تشارلز داروين يتلقى ورقة بحثية لنتائج متطابقة عن نظرية التطور.. من الراسل؟

فى صيف عام 1858، تلقى تشارلز داروين ظرفًا غير مجرى حياته، لم يكن يعلم أن بداخله ورقة بحثية كتبها عالم شاب يُدعى ألفرد راسل والاس ستدفعه، بلا تردد، لكسر حاجز الصمت الذي دام أكثر من 20 عامًا، ويخرج إلى النور بنظريته التي ستزلزل الأوساط العلمية والدينية على حد سواء نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي.
كان داروين في التاسعة والأربعين حين نشر فكرته التي ظل يعكف عليها طويلًا، لكن دفعته ورقة "والاس" إلى التحرك سريعًا، لم تكن الورقة مجرد تشابه في الطرح، بل كانت تكاد تتطابق مع ما توصل إليه داروين بدقة مدهشة، وهو ما أشعل في نفسه شعورًا بالخطر من أن ينسب سبق الكشف العلمي إلى غيره.
في 20 أغسطس 1858، خرج داروين لأول مرة بنظرية التطور في دورية علمية بلندن، تحت عنوان "الانتخاب الطبيعي"، مقدّمًا طرحًا مشتركًا مع والاس، ليتحول الرجل إلى مادة صحفية بارزة في الصحف البريطانية.
بعد أشهر قليلة، قرر داروين أن يفرغ ما في جعبته من أدلة وأفكار، فوضعها في كتابه الأشهر "أصل الأنواع"، الذي أصبح لاحقًا أحد أكثر الكتب تأثيرًا في تاريخ العلم، قدم فيه خلاصة فكرته القائمة على أن الكائنات الحية تتطور من أسلاف مشتركة، وأن البقاء ليس إلا للأصلح.
كانت نظرية والاس، المستقلة في بحثها، تستند إلى ملاحظاته خلال رحلاته إلى حوض نهر الأمازون وأرخبيل الملايو، حيث اكتشف ما يعرف بـ"خط والاس"، وهو حاجز جغرافي يفصل بين الكائنات الآسيوية والأسترالية، ما جعله يضع تصورًا مشابهًا لما توصل إليه داروين.
الغريب في مسيرة داروين أن بدايته كانت في عالم الطب، إذ كان يساعد والده في علاج الفقراء، لكنه لم يحتمل الدراسة وتركها لشعوره بالملل. ما جذبه حقًا كان عالم النبات، وبخاصة علم تصنيف النباتات، الذي بدأ يتعمق فيه تحت إشراف العالم الكبير جون ستيفنز هانسلو.
يرى داروين أن الموارد المحدودة من غذاء وماء تجعل الكائنات في صراع دائم للبقاء، ومن خلال هذا الصراع، تنجو الكائنات ذات الصفات الأقوى، بينما تفنى الأضعف وهكذا، تتناسل الأفراد القوية وتنقل صفاتها للأجيال القادمة، وهو ما يحدث عملية التطور التدريجي.
النظرية التي طرحها داروين في كتابه لم تكن فلسفة أخلاقية، بل وصفًا لعملية طبيعية قاسية، فالحياة، وفقًا له، لا تُمنح بالتساوي، بل تنتزع عبر صراع البقاء، ويظل من يملك "الميزة" هو من يستمر في التكاثر.
Trending Plus