كييف تفاجئ روسيا بهجوم على قواعدها الجوية.. وموسكو ترد: أسقطنا 162 مسيرة أوكرانية.. إعلام غربى: عملية شبكة العنكبوت تعيد كتابة قواعد الحرب وتحمل رسالة للروس ولترامب.. وكاتب أمريكى يحذر من تقويض الاستقرار النووى

فاجأت أوكرانيا روسيا، والعالم كله، بهجوم مباغت فى قلب روسيا بمسيرات استهدفت قواعد جوية روسية فى أقصى شرق البلاد، والذى قالت كييف أنه دمر نحو 40 طائرة استراتيجية لروسيا، فيما قالت موسكو إنها تمكنت من صد الهجوم، ولم تعلق على مزاعم أوكرانيا بتكبدها خسائر فادحة تقدر بمليارات الدولارات.
وقال مسئولون فى وكالة الاستخبارات الأوكرانية يوم الأحد، إن التحضير للهجوم استغرق عاماً ونصف العام، واستهدفت المسيرات الأوكرانية قواعد بيلايا وإيفانوفو وياجيليفو وأولينيا الجوية فى روسيا، والتى تضم جميعها طائرات عسكرية روسية.
وأظهر مقطع فيديو التقطته طائرات مسيرة دخانًا ينبعث من طائرات فى مطار بيلايا بالقرب من الحدود الروسية مع منغوليا، وفقًا للقطات نشرها مسئولو الاستخبارات الأوكرانية. وقال فاسيل ماليوك، رئيس جهاز الاستخبارات الأوكرانى، فى الفيديو: "هكذا يبدو مطار بيلايا الآن".
وقال مسئولون فى الاستخبارات الأوكرانية إن الجهاز نقل عشرات الطائرات الصغيرة رباعية المراوح إلى الأراضى الروسية. ثم نقل حاويات خشبية إلى روسيا، استخدمت لإخفاء الطائرات قبل الهجوم. وعندما حان وقت الهجوم، تم وضع الحاويات على شاحنات وتم فتح أغطيتها عن بعد. ثم انطلق سرب الطائرات المسيرة للعثور على أهدافه.
من جانبه، أشاد رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكى بما وصفه بالنتائج الرائعة للهجوم، وقال على حسابه فى منصة X: "هذه هى عمليتنا الأبعد مدى حتى الآن"، واصفا النتائج بأنها "رائعة للغاية". وأكد أيضا أن العناصر التى شاركت فى الهجوم "تم إخراجهم من الأراضى الروسية فى الوقت المناسب". وتابع: "عام وستة أشهر وتسعة أيام من بدء التخطيط وحتى التنفيذ الفعلى". وأوضح: "بالطبع، لا يمكن الكشف عن كل شيء فى هذه اللحظة، لكن هذه أفعال أوكرانية ستُخلّد فى كتب التاريخ بلا شك".
فى المقابل، أعلنت وزارة الدفاع الروسية "التصدى لهجوم أوكرانى واسع النطاق بالطائرات المسيرة استهدف عدة مطارات عسكرية". وأضافت فى وقت لاحق، الاثنين، أن وحدات الدفاع الجوى بالجيش تمكنت من اعتراض وتدمير 162 طائرة مسيرة أوكرانية فوق مختلف المناطق الروسية الليلة الماضية.
ولم يؤثر الهجوم الأوكرانى على انطلاق الجولة الثانية من مفاوضات اسطنبول بين ممثلى موسكو وكييف فى العاصمة التركية، والتى انطلقت يوم الاثنين. ومن المتوقع أن يتبادل الجانبان خلالها ووثيقتين تضمنان رؤية كل منهما لشروط ومبادئ التسوية السلمية للنزاع بين البلدين.
احتفاء غربى بهجوم أوكرانيا فى قلب روسيا
واحتفت وسائل الإعلام الغربية بالهجوم الأوكرانى، واعتبرته بمثابة إعادة كتابة لقواعد الحرب وانتصارر لبرنامج الضرب فى عمق روسيا، والذى يستخدم المسيرات لاستهداف موارد حيوية على الأرض الروسية، بحسب ما قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية. حيث ستخدمت وكالة الاستخبارات الأوكرانية مسيرات بحرية ومسيرات قصف بعيدة المدى للضرب داخل روسيا.
ونقلت وول ستريت عن جاستن برونك، الباحث فى المعهد الملكى للخدمات المتحدة بلندن، قوله إن تقييم الضرر الذى حل بالطائرات الروسية سيستغرق بعض الوقت، لكن يبدو أنه يمثل ضربة موجعة لقدرة الطيران الروسى بعيد المدى، مضيفاً أن القوات الخاصة الروسية وجهت الضربة الأشد وطأة فى الحرب ضد أطول قاذفات القنابل الروسية بعيد المدى.
وأشارت الصحيفة إلى أن خسارة عشرات الطائرات بعيدة المدى، والتى تعد حيوية للقوات النووية الروسية وهجماتها على أوكرانيا، سيلحق ضرراً بالغاً بالقوة العسكرية الروسية. ووفقا لمسئولى الاستخبارات الأوكرانية، لم تعد روسيا تنتج طائرات Tu-95MS أو Tu-22 M3 التى كانت من بين الطائرات المتضررة.
إعادة كتابة قواعد الحرب
وفى نفس السياق، قال الكاتب والخبير العسكرى الأمريكى ماكس بوت إن أوكرانيا، بشنها هجوم غير مسبوق على قواعد جوية داخل روسيا، قد أعادت كتابة قواعد الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وفى مقاله بصحيفة واشنطن بوست، قال بوت إنه فى صباح يوم الأحد، 7 ديسمبر 1941، أعادت البحرية الإمبراطورية اليابانية صياغة قواعد الحرب. فلم يتخيل أحد تقريبًا أن اليابانيين يمكنهم التسلل عبر محيط كامل لمهاجمة "حصن منيع"، كما وصف الاستراتيجيون الأمريكيون هاواى. ومع ذلك، فهذا ما فعلوه بالضبط. تمكنت الطائرات اليابانية التى انطلقت من ست حاملات طائرات من تدمير أو إتلاف 328 طائرة أمريكية و19 سفينة تابعة للبحرية الأمريكية، بما فى ذلك ثمانى سفن حربية. أشار هجوم بيرل هاربور إلى صعود حاملات الطائرات كقوة مهيمنة فى الحرب البحرية.
ويوم الأحد، يتابع بوت، أعاد الأوكرانيون صياغة قواعد الحرب مرة أخرى. وأشار بوت إلى أن الأوكرانيين فى هذه العملية ، كشفوا عن ثغرة أمنية من شأنها أن تقلق كل جنرال فى العالم. فإذا كان بإمكان الأوكرانيين تهريب مسيرات إلى هذا الحد من القواعد الجوية الرئيسية فى دولة كروسيا، فما الذى يمنع الصينيين من فعل الشىء نفسه مع القواعد الجوية الأمريكية؟ أو الباكستانيين مع القواعد الجوية الهندية؟ أو الكوريين الشماليين مع القواعد الجوية الكورية الجنوبية؟
ورجح الكاتب أن تضطر الجيوش التى ظنت أنها أمنت قواعدها الجوية بأسوار مكهربة ونقاط حراسة، الآن، إلى مواجهة التهديد الجوى الذى تشكله الطائرات المسيرة الرخيصة والمنتشرة فى كل مكان، والتى يمكن تعديلها بسهولة للاستخدام العسكرى. وهذا يستلزم استثمارًا هائلًا فى أنظمة ُضادة للطائرات المسيّرة. ويبدو أن الأموال التى تنفق على أنظمة الأسلحة التقليدية المأهولة تهدر بشكل متزايد، تمامًا مثل الإنفاق على سلاح الفرسان فى ثلاثينيات القرن الماضى.
لكن بوت رأى أن عملية شبكة العنكبوت لن تكون ضربة حاسمة ضد الجيش الروسى، تمامًا مثلما لم يكن هجوم بيرل هاربور ضربة حاسمة ضد الجيش الأمريكى. ولكن مثلما أشار بيرل هاربور إلى أن اليابان ستكون عدوا أشد بكثير مما توقعه معظم الغربيين، يظهر هجوم الأحد، مرة أخرى، أن الأوكرانيين يثبتون أن مقاتليهم أكثر مرونة وقدرة على التكيّف مما توقعه أى شخص قبل بدء الغزو الروسى قبل أكثر من ثلاث سنوات.
من ناحية أخرى، حذر بوت من أن هجوم الأحد قد يقوض الاستقرار النووى، لأن القاذفات التى تُطلق صواريخ كروز التقليدية ضد أوكرانيا مصممة أيضًا لإطلاق أسلحة نووية. ورأى أن هذا يذكر بخطر وجود إدارة أمريكية فوضوية مثل إدارة ترامب، فى مثل هذه اللحظة الحرجة. وقال الخبير العسكرى أنه سيكون من الأفضل فى هذا الوقت لو كان لدى الرئيس مجلس أمن قومى مجهز بالكامل بقيادة مستشار محنك ومجرب، بدلًا من مجلس أمن قومى يديره وزير خارجية يعمل بدوام جزئى،وقد طُرد منه مؤخرًا العديد من أكثر موظفيه خبرة.
بدورها، قالت هيئة الإذاعة البريطانية بى بى سى إن الهجوم "الجرئ" الذى نفذته أوكرانيا بمسيرات داخل روسيا يرسل رسالة حاسمة إلى موسكو والغرب.
ورغم الاعتراف بعدم إمكانية التحقق من مزاعم أوكرانيا بأن الهجمات أسفرت عن خسائر بقيمة 7 مليار دولار، إلا أن بى بى سى قالت إن عملية "شبكة العنكبوت" كانت على أقل تقدير ضربة دعائية مذهلة.
وشبّه الأوكرانيون هذه العملية بنجاحات عسكرية بارزة حققوها منذ بداية العملية العسكرية الروسية فى بلادهم، بما فى ذلك إغراق سفينة القيادة الروسية فى البحر الأسود "موسكفا" وقصف جير كيرتش، وكلاهما عام 2022، بالإضافة إلى هجوم صاروخى على ميناء سيفاستوبول فى العام التالى.
وقال المحلل العسكرى سيرهى كوزان للتلفزيون الأوكرانى إنه لم يسبق لأى عملية استخباراتية فى العالم أن فعلت شيئا كهذا، وأضاف أن القاذفات الاستراتيجية التى تم استهدافها قادرة على شن ضربات بعيدة المدى ضد كييف. ويوجد منها 120 فقط، وقد تم ضرب 40 وهو رقم مذهل.
وتقول بى بى سى إنه من الصعب تقييم الأضرار، لكن المدون العسكرى الاوكرانى أوليسكاندر كوفالينكو يقول إنه حتى لو لم يتم تدمير القاذفات وطائرات القيادة والتحكم، فإن التأثير سيكون هائلاً. وكتب على قناته على التليجرام يقول إن حجم الأضرار كبير لدرجة إن المجمع الصناعى العسكرى الروسى فى حالته الراهنة من غير المرجح أن يتمكن من إصلاحها فى المستقبل القريب.
وتتابع بى بى سى قائلة إنه إلى جانب الأضرار المادية، التى ربما تكون أو لا تكون بالحجم الذى يقدره المحللون، إلا أن عملية شبكة العنكبوت تحمل رسالة حاسمة أخرى ليس فقط لروسيا ولكن لحلفاء أوكرانيا فى الغرب، لاسيما أمريكا التى اقتنعت أن كييف تخسر الحرب بالفعل، ومن هذا الافتراض، تنبع كل الأمور الأخرى.
وخلص التقرير فى النهاية إلى القول بأنه على الرغم من التقدم البطئ الذى تحرزه روسيا عبر ساحات القتال فى دونباس، فإن أوكرانيا تخبر روسيا وإدارة ترامب بألا يستبعدوا فرص كييف فى الحرب بسهولة.
Trending Plus