الشجاعة بأثر رجعي

محمود عبد الراضي
محمود عبد الراضي
محمود عبد الراضي

في زمنٍ كثرت فيه الأصوات وقلّ فيه الصدى، بات بعض الناس لا يجدون ضوءهم إلا في عتمة الآخرين، ينتظرون سقوط المناصب كما ينتظر الصياد سقوط الطريدة، ليقفزوا بكلمات لا تحمل من الشجاعة إلا الاسم، ومن النقد إلا الضجيج.

تلك التي يُسمونها "شجاعة بعد الرحيل" ليست شجاعة، بل طعنات في ظهر الوقت، ووشايات بأثر رجعي، يُطلقها من لم يملك قولها حين كان الصوت مكلفًا، فأرجأ الصراخ إلى ما بعد الصمت، ليضمن لنفسه تصفيقًا رخيصًا من جمهور لا يدقق في التوقيت بقدر ما يهتم بالجرأة المصطنعة.

الشجاعة الحقيقية لا تنتظر خلوّ الكرسي، ولا موت صاحبه، ولا استقالة المتهم من موقعه، الشجاعة تسكن اللحظة، وتواجه الوجوه لا الظهور، تقول كلمتها أمام المدير، لا بعد أن يتحول إلى رجل عادي في الشارع.

أما أولئك الذين يتقمصون دور البطولة بعد أن تُسحب الستائر، فليسوا سوى ممثلين هواة، دخلوا المسرح بعد انتهاء العرض، وراحوا يصرخون في مقاعد فارغة، علّهم يُسجلون موقفًا متأخرًا على منصة مبنية من وهم.

حين تصير الجرأة انتهازًا، والموقف مؤجلاً إلى ما بعد الأمان، تسقط هيبة الكلمة، وتذوب أخلاقيات النقد في إناء التشفي، فالنقد الشريف لا يتغذى على سقوط الغير، بل يُقال في وقته، ولو كلف صاحبه كثيرًا، أما حين يتحول إلى سيف لا يُشهر إلا بعد المعركة، فهو ليس سيفًا، بل خنجر جبان.

كم من صوتٍ صمت طيلة سنوات، ثم راح ينبش في الذاكرة، يروي حكاياته عن ظلمٍ عاشه، أو فسادٍ شهده، فقط حين تأكد أن "المدير" أو "رئيسه في العمل" غادر ولا أحد سيحاسبه على الصراخ، وكم من كاتب لم يكتب إلا بعد أن جفّ الحبر، وهدأت العواصف، فعاد ليتظاهر بأنه كان يقف على الضفة الأخرى، وهو في الحقيقة لم يغادر الضفة الآمنة يومًا.

الناس تحفظ جيدًا من تكلم حين كان الصمت فضيلة، وتعرف من صمت حين كان الكلام رجولة، أما من يتحدث بعد انفضاض المجلس، فهو أقرب للثرثار الذي ينتقد الطعام بعد أن يأكل الطبق كله، لا اعتراضًا على الطعم، بل ليثبت أنه كان أذكى من الآخرين في تذوق الخطر دون أن يبتلعه.

الشجاعة ليست أن تهاجم من سقط، بل أن تواجه من يقف، أما بعد أن تغلق الملفات، وتصمت الأسماء، ويغادر القطار، فالهتاف لا يصنع مجدًا، بل يكشف نفاقًا.

فليحفظ كلٌ منا لسانه من التشفي، وقلمه من التوقيت المفضوح، لأن الكلمة التي تأتي بعد فوات الأوان، لا تُصلح موقفًا، بل تفضح نية.


 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

"سانا" : قوات الاحتلال الإسرائيلى تتوغل فى عدد من قرى القنيطرة ودرعا

حقيقة "الثقب الأسود" فى الهرم.. مصدر بـ"محافظة الجيزة" يكشف تفاصيل جديدة

إغلاق "الثقب الأسود" بالهرم بعد شكاوى مواطنين عن وجود متسولين.. صور

مران الأهلي.. ريبيرو يعقد محاضرة للاعبين.. وفقرات متنوعة استعدادا للمحلة

زى النهارده.. الزمالك يتوج بلقب الدورى المصري للمرة الرابعة عشر فى تاريخه


الحزن لا يفارق محمد الشناوى فى مران الأهلي.. صور

نفذوا 11 واقعة سرقة.. ضبط عصابة سرقة الهواتف بالمرج

الكيس تحول لخراج.. قلق جمهور أنغام على حالتها الصحية بعد التطورات الأخيرة

تعليم الجيزة: البكالوريا نظام تعليمى مجانى مثل الثانوية العامة

لويس دياز: الدوري الألماني مرهق للغاية ويقدم تحديات جديدة


جريمة قتل تقلب حياة نجلاء بدر وسط صراعات عائلية فى مسلسل أزمة ثقة

اليوم.. ويجز يحيي حفلا غنائيا ضخما بمهرجان العلمين الجديدة

متبقى 3 أيام.. أحمد عيد وزينة يقتربان من انتهاء تصوير الشيطان شاطر

ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي.. محمد صلاح يتحدى هالاند

3 مواجهات قوية اليوم في افتتاح دورى المحترفين.. السكة والترسانة الأبرز

"حب يا حب و قاعدة وبتفرج".. أغنيتان جديدتان لهيفاء وهبي من ألحان بلال سرور

اليوم مدحت صالح يحيي حفلاً غنائيًا بمهرجان القلعة للموسيقى والغناء

تعرف على أبطال مسلسل House Of Guinness الجديد

موعد مباراة الزمالك المقبلة بعد الفوز على مودرن سبورت

كل عام وأنتم بخير.. معهد الفلك يكشف موعد المولد النبوى الشريف 2025

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى