عثمان بن عفان.. جريمة مقتل الخليفة كما يرويها محمد حسين هيكل

جريمة مقتل الخليفة كما يرويها محمد حسين هيكل
جريمة مقتل الخليفة كما يرويها محمد حسين هيكل
أحمد إبراهيم الشريف

لم يكن مقتل سيدنا عثمان بن عفان بالأمر الهين، وعندما نقرأ كتب التاريخ نجد أمورا صعبة ما كان لها أن تحدث، وما كان يليق بأحد أن تمتد يده إلى صاحب رسول الله بأذى، فما الذى يقوله كتاب "عثمان بن عفان بين الخلافة والملك" لـ محمد حسين هيكل في هذا الشأن:

على الرغم من وجود الثوار بالمدينة، فإن عثمان ظل فترة يخرج إلى المسجد يصلي بالناس كما كان يصلي بهم من قبل؛ فقصد المسجد ذات يوم، ثم جلس على المنبر ووجه حديثه إلى الثوار بقوله: يا هؤلاء العدى، الله الله، فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد ﷺ، فامحوا الخطايا بالصواب فإن الله — عز وجل — لا يمحو السيئ إلا بالحسن. فقام محمد بن مسلمة وقال: "أنا أشهد بذلك" وتصدى له حكيم بن جبلة وأرغمه على السكوت والقعود. ثم قام زيد بن ثابت وطلب الاطلاع على الكتاب الذي زعم الثوار أن عثمان كتبه وبعث به إلى وليه على مصر. لكن الثوار سرعان ما هبوا في وجهه وثارت ثائرتهم، فحصبوا الناس حتى اضطروهم إلى الخروج من المسجد، ثم تحولوا إلى عثمان فحصبوه حتى سقط من فوق المنبر مغشيًّا عليه؛ فحمله بعض المسلمين إلى داره.

ولما أفاق من وعكته؛ خرج إلى المسجد يصلي بالناس، واستمر على ذلك عشرين يومًا أو ثلاثين يومًا في بعض الروايات حتى حال الثوار بينه وبين الخروج إلى المسجد، وعهدوا بالصلاة إلى زعيمهم الغافقي بن حرب العكي، الذي أعلن المصريون والكوفيون والبصريون طاعتهم له، ثم بعث الثوار إلى عثمان برسالة جاء فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فاعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فالله الله؛ ثم الله الله، فإنك على دنيا، فاستتم إليها معها آخرة، ولا تلبس نصيبك من الآخرة، فلا تسوغ لك الدنيا، واعلم أنَّا واللهِ للهِ نغضب، وفي الله نرضى، وإنا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتى تأتينا منك توبة مصرحة …" وما لبث الثوار أن أعادوا الكَرَّة على عثمان، فبعثوا إليه وفدًا من قبلهم ولما التقى هذا الوفد بعثمان عاتبه على كتابه إلى واليه بمصر؛ فنفى عثمان صدور هذا الكتاب عنه، فقال له أعضاء الوفد: اعزل عنا عمالك الفساق، واستعمل علينا من لا يتهم على دمائنا وأموالنا واردد علينا مظالمنا، فأجابهم عثمان بقوله: ما أراني إذن في شيء إن كنت أستعمل من هويتم، وأعزل من كرهتم. الأمر إذن أمركم! فقالوا: والله لتفعلن أو لتُعزلن أو لتُقتلن، فانظر لنفسك أو دع. فأبى عليهم وقال: لم أكن لأخلع سربالًا سربلنيه الله.

وهكذا أراد الثوار حسم الأمر، فخيروا عثمان بين أن يمحو مظالمهم أو ينزل عن الخلافة، وإلا قتلوه. فأبى عثمان تحقيق الأمرين الأول والثاني. وكان الثوار قد طالت بهم الإقامة في المدينة، وأرادوا أن يحققوا ما قدموا من أجله، ومن ثَمَّ أخذوا يشددون الحصار على عثمان ليرغموه على النزول عن الخلافة.

لم يكن عثمان يظن أن من بين المسلمين من يقدم على قتل خليفتهم، ويتضح لنا ذلك من قوله لأصحابه: "ولم يقتلونني وقد سمعت رسول الله ﷺ يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا في إحدى ثلاث: رجل كفر بعد إيمانه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسًا بغير نفس. فوالله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام قط، ولا تمنيت أن لي بديني بدلًا منذ هداني الله، ولا قتلت نفسًا، ففيم يقتلونني؟"

على أن الثوار المحاصرين لدار عثمان ما لبثوا أن شرعوا في تنفيذ ما توعدوه به وأخذوا يدبرون قتله، فأشرف عليهم عثمان من داره، وصاح فيهم: يا قوم، لا تقتلوني فإني وال وأخ مسلم، فو الله إن أردت إلا الإصلاح ما استطعت أصبت أو أخطأت، وإنكم إن تقتلوني لا تصلوا جميعًا أبدًا ولا تغزوا جميعًا أبدًا ولا يقسم فيؤكم بينكم. ثم عاد عثمان يناشد الثوار التعقل والروية، ولما أيقن أنه أخفق في حث الثوار على العدول عن موقفهم بدا عليه الحنق والغيظ، وتوجه إلى ربه بالدعاء عليهم، فقال: "اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق منهم أحدًا".

طال حصار الثوار لدار عثمان، وساءت معاملتهم له، فمنعوه من الخروج والصلاة في مسجد النبي وحالوا دون وصول الماء إليه، فأرسل عثمان إلى بعض أصحاب النبي وأمهات المؤمنين يطلب إليهم أن يمدوه بحاجته من الماء، فسارع عليٌّ إلى تلبية رغبته، وأقبل على الثوار، وقال لهم: "إن الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين، لا تقطعوا عن هذا الرجل المادة، فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقي، وما تعرض لكم هذا الرجل، فبم تستحلون حصره وقتله؟!" قالوا: "لا والله ولا نعمة عين، لا نتركه يأكل ولا يشرب."

قيل: إن الحصار استمر أربعين يومًا. وكان عثمان من حين لآخر يحذر الثائرين الفتنة ويذكرهم بآيات الله، فلا يحفلون به، وبينما هو على هذه الحال، إذ دعاه رجل من الصحابة يدعى نيار بن عياض الأسلمي أن يخلع نفسه، فرماه كثير بن الصلت الكندي — أحد الذين كانوا يدافعون عن عثمان — بسهم أصاب منه مقتلًا؛ فطلب الثوار من عثمان أن يسلمهم قاتل ابن عياض ليقتلوه به، فأبى عثمان تسليمه لهم، وقال: "لم أكن لأقتل رجلًا نصرني وأنتم تريدون قتلي." ولم يلبث الثوار أن أقدموا على مهاجمة دار عثمان وأشعلوا النار في بابها والسقيفة التي عليه، فخرج إليهم أصحاب عثمان يقاتلونهم ويصدونهم عن الدار. ودار بين الفريقين قتال عنيف، وأصيب فيه كثير من أنصار عثمان بجراح وقتل آخرون. ولم يكتف الثوار بذلك، بل أخذوا يتسللون إلى دار عثمان عن طريق دار عمرو بن حزم الأنصاري، فوجدوا عثمان يقرأ في المصحف سورة البقرة. وتقدمهم محمد بن أبي بكر الذي أمسك بلحية عثمان؛ وقال له: "قد أخزاك الله يا نعثل!" (ونعثل هذا كان رجلًا يهوديًّا من أهل المدينة يشبه عثمان في طول وكثافة لحيته.) فاستاء عثمان من فعله وقال له: "لست بنعثل ولكن عبد الله وأمير المؤمنين." واستمر ابن أبي بكر يجذب لحية عثمان وهو يقول لعثمان: "ما أغنى عنك معاوية، ما أغنى عنك ابن عامر، ما أغنت عنك كتبك؟" فقال له عثمان: "يا ابن أخي دع عنك لحيتي، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه." فرد عليه ابن أبي بكر بقوله: "لو رآك أبي تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك، وما أريد بك أشد من قبضي على لحيتك." فقال عثمان في صبر وجلد: "أستنصر الله عليك وأستعين به." فطعنه ابن أبي بكر في جبينه بمشقص (وهو سهم له نصل عريض)، ثم رفع كنانة بن بشر مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل أذن عثمان فمضت حتى دخلت في حلقه، ثم علاه بالسيف فضربه به. وأراد عثمان أن يتقي ضربة السيف بيده فقطعها، كما أكبت عليه زوجه نائلة، وتلقت السيف عنه بيدها، فقطع إصبعها. وضرب سودان بن حمران المرادي عثمان في جنبه فخر صريعًا. وكان ذلك في يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة سنة 35ﻫ، ثم هجم العامة على الدار فنهبوها كما نهبوا بيت المال.

لم يسمح الثوار في بادئ الأمر بدفن جثمان عثمان، فظل ثلاثة أيام دون دفن، وطلب بعض القرشيين من علي بن أبي طالب أن يتوسط لدى الثوار؛ ليسمحوا بمواراة جثمانه التراب؛ فأذنوا بدفنه، ولم يشهد جنازته سوى مروان بن الحكم وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وأبو جهم بن حذيفة العدوي، ونيار بن مكرم، وزوجتي عثمان نائلة بنت الفرافصة وأم البنين بنت عيينة، وحاول الدهماء قذف جنازة عثمان بالحجارة، فنهرهم علي بن أبي طالب، وهرع القوم بالجثمان ليواروه متخذين من الظلام ستارًا يحجبهم عن عيون الثوار.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الوصل الإماراتى يتراجع عن ضم وسام أبو على

سامح عبد العزيز.. رحيل صادم وتاريخ مشرف فى السينما والدراما

الانبعاثات الكربونية شبح يهدد أوروبا.. زيادة الحرائق بسبب موجات الحر يؤدى لتكاثف الغازات السامة فى الغلاف الجوى.. ومساعٍ لخفض الانبعاثات بنسبة 90% بحلول 2040.. وارتفاع درجات الحرارة يهدد حياة الآلاف

الزمالك يربط بقاء دونجا بتخفيض راتبه مع اقتراب نهاية عقده

فتح باب التقدم للالتحاق بمدارس المتفوقين وهذه شروط وموعد امتحان القبول


انهيار نفق فى لوس أنجلوس يحاصر 15 عاملاً

الطريق إلى مجلس الشيوخ.. غلق باب الترشح للانتخابات اليوم.. ولجان قضائية لفحص المستندات والتحقق من صفات المرشحين.. وعرض القوائم وأسماء المترشحين فى اليوم التالى لغلق باب الترشح.. و3 أيام فقط للطعون

ترامب: سنعمل على تيسير السلام في السودان وليبيا

وفاة المخرج سامح عبد العزيز بعد تعرضه لوعكة صحية والجنازة من مسجد الشرطة

وداعًا للقلق والتوتر.. طلاب الثانوية العامة ينهون اليوم آخر الامتحانات


الأهلي يتربع على عرش أفريقيا في تصنيف أندية العالم.. ومركز مفاجئ للزمالك

غدا.. آخر فرصة للتقديم على وظائف فى البوسنة برواتب تصل 52 ألف جنيه شهريا

تشييع جنازة المطرب الشعبى محمد عواد اليوم من المسجد الكبير بالقنطرة شرق

مصطفى كامل يودع محمد عواد: "كنت معايا فى العزاء من يومين"

محمد عواد يرحل بنفس سبب وفاة أحمد عامر.. أزمة قلبية مفاجئة

باريس سان جيرمان يدمر ريال مدريد برباعية ويتأهل لنهائى كأس العالم للأندية

بى إس جى ضد الريال.. الملكى ينهار بالهدف الثالث فى الدقيقة 24

أرملة شهيد الواحات: مكالمة السيدة الأولى جبرت بخاطرى

عقد قران المخرج مراد مصطفى والمنتجة سوسن يوسف.. صور

بي اس جي ضد الريال.. تأخر انطلاق موقعة كأس العالم للأندية 10 دقائق

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى