هواجس المعتدي

بعيدًا عن الضمير المجتمعي الذي غرق في محيطات المصالح، والحسابات الخاصة، التي قد أظهرت حقيقة التفكير الحاكم لهذا العالم بأسره؛ فإني لا أجد دون مبالغة تمسكًا بقيم إنسانية بحتة، بل، صارت الهيمنة تشّكل أحد هواجس كل معتدٍ خارج عن سياق الإنسانيّة، لا يؤمن بماهيّة الحق، ولا يعترف إلا بمساعيه، ولا يسير إلا فيما تحضّه عليه مخططاته، وأطماعه؛ ومن ثم فلن تهدأ الأجواء، وتصْفى من غمام غبار التناحر، والنزاعات بكل صورها المخطط لها، والعشوائيّة منها.
من يرَ أن النصر حليفه، وأن القوة تمثل ميزان الحق بالنسبة له، وأن مقدرته على إيجاد رفقة تساعده في مسيرة ظلمه، وغيّه، وتبّجحه، وغطرسته؛ فإن النتائج لن تؤول إلى ما قد تشّكله هواجسه؛ فثمتْ عواقب تَجْنيها أجيال تلو الأخرى، والسبب من وراء ذلك ندركه جيدًا، ويوقنه أصحاب القلوب السليمة، ومحبو السَّلام على أرض الرحمن؛ حيث الكراهية التي يتوارثها أصحاب الحقوق، والتي حتْمًا قد تؤجج الصدور؛ فلا تسمح بسلام أن يعمَّ، ولا لظالم أن تستقر له مملكة، قد يتوهم أنه قد حماها بحمامات الدم، واغتصاب مقدرات الآخرين.
محاولات فرض الهيمنة، وتوظيف القدرات العسكريّة؛ لتصبح الحاكم الرئيس، وتفرض واقعًا على الإنسانية أعتقد أنه إلى زوال، مهما طال الزمان، أو قصر؛ فسجلُّ التاريخ قد سطَّر مظالم لأصحاب عقائد فاسدة، قد ظنوا أن القهر، والظلم، والتهميش أسلحة فتَّاكة تُستخدم لإخضاع الشعوب، وعلى إثرها تنهب الثروات، وتبنى حضارات عظيمة البنيان، يشار إليها بالبنان؛ فتلك هواجس ستزول حينما يؤذن لطوفان الحق أن ينتصر، وأن تزول غُمّة الطغيان، وتستبدل بنصر العزيز المقتدر بعد الأخذ بمسببات نعلمها، ونعيها جيدًا.
سيتجرّع كل من يشجع على استخدام القوة العسكريّة كؤوس الخيبة، والنَّدامة بعد فوات الآوان؛ وستدرك الشعوب لاحقًا أنها وقعت في فخ حكام، قد عزَّزوا الوهم في وجدانياتهم؛ فغدت الآمال، والطموحات، والنَّظرة إلى مستقبل مشرق، ما هي إلا سراب، وضباب، يحمل بين طياته كراهية أوطان، وشعوب لشعوب أخرى، بل، الأصعب من ذلك ما يسجَّله التاريخ من سطور، تؤكد المواقف المخزية، التي ترجمتها ممارسات، لا تمت للإنسانيّة بصلة؛ لكنها عارٌ في جبينها؛ لذا نؤكد أن الانتصارات المزعومة ما هي إلا هواجس لا تتعدى كونها خسرانٌ مبينٌ عند من يمتلك العقل الرشيد.
هواجس المعتدي قد كرّست فكرة تقسيم العالم إلى مؤيد، ومعارض، سواءً أكان ذلك على مستوى المصالح الجيوسياسية، أم على مستوى مصالح صراع الثقافات، أم على مستوى التوازنات الماديّة في صورتها البحتة؛ ومن ثم فإن الصراع لا يتوقف، والنزاع لا يهدأ، مهما بدت عقيدة أصحاب الهواجس، والمآرب غير السَّوية راسخة، ومواقفها غير الإنسانيّة راسخة في وجدان قيادات، لا تعترف بماهيّة التعايش السلمي، والسّلام العالميّ في كون فسيح، يسعُ الجميع، ويقبل التعدديّة، ويسمح بالحريّة في صورها المسئولة.
أعتقد أن الانحياز إلى أصحاب الهواجس، والأباطيل، والنفوذ المؤقَّت سوف يؤجج من صور النزاع، والصراع على المدى البعيد، ولن تنتهي مُسبِّبات الحروب، التي نزعت فتيلتها، دول ظنت مقدرتها على الوصال في خضمّ تحديات، ونوازل لا يعلم مخاطرها على البشريّة إلا الله – تعالى – وهنا نؤكد أن كل من يقدّم مساعدات؛ لتحقيق نصر زائف للمعتدي، فهو آثمٌ قلبه؛ لأنه يغرس الأحقاد، والكراهية، والغلَّ، والانتقام في نفوس قظ عانت ويلات الظلم، والقهر وشاهدت بساطة سفك الدماء، ناهيك عن دحْر ممنهج لقيم نبيلة، تحافظ على سلامة بني البشر، وتحثُّهم على العطاء، والتعاون، والشَّراكة في شتَّى مجالات الحياة من أجل حياة نستحق أن نعيش مفرداتها بعدالة، ومساواة، ونبذ للفرقة والتآخي؛ لكن أصحاب الهواجس وفق عقيدتهم الفاسدة لا يرون إلا لأنفسهم الحق في الحياة، وهذا لن يكون،
سيذوق العالم كله شرور أصحاب الهواجس؛ حيث تردَّي الاقتصاديات، وغياب الأمن، والأمان، وتراجع العلاقات، وسوء الجيرة، والجوار، والهرولة تجاه المصالح الماديّة المقيتة، وتجنب الالتفات لأصحاب العوَز في الدنيا كلها؛ لتزداد شريعة الغابة، وتنصهر الأفكار الشاردة مع عقائد مسمومة، تزيد من صور الفتك ببراءة الإنسانيّة، وليس بمستغرب أن نصل إلى حروب آثارها أشد فتكًا على سائر بنى البشر، ومن نرجوه الآن يتمثل في عدالة السَّماء، التي تبدد هواجس المعتدي.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
Trending Plus