اليوم السابع داخل ساعة مكة على ارتفاع 600 متر فوق الأرض.. تجربة داخل عملاق الزمن فى أرقى أبراج العالم.. من فوقها ترى الكعبة وحولها جبال مكة.. مساحتها 40 مترا وينطلق منها الآذان وشعاع قوى فى العيد

في رحلةٍ لا تُشبه غيرها، تأخذك إلى قمة المعنى والمكان، قفزت «جريدة اليوم السابع» إلى قلب الزمن، فوق مكة المكرمة، لتصل إلى أعلى نقطة في برج الساعة، هذا المعلم العملاق الذي لا يُشبه غيره في العالم، لا في ضخامته، ولا في مكانته الروحية ولا حتى في تفاصيله المعمارية والتقنية التي تجمع بين الدقة الألمانية، والإبداع الإسلامي، والتفرد السعودي.
جولة الجريدة جاءت ضمن دعوة خاصة من الهيئة العامة لتنظيم الإعلام في المملكة العربية السعودية، بالتنسيق مع الهيئة الملكية لمدينة مكة والمشاعر المقدسة، لتفتح لنا نوافذ فريدة على قلب ساعة مكة، وتكشف ما لم يره أحد من قبل، ليس فقط من حيث ما يمكن أن تراه الأعين، بل ما يمكن أن تلمسه الأرواح عندما تتجاوز في لحظةٍ واحدة حدود الجبال والمآذن، وتحلق على ارتفاع يفوق 600 متر فوق سطح الأرض.
بمجرد أن وطأت أقدامنا أرض البرج، انتقلنا من الأرض إلى عالم آخر، تشعر أن الزمن فيه لا يُقاس بالدقائق والثواني، بل بالخفقات، بالخدر الذي يتسلل إلى القلب حين ترى الكعبة المشرفة من علوّ لم يعتده بشر، محاطة بجغرافيا مكة الجبلية، ومبانٍ تسكنها أرواح الحجاج والعمار.
منظر لا يضاهيه في بهائه شيء، يجعل من لحظة الوصول لحظة تتجمد فيها الكلمات، وتنتصر فيها العين وحدها على كل الحواس.
داخل الساعة، كل تفصيل هو ملحمة قائمة بذاتها، من الضخامة البصرية إلى التعقيد الميكانيكي، من الأحرف العملاقة التي تكتب اسم الله، إلى التروس التي تنبض بدقة ذَرّية، كل شيء داخل هذه الساعة يروي قصة بناء خرج من حدود الزمن والمكان.
تُعد ساعة مكة المكرمة أكبر ساعة برج في العالم، وليس فقط من حيث الحجم، بل من حيث مستوى الدقة، والرؤية، والتأثير.
واجهاتها الأربع تتعدى مساحتها 40 متراً، ويعلوها لفظ الجلالة من الجهات الأربع، حيث يصل طول حرف الألف وحده إلى أكثر من 23 متراً، يتوسطه هلال هو الأضخم في العالم، بقطر يصل إلى 23 متراً أيضًا، مصنوع بدقة شديدة ليبدو كأنه معلق بين السماء والأرض.
ما من زاوية في مكة لا ترى فيها الساعة؛ حيث يمكن مشاهدتها من مسافة تتجاوز الثمانية كيلومترات، وتصل إلى 13 كيلومتراً في الليالي الصافية.
ليس ذلك مجرد رقم هندسي، بل هو رمز للرسالة التي حملها المشروع منذ لحظته الأولى: أن تكون هذه الساعة مركزًا للزمن الإسلامي، وضوءًا يهتدي به الناس في عباداتهم اليومية، تمامًا كما هي مكة مركز الأرض وقبلة أرواح المسلمين في كل مكان.
التجربة التي خضناها في «اليوم السابع» لم تكن مجرد زيارة لبرج، بل كانت دخولًا إلى عالم من التفاصيل الدقيقة، إلى قلب منظومة عمل تشبه آلة عملاقة لكنها تنبض ككائن حي.
رأينا المهندسين السعوديين وهم يشرفون على تروس الساعة ومولداتها الضخمة، أحد الفنيين حدثنا عن محرك واحد فقط من محركات الساعة، يزن أكثر من 21 طنًا، ومُصمم للعمل بتقنيات تقلل الاحتكاك إلى حد لا يتجاوز 0.01 ملم، بما يسمح لعقاربها العملاقة أن تدور بانسيابية لا تراها العين لكنها دقيقة إلى حد الذرة، وكل هذا يتحكم فيه نظام توقيت مرتبط بخمس ساعات ذرية بالغة الدقة، تُنسق الوقت بين الواجهات الأربع في تناغم تام لا يخطئ ثانية واحدة.
البرج الذي يعلو فيه هذا التحفة الضخمة يتكون من أكثر من 14 ألف قطعة حديدية تم لحامها وتركيبها على ارتفاع يصل إلى 600 متر، في عملية استغرقت سنوات من العمل الدقيق، شارك فيها أكثر من 250 مهندسًا وفنيًا من دول عديدة، بينما كانت شركة ألمانية متخصصة هي من أشرفت على تصنيع الساعة، تحت إشراف شركة سعودية، التي أدارت المشروع الضخم ضمن أعمال تطوير وقف الملك عبد العزيز بجوار الحرم.
استخدمت في البناء سبع رافعات عملاقة في الأعلى، تلتها أربع رافعات دائمة بقيت في أعلى البرج لمهام الصيانة، وتبلغ قدرة كل منها ستة أطنان.
وفي قلب الساعة، وفي الأوقات الخمسة للصلاة، يعلو الأذان من أعلى قمة البرج، ليصل صوته إلى ما يقارب 7 كيلومترات في جميع الجهات، عبر مكبرات صوت هي الأضخم في نوعها، مصحوبة بإضاءة خضراء وبيضاء تنبعث من 21 ألف مصباح ضوئي، تومض بإيقاع ديني يشير إلى دخول وقت الصلاة، ويجعل حتى من هم على بعد ثلاثين كيلومترًا يعرفون أن وقت الفريضة قد حان.
أما في المناسبات الكبرى، كالعيدين وبداية الأشهر الهجرية، فتطلق الساعة 16 شعاعًا ضوئيًا نحو السماء، تصل قوتها إلى 10 كيلوواط لكل شعاع، وتمتد مسافتها إلى أكثر من 10 كيلومترات، في مشهد كوني يعيدك إلى فكرة أن الضوء لا يعرف حدودًا.
غُطيت واجهات الساعة بما يزيد عن 98 مليون قطعة من الفسيفساء الزجاجية الملونة، وأكثر من مليوني وحدة ضوئية من نوع LED، وكل هذا مزج بمواد حديثة كالألياف الكربونية التي تزيد من مقاومة الساعة لعوامل الطقس والضغط الجوي، فيما استُخدم خليط معدني خاص من البرونز في صناعة التروس، جرى تشكيله بدرجة حرارة تصل إلى خمسين درجة مئوية، وبآلات قياس تصل دقتها إلى ثلاثة أجزاء من المليمتر.
حتى هذا التفصيل، لم يكن مجرد ترفٍ صناعي، بل ضرورة حتمية لساعة يُفترض بها أن تعمل دون انقطاع، وأن تظل مرجعية زمنية ثابتة للعالم الإسلامي أجمع.
الزيارة التي نظمتها الجهات الرسمية السعودية، وأتاحت لـ«اليوم السابع» الدخول إلى هذا العالم، لا يمكن اختصارها في تقرير، ولا حتى في سلسلة من المقالات، لأنها ليست فقط عن ساعة، بل عن فكرة كاملة تم تجسيدها في حجارة وهياكل ونقوش وضوء.
ساعة مكة ليست مجرد آلة لقياس الوقت، إنها نقطة التقاء بين الروح والتكنولوجيا، بين العبادة والمعمار، بين الإسلام كدين زمني، يتنفس في الصلوات الخمس، وبين الإنسان ككائن يصعد إلى السماء كي يرى الأرض من زاوية مختلفة.
خرجنا من البرج وما زالت أعيننا معلقة بعقارب الساعة، لا لأنها تُخبرنا كم بقي من الوقت، بل لأنها تذكرنا كم مر من تاريخٍ تجسد اليوم في هذا المعلم العظيم.
وبرغم ضخامتها، تظل ساعة مكة رمزًا دقيقًا لكل شيء بدأ صغيرًا ثم ارتفع، تمامًا كما تبدأ الرحلة إلى الله من قلب الحرم، قبل أن ترتفع... في ساعة، لا تُشبهها ساعة.
.jpeg)
.jpeg)
.jpeg)
.jpeg)
.jpeg)
.jpeg)
.jpeg)
.jpeg)
.jpeg)
Trending Plus