شمعي أسعد يكتب: مولد يا دنيا

فيلم "مولد يا دنيا".. الذي كتبه يوسف السباعي وأخرجه حسين كمال.. والذي عرض أول مرة سنة ١٩٧٦.. الفيلم الاستعراضي الجميل الذي يساعدك وأنت تشاهده على تنظيم ضربات قلبك وتحسين التنفس وضبط حالتك النفسية.. يحكي قصة مجموعة من المشردين يسكن كل منهم فنان مغمور، يقابلهم مدرب رقص يكتشف موهبتهم ويصنع بيهم فرقة فنون شعبية.
الفيلم كان فيلمًا استعراضيًا، لذلك شارك أغلب أبطاله في كل أغانيه.. لم يحدث هذا كثيرًا في السينما المصرية، ورغم بساطة القصة نفسها، لكننا نرى كيف استطاع الفن أن يحول شبابا متشردا لفنانين.. وكيف استخرج أجمل ما فيهم، أنت أيضًا سترى نفسك كأنك تتحول معهم.. وستبارك تحولهم وستحب نسختهم الأخيرة.
يرسل لك الفيلم طول الوقت من خلال أغانيه رسائل إيجابية، كأنه يريد أن ينتشلك من تشردك أو شرودك، فتجد أغنية "تعالى جنبي" التي كتبها عبدالرحيم منصور ولحنها بليغ حمدي.. كأن الدنيا تقول لك "سيب وجعك وهمومك":
"ماتيجي جنبي
هتشوف بعينيك
جنة حواليك
الناس هنا حلوين
عايشين على السماح
ألوانهم الجميلة
مفيهاش لون الجراح
حاسين بالدفا
عايشين ع الوفا"
لكنك تقاوم البهجة أو خائف منها، فلسان حالك يرد:
"وفا إيه
ده الشقا مش راضي بينا
إحنا اللى رضينا بيه"
لكن رغم الخوف أن نصدق، ما زلنا:
"نحلم ببكرة يجينا"..
وبكلمات مرسي جميل عزيز وألحان منير مراد تدللك الدنيا أكثر..
"أأمر يا أمير واطلب يا أمير تلقى المطلوب جايلك بيطير"
وأنت ما زلت تقاوم رافضًا أن تصدق، فيشارك مرسي جميل عزيز ومحمد الموجي في "المحايلة":
"يهديك
يرضيك
الله يخليك"
وأنت تبرر تخوفك:
"طول عمري بهرب من عمري
وبسلم للأيام أمري
وتاخدني الريح
وتجيبني الريح
وأيامي بتجري"
لأن جراحك أقوى وذكرياتك أليمة، كما أن مرسي جميل عزيز وكمال الطويل داسوا على كل أوجاعك:
"يرحم زمان وليالي زمان
والناس يا متهني يا فرحان
الدنيا كانت وردة وشمعة
ولسه ما اخترعوش أحزان"
تراجع نفسك وتطمئن نفسك أن حالك كان أفضل:
"صدقني يا صاحبي
كان الزمان صاحبي"
لكن تقلبات الحياة وعنف أمواجها:
"آه يا زمان العبر
سوق الحلاوة جبر
إحنا اللي كانوا الحبايب
بيسافروا بينا القمر
بقينا أنتيكا"
وبعد التوهة والحيرة لا نملك في عز ضعفنا وانكسارنا غير أن ننظر إلى السماء ونطلب العون:
"يا قوي يارب
يا كريم يا عظيم يا رحيم يا قوي
من حر حرقتي ومر دنيتي وضعف قوتي
بنده عليك قوي يارب"
من خلال أغنية في الفيلم تشبه الصلاة كتبها مرسي جميل عزيز ولحنها محمد الموجي.. كان لا بد منها قبل إعلان التغيير النهائي.
وبعد ما أخذنا قرار التغيير واستعنا بربنا.. يأتي الاستعراض الأخير في الفيلم.. ونفوز كلنا بالنتيجة.. ونردد كلمات سيد مرسي وألحان بليغ حمدي:
"يالا يا دنيا نقول للدنيا
كنا إزاي عايشين في الدنيا
وليه ضيعنا الوقت ده كله..
واللي ما شافش الدنيا نقوله آهي دي الدنيا"
مع إصرار على التحفيز في تكرار كلمة "يالا".. لأننا:
"اشتاقنا وهديت أشواقنا خلينا الدنيا تصدقنا"
واكتشفنا أن إرادتنا كانت هي سيد الموقف من البداية وكم ظلمنا أنفسنا باستسلامنا:
"ورضينا بالنار تحرقنا والنار مش راضية بده كله"
حتى شرير الفيلم توفيق الدقن استجاب لموجة التغيير وغنى معهم:
"يا للي ظلمتوا معاكوا الدنيا مالها الدنيا"
ينتهي الفيلم، فيلم مولد يا دنيا، الذي اتحدت كل الظروف وقتها ليخرج بها الجمال، من أول وفرة الفنانين إلى جمهور متذوق ومزاج عام سامح، مرورًا بالإيمان بدور الفن في ترقي المجتمع، ثم تخرج لمولد الدنيا الحقيقي، لتجد أن الفيلم لم يكن أكثر من حلم، تبحث على نفس الوجوه التي كانت في الحلم فلا تجدها، بل تجد نفسك طوال حياتك مشتبكًا مع ناس تشبه الملائكة لكن بداخلهم قبح.
Trending Plus