فخ تل أبيب وتجربة صدّام.. عن عبء إيران عندما تتساوى حسابات الحرب والسياسة

حازم حسين
حازم حسين
بقلم حازم حسين

رسالة غامضة يتطاير الشرر من حروفها، ثم يتدخل البيت الأبيض بالتوضيح، وتُحذف بعدها ويُصوب الرئيس مقصده. طالب ترامب بإخلاء طهران فورا، ومن بعدها ادّعى أنه يقصد الحرص على الناس وما يتصل بسلامتهم.


لا ينضبط سيد البيت الأبيض على موجة واحدة، يقول كثيرا ما لا يفعل، ويفعل أحيانا خلاف ما يقول تماما، ويبدو طوال الوقت كأنه فى نزال مع الجميع، الأعداء والأصدقاء ودائرته الشخصية قبلهما. مُغرم بالصدمة والإثارة ومفاجأة الآخرين، وقد يأخذ تحت تلك سطوة شهوته تلك قرارا ما كان هو نفسه يتمنّاه، أو على الأقل كان يُبشّر فى النقطة نفسها بالعكس.


الشواهد عِدّة، من رقصته الاستعراضية على كرامة زيلينسكى، إلى إدهاش أركان إدارته أنفسهم بخطوة رفع العقوبات عن سوريا إبان زيارته للخليج، مرورا باقتراح «ريفييرا غزة» واستخلاص القطاع من الاحتلال الإسرائيلى لصالح امبريالية عقارية أمريكية. يحب الرجل أن يكون غريب الأطوار، مجنونا أو غير متوقع.


تُطربه المدائح، ويُسكره الخوف والرهبة فى عيون الساسة والشعوب، يدخل إلى الغرفة بصفقة واضحة، ثم تغريه الوقائع بتطويرها، فلا تعرف أكان جاهزا منذ البداية ويُناور، أم أنه يرتجل المواقف بحسب التطورات، وتُميّله الرياح على أى جنب تميل.


استدعى نتنياهو على عجل من المجر لواشنطن، وسلّمه رسالة من يد ليد عن افتتاح جولة مفاوضات جديدة مع إيران. بدا كأنه يكبحه عن التصعيد ودعوة الجمهورية الإسلامية إلى رقصة النار.


منحَ الأخيرةَ هامشًا مُؤطّرًا بشهرين من دون إخطار بالتبعات، وفى اليوم المتمم للمهلة أقر لتل أبيب ما كانت تتطلع إليه، وأعطاها إذنا لا يُنكَر بدق طبول الحرب. يلوّح بغصن الزيتون، فيما يقبض على البندقية، ولسان حاله كما قال روزفلت: «احمل عصا غليظة وتحدث بهدوء».
لا أحد يصدّق أنه بمنأى من العدوان الأخير، إنما لا إيران ولا غيرها يملكون دليلا أو يستطيعون إقامة الحجة عليه. إسرائيل مهما بلغت من القوة لا تستطيع خوض الجولة دون إسناد، لوجستى واستخبارى على الأقل، وهدفها النهائى بالمعلن منه والمضمر يتطلب لمسة أمريكية خشنة أو مبدعة، أكان على صعيد الاكتفاء بإنهاء البرنامج النووى، أم تطويره إلى إطاحة النظام.


لا تناقضات بينهما على الإطلاق، إنما إيحاء واستثمار لغايات شتّى. ليبدو الذهاب لطاولة مسقط كرما بالغا على غير هوى الحليف العزيز، والصمت عن القتال إلى جانبه فرصة قد لا تطول ولا تتكرر، والهراوة الغليظة التى أنزلها بيبى على رأس خامنئى من الآثار الجانبية غير المأمونة دائما.


مصلحته أن يُقلّم أظفار الشيعية المسلحة أو ينزعها، لأنها تتضاد مع مطامعه وتصوّراته لهندسة الإقليم، ولأن أى خطر منها على الحلفاء سيرتد إليه، عاجلا وآجلا، ليدفع غدا فواتير ما تعالى عليه أمس واليوم. يُظهِرُ الاعتدال والتعقل، لكنه من الأعماق ليس أكثر من انعكاس لنوايا زعيم الليكود فى مرآة مستوية.


جاهز للحرب، وإن لم يكن راغبا فيها، أو ادّعى عدم الرغبة. والحساب لديه على النتائج والمُقدِّمات معًا. بمعنى أنه ينطلق من بديهيات لن يتسامح فيها، وقد ورثها من سابقيه، لعلّ أهمها أن تُقصَف تل أبيب.


النزعة الامبراطورية لا تترك لها مُتّسعًا لاحتمال الصفعات، وتمريرها من دون ردٍّ. والهامش الضيِّق لديه يتراوح بين قطع اليد الصافعة، أو تعليقها فى جبيرة وحزام كتف.


باختصار، لن تمرّ صواريخ طهران على طاولة التسوية بالسرعة التى عبرت بها الخرائط الفاصلة بين العاصمتين. صحيح أنها تعرَّضت لاعتداء، ومارست حقًّا مشروعًا فى الدفاع عن النفس، لكنها اخترقت المحاذير ولامست الأعصاب العارية.


أينعم خصمان، إنما ليسا على درجة واحدة. يحق لأحدهما أن يُعربد فى بلاد الناس، وتُحَدّ فرصة الآخر بالخطابة والبكاء، وليس بتفعيل منطق «الجزاء من جنس العمل»، لأنه صالح فى اتجاه واحد فقط.


الأهداف المطلوبة تقضى بإعادة إيران إلى حدودها، وإنهاء حقبة طويلة من انفلاشها على طول الشرق وعرضه. الردع يتطلّب استعادة توازن الرعب، ومن قبله العقاب على كسر الخطوط الحُمر، والجمهورية الإسلامية منذورة لأن تكون رأس الذئب الطائر، لا لخوف من مخاطر لاحقة تتسبب فيها، بل لتكون فاتحة التجربة ومُنتهاها، ولا تغرى غيرها ولو فى خيالهم بالذهاب إلى ما ذهبت إليه.


كانت صفعة 11 سبتمبر قاسية ومؤلمة فى ذاتها، لكن الرمزى المُخيف فيها تقدّم على المادىِّ المُوجِع. قفز بن لادن ورجاله وداعموه على الجُدر الحصينة، واخترقوا الموانع كلها فى لحظة استئساد منهم، وغفلة من النائمين تحت ستار البأس. وكان المقابل أن يُطرَح نظام طالبان فى نسخته الأولى من المُعادلة، وتُدمَّر أفغانستان بعنفٍ لعقدين كاملين، ولا مانع من شَبك العراق فى طرف الخيط.


وفى شأن بغداد وبعث صدّام، لا يصح اختزال المسألة فى هجمة برجى التجارة التى لا علاقة لهما  بها، ولا فى دعاوى أسلحة الدمار الشامل، وقد ثبت زيفها، وبدا أن الولايات المُتّحدة تنفذ حُكما بالإعدام من دون قضيّة ظاهرة. وعلى الأرجح أنه كان عقابا مؤجّلا، وحادثة تقادمت فى وعى مُرتكبها، وما غادرت ذاكرة طرفها الثانى قطّ، ولا أنزل راية ثأره الحمراء عن سماء الرافدين.


تعود الواقعة إلى شتاء العام 1991. كان النظام العراقى وقتها فى حماوة حرب الخليج الثانية، ويستفيق من سكرة غزو الكويت على فكرة التحالف الدولى لتحريرها. تفتّقت الأذهان عن احتمالية إرباك الخصوم وشقّ صفوفهم، حال المبادرة إلى قصف إسرائيل، واستدراجها للردّ على الهجمة، لتتعانق كفّها مع الكف الأمريكية، ويبدو الوقوف بجانب واشنطن بعدها كأنه اشتغال فى جبهة الصهيونية.


أطلق صدام نحو ثمانية وثلاثين صاروخ سكود على حيفا وتل أبيب، على 18 دفعة فى الفترة من 18 يناير حتى 25 فبراير. وبعيدًا من تفاوت التقديرات والاختلاف فيها، فالأقرب أنه تسبب فى تدمير 28 مبنى عاما، و200 متجر، و50 سيارة، ونحو 1302 منزل، وتضرر 4100 عقار، مع وفيات إجمالية تقارب 77 وما يزيد على 230 جريحا.


تدخّلت إدارة الرئيس الجمهورى جورج بوش الأب سريعًا. استوعبت المراد من الضربة وعملت على إحباط أهدافها، فأقنعت إسرائيل بعدم الردِّ عليها، واستكملت مسار تحرير الكويت ودحَر الغزو، ومن وراء ذلك سنوات طوال من الحصار الخانق والقضم المُتدرّج.


تناسى الجميع أن العراق تعرّض قبل نحو عشر سنوات لعُدوان من المُعتدَى عليه. عندما قرّر الصهاينة تحييد برنامجه النووى الوليد، فقصفوا مفاعل تموز، أو أوزيراك، فى مثل هذا الشهر من العام 1981.


مشهد لا يختلف كثيرا عمَّا يجرى اليوم، فلهم الحق فى انتهاك سيادة الدُّول وإنفاذ إرادتهم فيها، وليس لها أن تغضب أو تثأر أو تُعقِّب على التجاوز بما يُشبهه أو يتناسب معه. سقفها أن تتألّم فى صمت، أو تشكو وتُزمجر، وما فوق الحناجر تتكفّل به الخناجر.


اصطبروا اثنتى عشرة سنة، ثم اقتصّوا لتل أبيب من بغداد. كان إسقاط صدّام حسين مُحصّلة لأمور عِدّة، ويصعب اختزاله فى عنوان بعينه، لكن العبء الأكبر من دون شَكّ تولّد عن نزوة «صواريخ سكود»، والرسالة الأهم والأعلى طلبًا لدى الصهاينة: نُرجئ ولا ننسى، ونُعاقب ولو طال الزمن.


يُمكن للراغب أن يتتبّع وقائع شبيهة فى قصص مُغايرة. من تعقّب مُنفّذى عملية الطائرة الرياضية فى أولمبياد ميونيخ، إلى مُطاردة قادة الفصائل الفلسطينية فى مشارق الأرض ومغاربها. قبلها عملية استجلاب النازى الشهير أدولف أيخمان من الأرجنتين وإعدامه فى الأرض المسروقة/ فلسطين التاريخية، وصولاً لتعقُّب صالح العارورى فى بيروت، وإسماعيل هنية فى طهران، وتأكيد أنهم لن يُوفّروا قائدًا من حماس أو مُخطِّطى «الطوفان» ولو تباعد فى الزمان والمكان.


يعرض ترامب على الملالى أن يعودوا لطاولة التفاوض، ويجتهد نتنياهو لإدامة الجبهة ساخنة على أمل استدعائه من كرسىّ المفاوض إلى عدّة المقاتل. وما يُحتَمَل أن تتطوّر إليه الجولة لا يُغيِّر شيئًا من الافتراضات السابقة، بمعنى أن راية الثأر انعقدت لدى الصهاينة غالبا، ولن يتوقفوا عن محاولة إسقاط النظام الإيرانى أو تخريب الدولة حواليه بأكثر مما هى مُخرّبة. وإن رُدعوا اليوم بتوازنات وتسويات اضطرارية، فلن تُغلِق ورشة العداء والاستهداف أبوابها.


المُفاضلة فى واشنطن بين سيئ وأسوأ. قانون الحصانة الجغرافية التى تدّعيه لنفسها، لا تحرم الحلفاء المقربين منه، وتعرف أن إيران قد تُلجئها الظروف إلى الطاولة، لكنها ستظل عصيّة على التغيُّر العميق، ولن تملّ الاستزداة من القوّة والسعى إلى ترميم المشروع.


التناقض بنيوى وليس عارضا، وذخيرته أيديولوجية على الناحيتين: امبريالية بصبغة اقتصادية هنا، وأصولية بمزيج من المعتقد والعرق هناك، ولا سبيل للتوفيق بينهما، أو تجميد الصراع لأجل غير مُسمَّى.


مشروعية نظام الولى الفقيه قائمة على الثورة وتصديرها، وعلى فسطاط الحقّ الذى تُكتَسَب جدارته من مواجهة الباطل، لا من ذاته وحدها. كانت فلسطين اختيارًا عاطفيًّا للتسلل إلى المنطقة، لكنها تُمثّل بالدرجة نفسها حاجة وجودية لا غنى عنها، لأنها قادرة على توليد الذرائع وإدامتها من دون انقطاع أو انطفاء.


يُمكن أن تُقَصقَصَ الأجنحةُ والأذرع، وأن يُسلَب منها النووى والباليستى، إنما ليس بالإمكان أن تُحرَم من طاقة القضية المُعقّدة وفاعليتها على المنابر وفى النفوس.


وللمفارقة، فإسرائيل فى وجهها اليمينى، التوراتى والقومى، تتعاطى القضية من ذات المنظور. قد يبدو تفكيكها صعبًا ومُقلقًا، لكن أبوابه انفتحت غير مرّة بهدوء، وكان ميسورًا التوصُّل إلى توافقات غير تسووية ولا صدامية بالكامل.


انقلب نتنياهو على أوسلو بالتزامن مع انقلاب حماس، وصعد على جثّة رابين، فيما كانت الحركة تتهادى على إيقاع الانتفاضتين، ثم غياب عرفات والانقلاب على السلطة. باختصار، تتقطّع السُّبل بين الأصوليات على الجانبين، وتتلاقى الغايات.


قال وزير خارجية إيران السابق، حسين أمير عبد اللهيان، إن ما يجمعهم مع إسرائيل الرفض المُطلق لحل الدولتين. الحماسيّون على المبدأ نفسه، ارتضوا سُلطة محدودة ومتأكلة فى غزّة، بينما يرفضون بشكل مبدئى أن تتجسَّد فلسطين على شىء من الضفة والقطاع.


مُعادلة إمَّا الكُل أو لا شىء، وهذا مِمَّا يُطابق أهداف الاحتلال، ويُغذّى شعاريّة تيّار المُمانعة فى أطواره وتحوّلاته، من جبهة الصمود العربية سابقًا، إلى محور المقاومة بـأخلاطه الإخوانية الشيعية لاحقا.


تُوضَع العُقدة فى المنشار، كما يقول المثل السيّار، لا لرغبة مُجرّدة فى البقاء تحت سقف الخطر، أو لعجز هيكلى عن تخليق البدائل، إنما لأن فلسطين صارت هامشًا على متن أوسع، ودرجة فى سُلّم الصعود إلى غايات تتخطّى نطاقها الجغرافى والديموغرافى: إسرائيل الساعية إلى التمدُّد ماديا ومعنويا، والأصولية الإسلامية المُستندة إلى نظرية «الوقف الإسلامى»، لأنها السبيل إلى تعميم معركتها الإحيائية ضد العدو والصديق، وبحسب تكون دُولها وأنظمتها خصومًا بدرجة الخصومة نفسها مع تل أبيب.


استُدرِجت إيران دون رغبة أو استعداد. خُدِعَت هنا، لكنها تخدع نفسها منذ عقدين على الأقل، إذا اكتفينا بالقريب ولم نُوسِّع قوس الرؤية إلى زمن النشوء وإرساء ركائز المشروع من بدايته. وإذا كانت عائدة من التاريخ السحيق لتتصدَّر الجبهة الإسلامية، فإن فلسطين يجب أن تكون مناط النظر والفعل، والطريق إليها تمرُّ وجوبيا من دول الطوق.


بهذا تحطّ فى سوريا، وتتسلّط على لبنان، ولا مانع من محاولة اختراق الأردن، أو التحرش بمصر كما كان فى خليّة حزب الله قبل سنوات. لكن الثغرة الواضحة فى ابتلاع العراق رغم بُعده عن مجال الصراع، وحتى مع التعلُّل بأنه ممرّ منها إلى الشام، فلا تصلح الحجّة نفسها لتبرير ما أُدير على تراب اليمن.


غطّت الجمهورية الإسلامية مشروعها بشعارات كُبرى، وتتلطّى الصهيونية وراء المسألة اليهودية وهاجس الوجود. فى الأولى تغيب المُسوّغات الضرورية المقنعة بالحق والمصلحة، وفى الثانية تجد الذريعة مكانا فى عقل الغرب المُنحاز أوتوماتيكيا.


يختلف العرب على الأمرين، لكن فوارق القوّة وطبيعة الظهير تضع الخصمين على طَرفَى نقيض، فيُستَخدَم البَرَم الإقليمى ضد طهران، فيما يُغطّى الهوس الأنجلوساكسونى أطماع تل أبيب.


والحال، أن الحرب الدائرة حاليا تأخرت لعقدين على الأقل. ربما تزيد المدّة بالنظر إلى إسقاط العراق فى حِجر الجمهورية الإسلامية، وصعود الأسد الابن بوصاية إمامية كاملة، أو تنقص قليلاً بالقياس إلى حرب العام 2006 فى جنوب لبنان، وهبّة الربيع العربى وتداعياته من الفوضى وسيولة الخرائط، وإغراء لواء القدس فى الحرس الثورى بالتوسُّع المحموم، لدرجة أن يتفاخر قائده السابق قاسم سليمانى بالسيطرة على أربع عواصم عربية.


وباستخلاص أن النزاع يتجاوز أفق المشروع النووى وما يحمله من مخاطر الردع بالقوّة الفائقة، فإن تصفية التركة اليوم تستند إليه على سبيل التعلُّل والتصويب على الشاخص القريب، لكنها تتوخّى إخراج إيران من المُعادلة على صورتها السابقة، وإعادة تكييفها على صورةٍ تتناسَب مع إمكاناتها الطبيعية، من دون انتحال أو امتدادات فوق ما تسمح به الجغرافيا والديموغرافيا وتوازنات الحاضر والتاريخ. ما يجعل التسوية إن تحقّقت مُجرّد فسحة من الوقت، وإجراء تكتيكى يُنتَقل منه إلى ما بعده على طريق الاستراتيجية الكُبرى.


تغيّرت إسرائيل كثيرًا عمَّا كانت عليه فى زمن الثورة الخُمينية، وفى مراحل تمدُّدها اللاحقة. كانت لديها أولويات حُسِم منها الكثير، وأُحِلّت أخرى جديدة بدلا من السابقة، الساقطة أو المُنجَزَة.


لقد دعمت المرشد الأوّل فى حربه مع العراق، كراهة فى زيد لا محبّة لعمرو. رحّبت بإطاحة صدّام ولو كان مقابلها أن تتمدّد طهران. ورثِت الأخيرة فاعلية نظام بغداد، وعداواته أيضًا. فكأن الصدام معها اليوم قتال فى الماضى، فى سنة 2003 وما بعدها، فيما جمهورية الثورة باقية على أفكارها القديمة، ولا تُحدِّث رؤاها وبرامج عملها، ناهيك عن القوّة وإمكانات خوض المعركة.


كأنهم ينظرون لإسرائيل التى اعترف بها الشاه سريعًا بعد تأسيسها، أو تحالفت العمائم معها ضد صدّام. تبدّلت العقيدة إلى درجة الانقلاب الكامل، ولم يعُد الردع أولوية لديها، بل المبادرة والحسم وتحييد المخاطر بدلاً من ترويضها.


«الطوفان» أكّد لهم أن توازن الرعب تقلّصت فاعليّته مع تضخّم إمكانات الفاعلين من غير الدول، والكُلفة الزهيدة للإزعاج والإيلام فى أزمنة المسيّرات والحشد الصاروخى. وهى اليوم ليست فى وارد الاصطبار على الخصوم، وتحمير عينيها، والاكتفاء بكبح شهوتهم لاستخدام ما تحت أيديهم.


تشطُب ولا تُؤطِّر، ولا تختار بين وقوع البلاء وانتظاره، بل تُبادئ بقلبه على أصحابه. جاهزون لحروب طويلة، وعلى أرضهم وأرض الغير، ومُتأهّبون لتلقّى الصفعات وردِّها، فيما يُحوّلون الصورة سلاحًا مُضافًا، ويُوظّفونها فى تطوير المعارك واستباق الزمن.
يُصرِّح ترامب الآن بأنه يتطلّع لإذعان كامل من جانب إيران. هذا يُشبه مطالبتها بنقض غزلها وإفناء شرعيتها، يُشبه إرغام انتحارى أن يُطلق النار على نفسه، بدلا من تفجيرها فى الآخرين.


وحتى لو تجرّعت كأس السمّ، فسيُطلَب منها المزيد، أو يغيب الإقناع حالما تُحاول الاستدراك، وفى الحالين ستتجدَّد المُشكلة بعدما يربح المُتسلِّط مزيدًا من المساحات، ويُفرِّط المُتَسَلَّط عليه فى فرص الإقدام والإحجام معًا.


أخشى أنها مُعضلة من دون حلٍّ تقريبًا. لا الثورة قادرة بين يوم وليلة، وبعد هذا العمر الطويل، أن تكون إصلاحية أو تُصَبّ فى قالب الدولة الطبيعية، ولا وحوش البر والجو جاهزون لمنح هامش آخر من تجارب الأخذ والردّ. صارت مسألة وجودية لا تقبل القسمة على اثنين، ولا تُشتَرى فيها النجاة بالوقت والمناورة.


وعلى بساطة المُعادلة، فإنها شديدة الخطورة. ليس لدى إيران ما تخسره بعد كل الخسارات المُتراكمة، ونَهَم الصهاينة والذين من ورائهم على آخره، والانتصارات السهلة والمُتتابعة تّغذّى طموحهم فى المزيد. والاطمئنان إلى ترامب اليوم، لا يختلف عن الاطمئنان لجولة المفاوضات السادسة قبل ساعات من الهجوم. يقول الرجل إنه باحث عن تسوية سياسية، لكنه أقرب ما يكون للجلوس فى قُمرة الطائرة.


وَضِعت تل أبيب فى مرمى النار لتكون قربانًا واستثمارًا فى الوقت نفسه، وما لم يتحقَّق لها بالحرب أو السياسة اليوم، سيظلُّ من الديون المُعلّقة على أكتاف أصحابها، وقد لا تسمح سياقات المنطقة بتمديد مُهلة الاستيفاء كما حدث مع صدّام والأسد وحزب الله وحماس وكل الجولات الشبيهة.
لم يُطلق البيت الأبيض رصاصة مباشرة، لأنه ما يزال مُطمئنًا إلى قدرة إسرائيل على الاضطلاع بالمهمة. والأخيرة لها استحقاقات عن الدور الذى لعبته، ستستوفيها عاجلاً بالمُزايدة والضغوط، أو تستوفى ما هو أعظم منها لاحقًا باقتسام المغانم مع واشنطن.


إما الحرب على مزاج تل أبيب، أو السياسية وفق شروطها، وكلاهما يهين طهران ويُساوى بين ثباتها فى الميدان ورخاوتها على الطاولة، وذلك إلى جانب «ثأر العاصمة» الذى لا سماح فيه. حُفِر الفخّ بتؤدة وطُول نفس، وعمّقته إيران بموصلة الحفر بدلا من محاولة الخروج، وكل الاحتمالات اليوم أسوأ من بعضها للأسف.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

القانون ينظم ضوابط فحص الطلبات بعد غلق باب الترشح بانتخابات الشيوخ

ريبيرو يعود للقاهرة غداً لقيادة فترة إعداد الأهلى للموسم الجديد

بسبب تغيرات المناخ.. مخاوف من تراجع نحو 10% من محصول الكاكاو في غرب أفريقيا.. كوت ديفوار وغانا ونيجيريا والكاميرون تساهم بأكثر من ثلثي الإنتاج العالمي.. وانخفاض الإنتاج يرفع احتمالات زيادة أسعار الشوكولاتة

اليوم.. السكة الحديد تشغل عربات فاخرة وVIP على خط الإسكندرية القاهرة المنيا

ترامب يتفقد الأضرار الناجمة عن الفيضانات بولاية تكساس


أحمد ياسين يقترب من بتروجت بعد انتهاء إعارته لغزل المحلة

تعرف على موعد صرف تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة

غادة عبد الرازق تكشف عن تعرضها للإصابة وتجلس على كرسى متحرك

تحريات أمن الجيزة تكشف ملابسات مصرع سيدة فى منطقة أبو النمرس

هل سيتم تخفيض تنسيق الثانوي العام بالقاهرة ؟.. اعرف التفاصيل


موعد مباراة تشيلسي ضد بي إس جي فى نهائى كأس العالم للأندية 2025

منة عرفة بإطلالة صيفية فى أحدث ظهور.. صور

إبراهيم عبد الجواد: الأهلى استقر على بيع عبد القادر لسيراميكا بـ20 مليون جنيه

تامر حسنى يفتتح حفله بالرياض بميكس من أغانيه على هامش كأس العالم للرياضات

خفة دم تامر حبيب مع إنجي علي على أغنية "خطفونى" لـ عمرو دياب

ترامب يصل تكساس لتفقد أضرار فيضانات أدت لمقتل 120 شخصا.. فيديو

الأسترالي علي رضا فغاني حكما لنهائي كأس العالم للأندية

ماكينات حفر الخط الرابع للمترو لا تتوقف.. طاقم مصرى يصل الليل بالنهار لإنجاز المشروع.. المكينة تحفر 22 مترا يوميا والنفق حلقات خرسانية يتم تركيبها وتصنيعها محليا.. وهذه طرق تأمين العمال تحت الأعماق.. صور وفيديو

النيابة تعاين موقع حريق دبى مول فى الشيخ زايد

الدفع بـ4 خزانات مياه استراتيجية لإخماد حريق مصنع مدينة بدر.. صور

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى