السياحة المفرطة شبح يهدد أوروبا.. إغلاق متحف اللوفر بسبب إرهاق الموظفين.. خروج الالاف احتجاجا على زيادة عدد السائحين.. دول تتخذ إجراءات للحد من الظاهرة.. إيطاليا تمدد فرض ضرائب.. وإشبيلية تقطع المياه والكهرباء

عانت وجهات سياحية أوروبية شهيرة حول العالم كباريس وبرشلونة وروما، من الآثار السلبية لتزايد أعداد السياح الوافدين لها كل عام، مما أدى إلى خروج مظاهرات فى تلك المدن وغيرها ضد تجاوزات السياحة، وهو ما جعل المدن تتخذ إجراءات حاسمة لتقليل من "السياحة المفرطة".

وظل متحف اللوفر، المتحف الأكثر زيارة فى العالم ورمزا عالميا للفن والجمال والصمود، مغلقا أمس الاثنين، ليس بسبب الحرب أو الإرهاب، بل بسبب إرهاق موظفيه، الذين يقولون أن المؤسسة تنهار من الداخل تحت وطأة السياحة المفرطة.

ووفقا لصحيفة لا ريبوبليكا الإيطالية فإن متحف اللوفر، موطن أعمال ليوناردو دافنشى وآلاف السنين من أعظم كنوز الحضارة، أصبح مشلولا بفعل نفس الأشخاص المكلفين باستقبال العالم فى صالات العرض.

وقال كيفن وارد، البالغ من العمر 62 عاما: "إنها رثاء الموناليزا هنا، آلاف الناس ينتظرون، بلا تواصل، بلا تفسير، وأعتقد أنها حتى بحاجة ليوم عطلة"، وأصبح متحف اللوفر رمزا للسياحة التى وصلت إلى أقصى حدودها، بينما تتنافس معالم سياحية من البندقية إلى الأكروبوليس للسيطرة على الحشود، فإن المتحف الأكثر شهرة فى العالم، والذى يزوره الملايين، يقترب من نقطة الانهيار.

أعلن متحف اللوفر فى فرنسا عن رفع أسعار التذاكر للزوار من خارج الاتحاد الأوروبى إلى 30 يورو (35 دولارًا) إضافية، بعد أن كان 22 يورو (25 دولارًا)، وذلك بعد 1 يناير 2026، وفقا لما نشره موقع news.artnet.

سيُطبق القرار الجديد على جميع الدول غير الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، بما فى ذلك الدول الأوروبية المجاورة مثل المملكة المتحدة والنرويج وسويسرا، ولا ينطبق على مواطنى الاتحاد الأوروبى لأن المفوضية الأوروبية تُلزمهم بالمساواة فى الوصول إلى المتاحف العامة، بغض النظر عن جنسياتهم أو بلدان إقامتهم.

دول تلجأ لسن قوانين للحد من الظاهرة

فرنسا ليست الدولة الوحيدة التى تدرس زيادة دخلها من الزوار الدوليين، ففى العام الماضى، اقترح مارك جونز، المدير السابق للمتحف البريطانى ومتحف فيكتوريا وألبرت، أن تتبنى المملكة المتحدة نموذجا مشابها، إلغاء هذه الميزة لما يقارب 40 مليون زائر أجنبى تستقبلهم سنويا.

وأعلنت مدينة فالنسيا، شرق إسبانيا، عن خطط لقطع الكهرباء والمياه عن أماكن الإقامة السياحية غير القانونية فى المدينة، وذلك للحد من السياحة المفرطة التى أصبحت تهدد المدن الإسبانية، كما أن مجلس مدينة إشبيلية، فى جنوب إسبانيا، أكد أنه من حقه قطع إمدادات المياه عن أماكن الإقامة السياحية غير القانونية.

ويعتقد مجلس مدينة إشبيلية أن هناك حوالى 5000 شقة غير قانونية فى المدينة، بالإضافة إلى 10000 شقة ليس لديها ترخيص. وأكدت السلطات أن إمدادات المياه لن تعود إلا عندما تعود الشقق إلى مساكنها الطبيعية.

كما تتخذ العاصمة المجرية أيضًا إجراءات ضد السياحة المفرطة، وقد أعلنت للتو أنها ستحظر جميع الإيجارات قصيرة الأجل فى المدينة، صوت سكان بودابست بأغلبية ضئيلة على حظر هذا النوع من الإقامة، لكنه لن يدخل حيز التنفيذ حتى 1 يناير 2026.

وأعلنت العاصمة اليونانية أيضًا عزمها حظر الإيجارات قصيرة الأجل وذلك منذ 1 يناير 2025، على الرغم من أن الإجراء يبدو مؤقتًا فى الوقت الحالي.

بعد يوم واحد فقط من قرار بودابست، أعلنت الحكومة اليونانية أنها ستتوقف عن منح تراخيص إيجار جديدة قصيرة الأجل فى المناطق البلدية الأولى والثانية والثالثة فى وسط أثينا. وفى الوقت الحالى، سيظل التقييد ساريًا لمدة 12 شهرًا فقط. 

وعلى غرار مدن مثل لندن ودبلن وأمستردام وباريس، أعلنت العاصمة التشيكية، براج، عن نيتها الحد من المعروض من أماكن الإقامة السياحية قصيرة الأجل.

احتجاجات

وخرج الآلاف من الاحتجاجات فى عدد من الدول الأوروبية ضد السياحة المفرطة، وسار المتظاهرون فى برشلونة بإسبانيا، وجنوة فى إيطاليا، وتجمع آلاف الأشخاص للاحتجاج على السياحة الجماعية، جر نشطاء سفينة سياحية من الورق المقوى عبر أزقة البلدة القديمة الضيقة للإشارة إلى أن السياحة لا تتناسب مع المدينة.

فى برشلونة، تظاهر ما يُقدر بـ 600-800 متظاهر فى وسط المدينة، مرددين هتافات "عطلتكم، بؤسى " رافعين لافتات كُتب عليها السياحة الجماعية تدمر المدينة وجشعهم يجلب لنا الخراب.

وأطلق بعضهم مسدسات الماء، وأطلقوا مشاعل ملونة، ووضعوا ملصقات " دفاع الحى عن النفس، عودوا إلى دياركم أيها السائحون على واجهات المتاجر والفنادق، استقطبت برشلونة، التى يبلغ عدد سكانها 1.6 مليون نسمة، 26 مليون سائح العام الماضي.

ومن بين جميع المظاهرات، انطلقت صرخة حاشدة لإعادة النظر فى نموذج السياحة الذى يقول الناشطون إنه يُحول الأرباح بشكل متزايد إلى أيدى قلة قليلة، بينما يدفع السكان المحليون ثمن ارتفاع أسعار المنازل والإيجارات، والتدهور البيئى، وانتشار الوظائف غير المستقرة ومنخفضة الأجر.

وانفجرت التوترات المتعلقة بالسياحة العام الماضى بعد احتجاج عشرات الآلاف فى أشهر الوجهات السياحية فى إسبانيا. نُظمت معظم احتجاجات فى إسبانيا، حيث ارتفعت أعداد السياح الوافدين إلى مستويات قياسية العام الماضي. وشاركت فيها أيضا مدن فى إيطاليا والبرتغال.

وفى مدينة البندقية، احتج السكان المحليون على نقص القوانين التى تكافح ارتفاع عدد الإيجارات قصيرة الأجل وزيادة هيمنة الفنادق على سوق الإسكان. قال ريمى واكونى من منظمة "أوسيو"، وهى مرصد مدنى للإسكان: "نؤكد منذ عامين أن عدد الأسرة السياحية يفوق عدد السكان المسجلين. السياحة تسيطر فعليًا وعمليًا على المنازل".

وخرج آلاف الأشخاص إلى الشوارع فى جزر الكنارى للمطالبة مجددا باتخاذ إجراءات ضد تجاوزات السياحة الجماعية، فى الوقت الذى تتجه فيه إسبانيا نحو عام قياسى آخر من حيث أعداد الزوار.

وأشارت قناة كانارياس الإسبانية، إلى أن المتظاهرين تجمعوا تلبية لدعوة منصة "جزر الكنارى لها حدود"، وساروا عبر الجزر السبع فى هذا الأرخبيل الواقع قبالة ساحل شمال غرب أفريقيا، رافعين لافتات كتب عليها عبارات "جزر الكنارى ليست للبيع" و"جزر الكنارى لم تعد جنة"، مطالبين بإيجاد حلول لعواقب السياحة المفرطة.