نجم ونوارة والباز.. الشعر والحبس فى زمن الازدواجية والاستقطاب

على مدى سنوات، كانت المناقشات تدور حول مدى صحة استمرار الحبس فى قضايا النشر، وبالمناسبة، اسمه الحبس فى قضايا النشر، وليس حبس الصحفيين، لأنه لا يخص الصحفيين وحدهم، وإنما يخص كل من ينشر فى أى من أدوات الإعلام الثابتة أو المتحركة أو المرئية والمسموعة، فضلا عن المقروءة، وبالتالى فإن القضية لا تتعلق بالصحفيين، وإنما بكل من يكتب أو يتحدث، وهى قواعد عامة مجردة تتعلق بطريقة التعامل مع الأمر، وبالمناسبة فإن التعويضات والعقوبات المالية الضخمة تتسبب كثيرا فى تأكيد الأمر وليست أمرا سهلا، وبناء عليه، فإننا عندما نتحدث عن الأمر نشير إلى عموميته، وليس إلى تخصيصه.
المفارقة هنا أننا فى ظل الاستقطاب الموجود، نكتشف أن التعامل مع هذا الأمر يتم حسب الهوى، وطبقا للاستقطاب، فإذا كنت مع محمد الباز فأنا ضد الحبس، وإذا كنت من مخالفيه فى الرأى، فأنا مع الحبس، وهذه الازدواجية التى تبدت على مواقع التواصل تكشف عن أن الانحيازات الكروية والألتراسية انتقلت إلى مواقع التواصل، ووجدنا من ينظرون فى تبرير الحبس، لمجرد أنهم ضد من صدر ضده الحكم، بينما هم أو هن يدافعون أحيانا عن متهمين بالتحريض وليس فقط القذف والسب، وهو انحياز خلقته السياسة وملأت به صدور من عاشوا وتربوا فى ظل استقطاب خلق داخلهم مرضا فيروسيا أخطر من أى فيروسات، فيروس الانحياز.
ونقول هذا بمناسبة الحكم الصادر بحبس الزميل والصديق محمد الباز، لصالح نوارة نجم ابنة الشاعر الكبير الراحل أحمد فؤاد نجم، بناء على ما رأت أنه تجاوز فى حق والدها، بينما الباز يؤكد أنه ينتقد تصرفات شاعر كبير وشخصية عامة مؤثرة، وقد سارعت نوارة نجم بإعلان أنها تنوى سحب الشق الجنائى، والإبقاء على الشق المدنى، ولا نعرف مدى إمكانية الاستمرار فى شق مدنى يفترض أنه مبنى على الجنائى فى الأساس، ثم إن محمد الباز قال: إنه سيواصل الاستئناف متأكدا من البراءة.
لكن اللافت للنظر هو الاستقطاب، حيث ظهر بعض من يرهقون أنفسهم ليل نهار فى الدعوة لإلغاء الحبس فى قضايا النشر، لينطلقوا فى مزايدة على نوارة وعلى نقيب الصحفيين خالد البلشى، وكل من طالبوا بمراجعة مواد الحبس فى قضايا النشر، لأنهم فى الحقيقة ضد محمد الباز، وليس لأنهم حقانيون وباحثون وباحثات «عن العدالة المرقطة فى تواشيح البراثن»، ورأينا زملاء وزميلات أنبروا فى الدفاع عن الحبس وحلاوته ما دام قد كان ضد خصم لهم يختلفون معه فى الرأى، وقدم هؤلاء نظريات شديدة السطحية، بحثا عن لايكات أو تأييد من فصيل لا يمانع فى الدفاع عن محرضين ومتهمين بالعنف والإرهاب.
وبالتالى نحن أمام فرجة على الاستقطاب والتنابذ الأقرب إلى ما يجرى بين جماهير كرة القدم، حيث التشجيع الذى تحول فى السنوات الأخيرة إلى حرب حقيقية واتهامات وشتائم، وانتقل الاستقطاب من الرياضة للسياسة، وانتقلت العدوى إلى مواقع التواصل، وأصبحنا أمام فرق من المختلفين الذين يتحاربون بالكلام، من دون أن يبحث أى منهم عن أى مساحة مشتركة، ولا نبالغ إذا قلنا إن كثيرين ممن يؤيدون حبس الباز لا يعرفون شيئا عن القضية، ولا يعرفون ما جرى، ولم ولن يكلف أى منهم نفسه بمراجعة الأمر، والتعرف على المعلومات قبل إصدار الحكم.
والمفارقة أننا بالفعل أمام استطاب، لم يولد اليوم، لكنه ولد مع انحيازات السياسة، التى تضع البعض فوق النقد، وتبرر الشتم والتهجم لمن تحبه، وتدين من نختلف معه، بل ومن نكرهه، لقد كانت حياة نجم وأشعاره وتفاصيله وتناقضاته جزءا من إبداعه، ملكا للعالم، وربما يكون الدفاع عن أعماله هو بنقدها والتفاعل معها، وليس عبادتها، وكل هذا باحترام وتقدير، وليس من زاوية الهجوم فقط، لكن الازدواجية والاستقطاب تضيع الحق والفائدة.

مقال أكرم القصاص
Trending Plus