قوية، ومونتاج احترافى مع التركيز على صور النساء الذين يخرجون من الملاجئ بعد منتصف الليل، يحملون أطفالهم عائدين إلى المنازل فى خوف.
ورغم أن ضربات إسرائيل لا تنقطع عن إيران، وتل أبيب هى التى بدأت بالعدوان، إلا أن طهران اندفعت بكبرياء أحمق على الكتمان وعدم إظهار أى لحظة ضعف، تبدو تليفزيونيا أنها الأقوى، وأنها القادرة على ضرب العمق الإسرائيلى، وتعلو زغاريد البسطاء مع كل صاروخ يضرب الأرض، ومع كل حريق يشتعل فى مبنى أمام الكاميرا، ولا يعرف هؤلاء الحمقى أن (المخرج الإسرائيلى عاوز كدة) يريد للصورة أن تكون على هذا النحو تماما، يريدوننا ألا نرى الضحايا المدنيين فى الجانب الإيرانى، وألا نرى دموع الأمهات، أو لحظات الخوف عندما تحلق أسراب الطائرات الإسرائيلية فى سماء المدن الإيرانية، وفى النهاية، يكون السرد التليفزيونى لصالح إسرائيل، ووفق أهدافها الاستراتيجية التى تأمل فى أن تتشكل جبهة عالمية أكبر لإنقاذ إسرائيل، والقضاء على إيران المتجبرة، هذا هو الفخ الذى يقع فيه أعداء إسرائيل، كل مرة، ووفق نفس السيناريو، وبنفس السردية التليفزيونية المحترفة.
الآن.. ما الذى تقوله صحف الغرب؟
• تقول إن إسرائيل من حقها الدفاع عن النفس
• تنتقد إيران التى تضرب المدنيين (دون أن تلتفت للمدنيين الإيرانيين لأنها لم ترهم أصلا )
• تعيد بناء الأحداث وكأن إيران هى المعتدية على إسرائيل وليس العكس.
• تظهر إيران كبلد إرهابى يضرب الأطفال فى بيوتهم الآمنة.
• ترسانة الصواريخ الإيرانية يمكن أن تصل إلى أوروبا.
• لو امتلكت إيران سلاحا نوويا فسنقول وداعا للحضارة الغربية بكاملها.
أرجو ألا يتمطع ويتنطع واحد من بيننا ليقول إن الرأى العام الغربى لا يهم، وأن الرسالة القوية التى ترسلها إيران بأن إسرائيل ضعيفة، ويمكن الإطاحة بها بسهولة هى الأهم الآن أمام الرأى العام العربى والإسلامى، هذا التنطع هو السبب وراء تسيد إسرائيل طوال هذه السنوات، وانتصاراتها المتتالية على المقاومة العربية بكافة أشكالها، المقاومة تصرخ وتستعرض وتفرح بصور التنكيل والفزع أمام الكاميرات، أما على أرض الواقع فإن ضربات إسرائيل تكون أكثر إيلاما، وقدرتها على الظهور بثوب الضعيف الذى يحتاج الدعم هو عنوان نجاحها دائما.
إيران اليوم تخاطب عقولا لا تسمعها، بطولات فدائية دينية بلا قيمة سياسية ولا يوجد لديها استراتيجية واضحة واحترافية لتوثيق الجرائم الإسرائيلية على أرضيها مجرد خطاب استكبارى بلا معنى، مقابل سردية تليفزيونية إسرائيلية قادرة على التأثير.
إذا استمر الأمر على هذا النحو، فلا تنتظروا نتيجة سوى انتصار إسرائيل.
Trending Plus