سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 2 يونيو 1919 ..الشيخ زكريا أحمد يلتقى لأول مرة فى السنبلاوين بأم كلثوم «الفتاة صغيرة السن جميلة الصوت» ويفرح بها ويتنبأ لها بمستقبل كبير

ذهب الشيخ زكريا أحمد إلى السنبلاوين بمحافظة الدقهلية لإحياء ليالى رمضان، فتعرف هناك لأول مرة على فتاة صغيرة السن جميلة الصوت اسمها أم كلثوم، حسبما يكتب هو فى يومياته التى بدأها من أول يناير 1916، واستمر فيها حتى رحيله، واعتمد عليها الكاتب الصحفى صبرى أبوالمجد فى كتابه «زكريا أحمد»، عن سلسلة «أعلام العرب، يوليو 1963».
يذكر «أبوالمجد» أن عام 1919 يمتاز بوقوع أحداث مهمة فى حياة الشيخ زكريا يدونها فى يومياته، قائلا: «فى 19 مارس امتنعت عن الشرب، وفى 18 مايو سافرت إلى السنبلاوين وسهرت عند على أبوالعينين، وفى يوم 2 يونيو، مثل هذا اليوم، عرفت أم كلثوم، وكانت قد جاءت إلى السنبلاوين للاستماع إليها، وسمعتها وهى تغنى مع أخيها خالد، وعزمتنى عندها فى الريف، وفى 10 يونيو، زرت أم كلثوم بطماى الزهايرة، وأكلت عندها وزة على الطبلية».
كانت مصر تعيش وقتئذ أحداث ثورتها الشعبية الكبيرة منذ يوم 9 مارس 1919، وكانت أم كلثوم فتاة صغيرة تعيش فى قريتها «طماى الزهايرة» بمحافظة الدقهلية، تقوم بإحياء الموالد والليالى مع والدها الشيخ إبراهيم، وشقيقها الشيخ خالد، وينقل «أبوالمجد» عنها: «فى سنة 1915 كنت أركب حمارا، ويسير أبى وأخى على أقدامهما، وفى سنة 1916 زاد إيرادنا فكنا نركب نحن الثلاثة حميرا، ومن الطريف أن أهل الفرح كانوا يحضرون لنا الحمير لنذهب إلى الفرح، وبعد انتهائه يتركوننا نعود إلى بيتنا مشيا على الأقدام، وحتى سنة 1919 كنت أركب الدرجة الثالثة فى قطار السكة الحديدية، وارتفع أجرى بارتفاع سعر القطن، فوصل إلى 8 جنيهات ثم قفز إلى 10 جنيهات».
فى هذه الأجواء، كان لقاء أم كلثوم وزكريا الذى سيؤسس للعلاقة بين الاثنين، ويكتب «زكريا» عن هذا اللقاء فى تدوينه اليومى بتفاصيل أكثر، قائلا: «كان ذلك فى عام 1919، كنت قد ذهبت إلى السنبلاوين بصحبة المرحوم الشيخ أبوالعلا محمد المقرئ والمغنى الشهير، لإحياء ليلة من ليالى رمضان، وكان وجوه القوم يحتفلون بهذا الشهر المبارك احتفالا كبيرا، ويعدون له من وسائل السمر اللطيف ما يحى القلوب وينعش النفوس، واستقبلنا على بك أبوالعينين صاحب السهرة بالترحيب الكبير، وقدم لنا المرحوم محمد أفندى عمر القانونجى الذى كان كثير التردد عليه، وقامت بينى وبين عمر أفندى الألفة، وأخبرنى أثناء حديثه معه بأن هناك فتاة صغيرة السن، جميلة الصوت تدعى أم كلثوم، ولو تعلمت أصول الغناء لأصبحت مطربة عظيمة».
يضيف «زكريا»: «لم يسعدنى الحظ فى هذه الليلة برؤية هذه الفتاة الصغيرة، ولم تمر إلا أيام معدودة، ودعيت مرة أخرى إلى السهر، وفى هذه الليلة قابلتها، وكانت بصحبة والدها وشقيقها، واستمعوا لى واستمعت إليها، ففرحت بها وتنبأت لها بالمستقبل الكبير، ونشأت بيننا صداقة وطيدة دفعتنى إلى أن أهدى إليها موشحا وطقطوقة».
تصف الكاتبة نعمات أحمد فؤاد فى كتابها «أم كلثوم وعصر من الفن» لحظة تعرف أم كلثوم على الشيخ زكريا لأول مرة، قائلة: «دخلت الصغيرة ذات العقال تتعثر فى خطواتها من تهيب وحياء بلغة الخوف، ومعها شيخ صغير يلبس الطقم كاملا، الجبة والقفطان والعمامة، ولعل هذا التكامل فى الزى الوقور أكسب الفتى ثقة فى نفسه، جعلته يتقدم أخته فى اعتداد كى يرسم لها خطواتها، ولكن عين زكريا الفنان وقعت على الفتاة دون أخيها، فأجلسها إلى جواره، وأخذ ينفض عنها خوفها بالحديث الحانى، فإذا بالريفية متلعثمة الخطوات طليقة اللسان والفعل والصوت، وإذا بحديثها منور من الذكاء ولطافة الروح، غنت فتم لها الاستيلاء على الشيخ زكريا الذى يقول: «منذ ليلتها وأنا أصم مفتونا، لا أسمع إلا صوتها، أبكم لا أتحدث إلا باسمها، فقد أصبحت مفتونا بها، وأقول مفتونا لأننى أحببتها حب الفنان للحن الخالد تمنى العثور عليه دهرا طويلا».
أثمر هذا اللقاء عن دخول أم كلثوم «مرحلة القاهرة»، ووفقا لـ«زكريا»: «دعوتها إلى القاهرة فى حفل ضم مجموعة مختارة من أبناء العائلات ورجال الفن، ومن بينهم المرحومان الشيخ أبوالعلا محمد والشيخ على محمود، وصادفت أم كلثوم فى هذا الحفل نجاحا كبيرا، وتعرفت أم كلثوم فى هذه الليلة بالأستاذ القصبجى والدكتور محمد صبرى النجريدى، الذى اشتهر بحبه للتلحين، كما كانت هذا الحفل سببا فى أن يبدأ الحاج صديق أحمد متعهد الحفلات المشهورة فى تنظيم حفلات لها فى فترات الاستراحة بين فصول روايات على الكسار، وكان يقوم بتلحين المقطوعات لها الأساتذة أبوالعلا والدكتور صبرى والقصبجى».
Trending Plus