مصحات على الورق ومآسى على الأرض.. الداخلية تداهم مراكز علاج الإدمان غير المرخصة.. غلق 14 مركزا يديرها عناصر جنائية.. الأماكن تفتقر للاشتراطات الصحية وهدفها الربح المادى.. ونزلاء: تعرضنا لمعاملة مهينة

حملة أمنية ـ أرشيفية
حملة أمنية ـ أرشيفية
كتب محمود عبد الراضي

في مواجهة حازمة لأحد أخطر أوجه الفوضى الطبية والاجتماعية، شنّت وزارة الداخلية حملات أمنية موسعة داهمت خلالها عددًا من مراكز علاج الإدمان غير المرخصة، تلك التي توجد في أطراف المدن كالفطر السام، يقيمها بعض الخارجين عن القانون تحت لافتات زائفة تحمل اسم "العلاج"، بينما هي في الواقع مصائد بشرية لجني الأموال، تمارس أنشطة علاجية دون علم، وتجري تدخلات نفسية وطبية دون ترخيص، وتعرض أرواح المرضى للخطر بدلًا من أن تنقذها.

ففي أحدث تحرك أمني، قاد قطاع مكافحة المخدرات والأسلحة والذخائر غير المرخصة، بالتنسيق مع قطاع الأمن العام ومديريات الأمن، وبدعم من الجهات المختصة، حملة مكبرة استهدفت هذه المراكز المجهولة، التي تحوّلت إلى ملاذات غير شرعية تدّعي مساعدة المدمنين بينما تفتقر إلى أبسط مقومات التأهيل أو الرعاية.


وعقب تقنين الإجراءات، تم استهداف 14مركزًا لعلاج الإدمان تعمل دون ترخيص، وضُبط خلالها 15 مشرفًا ومسؤولًا عن إدارتها، تبين أن 8 منهم لهم معلومات جنائية سابقة، وبعضهم متعافون من الإدمان دون أي خلفية طبية أو تدريب متخصص، بل إن بعضهم لم يتجاوز فكرة "التجربة الشخصية" كمؤهل للعمل مع حالات تحتاج لرعاية نفسية وطبية دقيقة.

وكشفت المعاينات الأولية التي أجرتها الجهات الأمنية والمختصة أن هذه المراكز لا تملك أي تراخيص تشغيل، ولا يوجد لديها موافقات من وزارة الصحة أو الإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية، بل تمارس مهنة الطب البشري ومجالات العلاج النفسي والإدماني دون سند قانوني.


وتبين أن بيئة هذه المراكز لا تراعي المعايير الصحية، وتفتقر إلى شروط مكافحة العدوى، كما أنها غير مجهزة بأي أدوات طبية أو طواقم متخصصة للتعامل مع نوبات الانسحاب، وهي من أكثر مراحل العلاج خطورة.

ولعل المأساة الأكبر تكمن في الشهادات التي أدلى بها بعض النزلاء السابقين الذين تم إنقاذهم من هذه المراكز، فقد أكدوا أنهم تعرضوا داخلها لمعاملة مهينة، حيث تُستخدم طرق بدائية في "التأديب"، تصل إلى التقييد اليدوي والحرمان من الطعام، ناهيك عن الإهانات النفسية، تحت ستار ما يسمّى بـ"تهذيب السلوك".


بعضهم قال إن المركز كان أقرب إلى سجن منه إلى مصحة، لا زيارات، ولا متابعة طبية، ولا خطط علاجية واضحة، فقط حبس طويل في غرف ضيقة تحت مراقبة شباب ليست لديهم أي مؤهلات سوى أنهم خرجوا يومًا من دوامة المخدرات.

وتعليقًا على هذه المداهمات، أكد اللواء دكتور علاء الدين عبد المجيد، خبير الأمن الجنائي، أن هذه المراكز تمثل ثغرة اجتماعية خطيرة، لأنها لا تعرض حياة المرضى للخطر فحسب، بل تكرّس لفكرة أن العلاج يمكن أن يكون تجارة، بلا ضوابط، ولا رقابة، ولا التزام بأخلاقيات المهنة.


وأضاف أن أغلب هذه المراكز تتخذ من المناطق الطرفية في القاهرة الكبرى مواقع لنشاطها، ظنا منهم بأنهم بعيدًا عن أعين الجهات الرقابية، وتستقطب الفئات البسيطة الباحثة عن علاج سريع بأقل تكلفة، دون إدراك للمخاطر الصحية والنفسية الناتجة عن تلقي العلاج في بيئة غير مؤهلة.

وأوضح أن المراكز غير المرخصة لا تخضع لأي إشراف طبي أو نفسي معتمد، وبالتالي فإن استمرارها يشكل خرقًا لقانون مزاولة مهنة الطب، مشيرًا إلى أن العقوبات المنصوص عليها في مثل هذه الحالات تتراوح بين الحبس والغرامة، وقد تصل إلى الحبس ثلاث سنوات وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه إذا ثبتت ممارسة مهنة الطب دون ترخيص، فضلًا عن إغلاق وتشميع المنشأة والتحفظ على المسؤولين عنها.


وأكد أن الجهات المعنية تكثف من حملاتها التفتيشية على هذه الكيانات المشبوهة، وستواصل التنسيق مع وزارة الداخلية لضمان القضاء على هذا النوع من "العلاج الوهمي" الذي لا يعالج سوى طموح المالك في الربح السريع.

في أبريل من العام الجاري، أغلقت الجهات المعنية عدة مراكز غير مرخصة لعلاج الإدمان في منطقة كرداسة، وتكرر المشهد مرة أخرى في يونيو حيث تم إغلاق عشرة مراكز مماثلة في حدائق الأهرام، جميعها كانت تعمل في الخفاء وتستقبل حالات حرجة دون أدوات أو كوادر قادرة على التعامل الطبي أو النفسي مع المدمنين.


والأدهى أن بعضها كان يفرض رسومًا ضخمة على أسر المرضى، ويهددهم بعدم السماح بالخروج في حال رفض الدفع، وهو ما يضيف شبهة الحجز إلى قائمة الانتهاكات.

هذا الواقع المؤلم يكشف عن معضلة مزدوجة، تجمع بين الاستغلال الإجرامي لحاجة الناس للعلاج، والادعاء بتقديم الرعاية، فبين رغبة الأهالي في إنقاذ أحبائهم من براثن الإدمان، وسعي بعض المجرمين لتحويل الألم إلى أرباح، يجد المرضى أنفسهم رهائن في أماكن بلا أبواب قانونية، ولا نوافذ إنسانية.

إن معركة الدولة اليوم لا تقتصر على مواجهة تجارة المخدرات، بل تمتد إلى مواجهة تجارة "علاجها"، تلك التي تُمارَس تحت لافتات خادعة، وتُلحق الأذى بمن جاء بحثًا عن النجاة. ولا سبيل إلى الحسم إلا بتطبيق القانون بكل حزم، وتفعيل دور الإعلام في التوعية، وتكثيف الدور الرقابي، فالإدمان مرض يحتاج إلى رعاية، لا إلى استغلال، وإلى مختصين لا إلى مدّعين.


 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ترامب: سقوط النظام الحالى فى إيران "قد يحصل"

ترامب: سيكون لدينا اجتماع خلال ساعة بشأن إيران وإسرائيل

القضاء الإداري يقضي بوقف عمومية المحامين المقرر عقدها السبت المقبل

حى شرق الإسكندرية يكشف تفاصيل انهيار عقار بمنطقة باكوس.. صور

نتنياهو: نتعرض لخسائر كبيرة وموجعة وسلاح الجو يسيطر على سماء طهران


التشكيل الرسمي لمواجهة ريال مدريد ضد الهلال في كأس العالم للأندية

استخراج آخر 3 جثث بالمنزل المنهار فى السيدة زينب.. وارتفاع الضحايا لـ8

محافظ القاهرة: أخلينا 5 أسر من عقار السيدة زينب المنهار في وقت سابق

تعليم القاهرة: غدا إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية بالمدارس

صاروخ أبو طارق يثير فزع الإسرائيليين.. صحفى إسرائيلى: الكشرى دخل خط الأزمة


وزير الخارجية الصينى: هجوم إسرائيل على إيران ينتهك القانون الدولى

جلسة ثلاثية باللجنة الأولمبية لحل أزمة الأهلى وإنبى فى تنس الطاولة

مان سيتي ضد الوداد.. عمر مرموش يقود تشكيل السيتي في كأس العالم للأندية

حتى لا ننسى.. حكم الجماعة الإرهابية بين 2012 وثورة 30 يونيو.. محاولات أخونة القضاء والإعلام.. استخدام كافة أشكال العنف ضد المعارضين.. دعمت الإرهابيين والمتطرفين.. وارتكبت جرائم تحريض وتهديد ضد المواطنين

وفاة والدة الشيخ محمد حسان وتشييع الجنازة اليوم فى المنصورة

وزير النفط الإيرانى: لا داعى لقلق المواطنين بشأن إمدادات الوقود

موعد مباراة ريال مدريد ضد الهلال في كأس العالم للأندية والقناة الناقلة

ساليفو يمهل الاتحاد السكندري أسبوع قبل شكواه للفيفا بسبب 132 ألف دولار

محسن أحمد عن منزل نور الشريف: فكرته زلزال والبيت بقى كوم تراب

العرض الرسمى يقرب مصطفى فتحى من الزمالك

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى