حين يُصبح الأمل علاجًا قبل الدواء

في غرف المستشفيات، حيث الأصوات خافتة والقلوب معلقة بنتائج التحاليل، هناك دواء لا يُباع في الصيدليات، ولا يُحقن عبر الوريد، دواء لا تصنعه الشركات بل تنسجه الكلمات الصادقة، وتبثه النظرات التي تقول: "ما زال في الطريق نور"، إنه الأمل.
كم من مريض ظن أن الليل طال، فإذا بشعاع صغير من التفاؤل يشق العتمة، ويوقظ في قلبه فكرة الحياة من جديد.
لا نقول "هُزم السرطان"، ولا نقول "انتصَر عليه"، فالمعركة مع المرض ليست حلبة ملاكمة، بل مسيرة، يخوضها المريض بشجاعة، ويواصل فيها السير حتى في الأيام التي يثقل فيها جسده ويضعف صوته.
ما أحوجنا إلى أن نُغيّر مفرداتنا حين نتحدث عن المرض، لا نقُل "فلان خسر المعركة"، بل قُل: "خاضها بشجاعة حتى آخر نفس"، ولا تصف المريض بـ"الضحية"، بل بـ"المقاتل"، فالكلمات تُربّي الأمل أو تقتله، تغذّيه أو تُميته جوعًا.
الأطباء يعالجون الجسد، لكن الكلمة الصادقة تعالج الروح، الأدوية تُخفف الألم، لكن عبارة "أنت أقوى مما تظن" قد تُوقظ العافية من سباتها.
من قال إن الشفاء لا يبدأ من الداخل؟ من قال إن التفاؤل لا يُؤثر على خلايا الجسد؟ العلم نفسه بات يعترف اليوم بأن الحالة النفسية تؤثر على المناعة، وأن الأمل قد يكون ركيزة أولى في طريق التعافي.
لذلك، حين تزور مريضًا، لا تحمّل حقيبتك أخبارًا حزينة أو ذكريات موجعة، بل احمل معه زهرة حكاية، ونقطة ضوء في حديثك، قُل له إن الجسد قد يتعب، لكن الروح لا تعرف الانكسار، قُل له إن المرض ليس هوية، بل محطة، وإن القطار لم يتوقف بعد.
في النهاية، ليس كل انتصار يُقاس بالبقاء، وليس كل شفاء يُقاس بالأرقام، أحيانًا، يكفي أن تُوقظ في المريض رغبة الاستمرار، فهذا في ذاته، معجزة.
محمود عبد الراضي،مقالات محمود عبد الراضي،الامل،السرطان
Trending Plus