شهادات بلا قيمة.. الكيانات التعليمية الوهمية تهدد مستقبل الشباب وتُربك سوق العمل.. الداخلية تُسقط عصابات الشهادات المزورة وتُحذر المواطنين من الوقوع فى الفخ.. الجناة يستقطبون الشباب بإعلانات وهمية

في الوقت الذي يحلم فيه آلاف الشباب بمستقبل مهني أفضل، تنشط عصابات منظمة تستغل هذه الطموحات المشروعة للنصب على المواطنين من خلال ما يُعرف بالكيانات التعليمية الوهمية.

هذه العصابات التي تظهر بشكل مقلق تمثل تهديدًا مزدوجًا، فهي لا تكتفي بالاستيلاء على أموال الضحايا، بل تدفعهم إلى مستقبل مجهول بشهادات "مضروبة" لا قيمة لها ولا تعترف بها أي جهة رسمية أو مؤسسة معتمدة في سوق العمل.

وتتخذ هذه الكيانات من واجهات براقة ولافتات مُضللة وسيلة لخداع الشباب وأسرهم، تقدم دورات تدريبية وهمية، وتزعم أنها تمنح شهادات معتمدة تؤهل للحصول على وظائف في مؤسسات وشركات كبرى، بينما الحقيقة أن كل ما يتم تداوله داخل تلك المراكز لا يخرج عن كونه وهمًا محكم الصياغة، يُباع بأموال حقيقية تُنتزع من ضحايا يبحثون عن باب رزق أو فرصة حياة كريمة.

وزارة الداخلية، من جانبها، وضعت هذا النوع من الجرائم تحت مجهر المتابعة والرصد المستمر، وحققت مؤخرًا نجاحات واضحة في التصدي للكيانات التعليمية غير المرخصة، فقد تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط المدير المسؤول عن كيان تعليمي بدون ترخيص في مدينة نصر بالقاهرة، بعد أن أكدت تحريات الإدارة العامة لمباحث المصنفات أن المتهم كان يدير المركز بهدف الاحتيال على المواطنين مقابل مبالغ مالية، مدعيًا منحهم شهادات دراسية تمكنهم من العمل في شركات كبرى، وهو ما ثبت عدم صحته لاحقًا.

وعقب تقنين الإجراءات، داهمت قوات الأمن الكيان المشار إليه وتمكنت من ضبط المدير المسؤول، المقيم بالقاهرة، وبحوزته عدد من الشهادات المزورة المنسوبة للمركز واستثمارات تسجيل التحاق وهمية.
وخلال التحقيق، أقر المتهم بمشاركته في الجريمة بالتعاون مع مالك الكيان، مستهدفين الربح المالي عبر الإيقاع بأكبر عدد ممكن من الضحايا.

وفي واقعة مماثلة، أكدت معلومات وتحريات قطاع مكافحة جرائم الأموال العامة والجريمة المنظمة، قيام شخص آخر بإدارة كيان تعليمي غير مرخص في منطقة الدقي بمحافظة الجيزة، مستخدمًا الأسلوب نفسه في النصب.
المتهم كان يوهم ضحاياه بمنحهم شهادات معتمدة تؤهلهم لوظائف مرموقة، ويمارس نشاطه من خلال حملات ترويجية عبر الإنترنت ومطبوعات دعائية ملفقة.

وبعد متابعة دقيقة، تمكنت الشرطة من استهداف المقر وضبط مالكه المقيم بالجيزة، والذي كان بحوزته شهادات وهمية ومطبوعات مزيفة. وبمواجهته أقر بارتكابه الواقعة لتحقيق أرباح مالية، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه.

تشير تقديرات غير رسمية إلى أن ضحايا هذه الكيانات يقدَّرون بالعشرات، بخاصة من فئة الشباب حديثي التخرج أو طلاب المعاهد المتوسطة ممن يبحثون عن شهادات مهنية مختصرة تؤهلهم للعمل سريعًا.
وفي غياب الوعي القانوني الكافي لدى بعض الأسر، يسهل على هذه العصابات خداع الضحايا من خلال واجهات إعلانية احترافية وأساليب ترويج إلكترونية مكثفة.

وفي هذا السياق، يؤكد اللواء خالد يحيى، الخبير الأمني، أن خطورة الكيانات التعليمية الوهمية لا تتوقف عند حد النصب المالي فقط، بل تمتد إلى ضرب مصداقية المنظومة التعليمية، فضلًا عن كونها بيئة خصبة لغسل الأموال وممارسة أنشطة إجرامية موازية. ويضيف أن الوزارة تتعامل مع هذه الكيانات كجزء من الجريمة المنظمة، وتوجه حملات دورية لضبطها بالتعاون بين أكثر من قطاع أمني، لا سيما المصنفات والأموال العامة والأمن العام.

من جانبه، أشار الخبير القانوني علي الطباخ، إلى أن القوانين المصرية تُجرم هذا النوع من الممارسات بنصوص واضحة، حيث تصل العقوبات إلى الحبس لمدة تتراوح بين سنة وخمس سنوات، وغرامات مالية قد تتجاوز مئات الآلاف من الجنيهات، خاصة إذا اقترنت الجرائم بتزوير مستندات رسمية أو استغلال جماعي.

الجهات المعنية بدورها، دعت المواطنين إلى تحري الدقة وعدم الانسياق وراء الإعلانات المجهولة المصدر أو مراكز التدريب غير المرخصة، والتأكد من اعتماد أي جهة تعليمية من وزارتي التعليم العالي أو القوى العاملة أو الجهات المختصة، محذرة من أن الشهادات الصادرة عن كيانات غير مرخصة لا يُعتد بها في سوق العمل الرسمي، وقد تعرض حاملها للمساءلة القانونية في بعض الحالات.

وتبقى المواجهة الحقيقية لهذه العصابات رهينة بتكامل الأدوار بين الجهات الأمنية والتشريعية والتعليمية والإعلامية، إلى جانب وعي مجتمعي حقيقي بضرورة التثبت من مصادر التعليم والتدريب، حتى لا يُفاجأ الشباب بأن أحلامهم تحولت إلى سراب على يد عصابات لا تعرف إلا طريق الربح السريع على حساب مستقبل الآخرين.