الحرب بـ"الوكالة".. من الميليشيات إلى "حلفاء الظل"

بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
بقلم : بيشوى رمزى

مفهوم الحرب بـ"الوكالة" كان العنوان الأبرز للصراع في منطقة الشرق الأوسط خلال سنوات، ربما قاربت العقدين من الزمان، مع صعود الحركات المسلحة، في العديد من الدول، لتعمل تحت مظلة قوى بعينها، على حساب دولهم، وبلادهم، وهو الأمر الذي ساهم في زيادة رقعة الانقسام، على مسارين، أولهما إقليمي، ذو طبيعة جمعية، يتجلى في حالة الاستقطاب الناجمة عن صعود المحاور، بين المقاومة والاعتدال، بينما تآكلت الحالة الوطنية داخل الدول، وبالأخص الدول العربية، جراء عمل الحركات المسلحة ضد مصالح بلادها لصالح القوى الإقليمية، الموالية لها، وهو ما بدا في لبنان، واليمن، وحتى في فلسطين نفسها، وهي الحالة التي وجدت انتشارا واسعا إبان ما يسمى بـ"الربيع العربي"، والتي أسفرت عن فوضى داخلية، دفعت نحو حروب أهلية، لم تنجو منها إلى القليل من الشعوب.

إلا أن مفهوم "الوكالة" بات يتخذ مسارات أخرى، تجاوزت الميليشيات، التي أصبحت تعاني بصورة كبيرة، منذ أكتوبر 2023، واندلاع الحرب الشعواء التي يخوضها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وما تبعها من تمدد جغرافي نحو لبنان واليمن وسوريا، والتي أسفرت عن تجريد الميليشيات من بنيتها الإدارية والعسكرية، أو على الأقل جزء كبير منها، بينما تجردت، بالتبعية، القوى الإقليمية الداعمة لتلك الحركات المسلحة، وهي إيران، من جزء كبير من نفوذها، لتصبح المواجهة بين تل أبيب وطهران بمثابة نتيجة حتمية، في إطار إعادة ترتيب القوى الإقليمية في ضوء المستجدات التي طرأت على المشهد الإقليمي، جراء التغيير الكبير في المعطيات على النحو سالف الذكر.

إلا أن التساؤل، الذي يثور إلى الذهن، مع قراءة المعطيات، يدور حول ما إذا كانت المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل، والتي بدأت منذ عدة أيام، تحمل في طياتها بعدا جديدا من مفهوم "الحرب بالوكالة"، خاصة وأن ثمة أطرافا دولية تبدو متداخلة على خط الصراع، وعلى رأسها الولايات المتحدة، والتي تمثل الحليف الرئيسي لتل أبيب، في ضوء التزامن مع مفاوضات نووية متعثرة، سبقت الهجمات المتبادلة، بينما تحظى طهران بدعم، وإن كان غير مباشر من الصين وروسيا، والأطراف الدولية الثلاثة يخوضون صراعا على النفوذ في المنطقة التي تعد أحد أكبر مناطق التأثير في العالم، بينما تبقى الأكثر اشتعالا على الإطلاق.

وبالنظر إلى الموقف الأمريكي، تجاه الحرب الراهنة، يمثل في جوهره جزءً لا يتجزأ من الصراع الحالي، فواشنطن، تحت إدارة ترامب، ترغب بممارسة أقصى قدر ممكن من الضغوط على طهران للرضوخ فيما يتعلق بتفكيك كامل للبرنامج النووي، حيث يبقى أي اختراق في هذا الملف بمثابة انتصار كبير للإدارة الحاكمة في البيت الأبيض، بعدما فشلت في تنفيذ وعودها، سواء في غزة أو أوكرانيا، في الوقت الذي نجد فيه مبادرة روسية للوساطة، بينما تبزغ إدانات بكين، ليس لإسرائيل، ولكن للولايات المتحدة، باعتبارها المسؤول الأول عن إشعال الحرب، وما قد تسفر عنه من تداعيات كبيرة، وغير محسوبة، ليس فقط على منطقة الشرق الأوسط ولكن ربما تمتد إلى العالم بأسره.

الحرب بـ"الوكالة" في تحولاتها نحو الصيغة الدولية، كبديلا للنهج "الميليشياتي"، ليس بالأمر الجديد تماما على المشهد الدولي، فقد وجد إرهاصاته، خلال الأعوام الماضية، في ظل احتدام النزاع في أوروبا الشرقية، عبر استخدام القوى الكبرى لبعض الدول لتصدير أزمات لمحيطها الإقليمي، وهو ما بدا خلال أزمة المهاجرين بين بيلاروسيا وبولندا في 2021، والتي استهدفت إلى تفجير الاتحاد الأوروبي من الداخل لصالح روسيا، بينما كانت أوكرانيا ورقة الناتو لاستفزاز موسكو، وهو ما عززته العملية العسكرية الروسية على كييف منذ 2022.

ويبقى المشهد في منطقة الشرق الأوسط، امتدادا منطقيا للحالة الدولية التي شهدتها أوروبا، ولكن في نطاق يبدو أكثر عنفا ودموية، في ظل الظروف الإقليمية، ما تعرفه من تراكمات ممتدة لعقود طويلة من الزمن، جراء الأزمات المتواترة، والانقسامات، التي هيمنت على المشهد، وهو ما أضفى المزيد من التعقيدات، التي تهدد بحرب إقليمية شاملة، على عكس الأوضاع في أوروبا التي شهدت قدرا كبيرا من الاستقرار منذ الحرب العالمية الثانية، ثم في أعقاب الحرب الباردة، خاصة مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وصعود الاتحاد الأوروبي، والذي شكل بدوره جناحا مهما لدول المعسكر الغربي، مع الولايات المتحدة.

فلو نظرنا إلى المناوشات السابقة بين إسرائيل وإيران خلال العام الماضي، نجد أنها لم تتجاوز عمليات محدودة، زمنيا وعملياتيا، حيث لم تكن إدارة بايدن تكن العداء نفسه الذي يحمله ترامب تجاه طهران من جانب، ناهيك التفات واشنطن للصراع مع روسيا بصورة أكبر من الإدارة الحالية التي تتجه نحو مهادنتها بصورة كبيرة على حساب الغرب الأوروبي، وهو ما أضفى أبعادا جديدة للمعركة بين طهران وتل أبيب، تتجاوز الإقليمية المحدودة نحو الحالة الدولية الأكثر اتساعا.

وهنا يمكننا القول بأن حرب طهران – تل أبيب هي بمثابة انتقال من الوكيل المحلي في صورة ميليشيات، إلى وكيل دولي، تعتمد فيه القوى الكبرى على حلفائها في أقاليم بعينها لتنفيذ أهدافها، مقابل منحها القيادة الإقليمية، أو على الأقل المشاركة بها بدور فعال، أو في إطار صفقة يمكن من خلالها تعزيز مصالحها، وأهدافها، وهو ما يبدو في الحالة الإسرائيلية، عبر المماطلة الدولية – وخاصة الأمريكية – فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في غزة، ولكن أخطر ما في الأمر، أن هذه "الحرب بالوكالة" في صيغتها الجديدة، لم تعد تملك خريطة نهاية واضحة، بل أصبحت مفتوحة على كل السيناريوهات، من التهدئة المؤقتة إلى الاشتعال الشامل، ومن التفاهمات المتأخرة إلى الانهيارات المفاجئة، وهذا تحديدًا ما يجعل اللحظة الراهنة، في جوهرها، أكثر من مجرد اشتباك إقليمي — بل لحظة مفصلية في إعادة تعريف النظام الدولي نفسه.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

وزارة الصحة تكشف معلومات هامة عن حملة التبرع بالدم

صحتك بالدنيا.. "بلاش تقليد" واعرفي مخاطر استخدام الليمون لتفتيح الشعر.. احذري من الإفراط في تناول بذور الشيا.. والدوخة علامة على الإصابة بالسكتة الدماغية في تلك الحالات.. ومتى تتسبب تقلبات السكر في نوبات "صرع"

التعادل السلبى يحسم شوط بالميراس ضد بوتافوجو فى كأس العالم للأندية

عبير صبري تعلن انفصالها عن زوجها بعد 7 سنوات: ربنا يوفقنا وانفصلنا بكل هدوء

جنايات الإسكندرية تحيل أوراق سفاح المعمورة إلى المفتى


زيادة التعويضات لضحايا حادث طريق أشمون لـ500 ألف جنيه لأسرة كل متوفي

بعد أوفا ودويدار.. محمد حامد يرحل عن إنبى بعد نهاية مشواره

وزير الطاقة الماليزي: روسيا توافق على دعمنا في تطوير التكنولوجيا النووية

كلوب: كأس العالم للأندية أسوأ فكرة فى تاريخ كرة القدم

رئيس الوزراء: ما يحدث اليوم ثمار جهد كبير من الحكومة لنهضة الصناعة فى مصر


سيريس السويدى يترقب الحصول على 10% من إجمالى صفقة بيع وسام أبو علي

أخبار مصر.. طلاب الثانوية العامة يؤدون غدا امتحان اللغة الأجنبية الأولى

هدى تطرح أحدث أغانيها "كف ورا كف" بتوقيع خالد سلطان ونوار البحيرى

خروج أيمن أشرف من القائمة الأولية للبنك الأهلي.. اعرف التفاصيل

زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب قبالة سواحل جنوب الفلبين

موعد انطلاق الدوري المصري موسم 2025 - 2026

الزمالك يقطع الطريق على الأهلي فى صفقة أسامة فيصل.. اعرف التفاصيل

موعد مباراة مصر وألمانيا فى تحديد مراكز بطولة العالم للشباب لكرة اليد

إيران تشيع جثامين ضحايا الحرب مع إسرائيل بحضور عدد من القادة.. صور

إعلام فلسطينى: 16 شهيدا جراء هجمات الاحتلال على قطاع غزة منذ فجر اليوم

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى