مدير أكاديمية الفنون بروما لـ ملتقى اليوم السابع للثقافة والفنون: المرأة خط الدفاع الثالث للدولة.. ثقافة النشء والشباب قضية أمن قومى.. رانيا يحيى: الأكاديمية فى روما منارة حضارية.. والحرية المسئولة شكلت شخصيتى

تملك الدكتورة رانيا يحيى روحًا متحمسة ورؤية لما تفعله، ومنذ أن تولت مسئولية أكاديمية الفنون بروما وهى تواصل العمل وتسعى لتأكيد دور الأكاديمية بوصفها (منارة ثقافية مصرية) حسب كلامها، لذا استضفناها فى ملتقى اليوم السابع للثقافة والفنون، وتحدثنا معها عن مسيرتها منذ الطفولة مع الموسيقى، وتناولنا رؤيتها لمستقبل التعليم الفنى والثقافى فى مصر، كما تكشف عن تفاصيل تجربتها بالخارج، وتوضح أهمية دور المرأة فى نهضة الدولة، مؤكدة أن الثقافة ليست ترفاً بل ضرورة وطنية.
الموسيقى كانت اختيارى الأول.. وآلة الفلوت غيّرت حياتى
لأن كل شىء له بداية، ولأن نموذج رانيا يحيى فى الحياة بمثابة نموذج للفتيات للمجتمع، بدأنا بدعوتها للحديث عن طفولتها، فقالت إنه منذ الطفولة كنت أُحب الموسيقى، ووالدتى كانت دائمًا تُشجعنى على التعلّم، التحقت بالكونسرفاتوار لدراسة البيانو، لكن لجنة القبول اختارت لى آلة الفلوت، لأن عمرى آنذاك كان 12 عامًا، وهو سن يُعدّ متأخرًا نسبيًا لتعلّم البيانو، طبقًا لاستراتيجية المعهد التى تهدف إلى إعداد عازفين محترفين بنفس المستوى العالمى، كما فى أوروبا.
ورغم أننى لم أكن أعرف آلة الفلوت، ولم أخترها، لم أرفض، كانت لحظة حاسمة إما أن أواصل أو أتراجع، وقررت أن أُكمل الطريق، فأحببت الآلة، ووقعت فى غرامها، أنا منذ البداية اخترت محبة الموسيقى وارتبطت عندى بمحبة الحياة، كنت أدرك أن كل شىء فى الحياة هو اختيار، وأنا اخترت الموسيقى.
مع الزميل أحمد إبراهيم الشريف
تعلمت من والدتى حب الجمال.. ومن والدى الانضباط
وعن تأثير الأسرة فى حياتها، أضافت رانيا يحيى، أنا محظوظة بأسرتى، والدتى كانت شاعرة ومحبة للثقافة والإبداع، غرست فينا حب الجمال، وزيارة المتاحف منذ الصغر، أما والدى فكان رجلًا حازمًا نظرا لطبيعة عمله، وهذا التوازن بين الحرية والانضباط صنع منى شخصية تؤمن بـ"الحرية المسئولة"، أنا لم أعرف القمع فى حياتي، لكنى كنت دائمًا أشعر بالمسئولية عن كل تصرف فى حياتي.
أكاديمية الفنون حلم مصري بناه ثروت عكاشة برؤية عالمية
تحركنا خطوة نحو تعليم الفنون في مصر وسألنا "كيف ترين واقع تعليم الفنون فى مصر؟" وأجابت عن ذلك بقولها، عندما أنشأ الدكتور ثروت عكاشة، رائد الثقافة المصرية، أكاديمية الفنون، كانت لديه رؤية حقيقية، استعان بخبراء عالميين، ووضع الأسس لتدريس الفنون الغربية فى مصر، وهو أمر لم يكن موجودًا بهذه الصورة قبل ذلك، نعم معهد فؤاد الأول كان موجودًا، لكنه لم يكن متخصصًا فى الموسيقى الغربية بنفس المنهجية، وحتى اليوم، لا توجد مؤسسة تضاهى أكاديمية الفنون فى المنطقة، لكن الأمر يتطلب اهتماما دائما بها وتطويرا للروية بما يتناسب مع التغيرات المجتمعية والعالمية.
الثقافة وزارة سيادية لأنها تصنع وعينا وهويتنا
واستكمالا لتعليم الفنون في المدارس علقت رانيا يحيى بأن وزارة الثقافة ليست وزارة عادية، بل هي في الحقيقة "وزارة سيادية" لأنها تتقاطع مع كل الوزارات الأخرى، فالصحة ثقافة، والبيئة ثقافة، والتعليم كذلك.
وزارة الثقافة مسئولة عن بناء الإنسان، عن فكرة احترام الآخر، وعن صناعة الوعى والدبلوماسية الناعمة، وللقيام بهذا الدور، نحتاج إلى إرادة سياسية قوية، واستثمار فى الوعى طويل الأمد.
حوار مع د. رانيا يحيى
الأكاديمية المصرية بروما.. سفارة ثقافية وتشعّ فنًا
وعندما تحدثنا معها عن الأكاديمية المصرية بروما وكيف استقبلت هذا التكليف؟ أجابت عن ذلك بقولها، تلقيت تكليف إدارة الأكاديمية المصرية بروما بشرف وامتنان كبيرين، فهذه الأكاديمية الوحيدة لنا فى الخارج، وتقع فى قلب عاصمة الفن والجمال، وذلك يجعل منها مسئولية مضاعفة، خاصة أن هناك مؤسسات عالمية كثيرة تقدم فنا راقيًا، ويجب أن نقنع الجمهور هناك بأن يتابعنا ويأتى إلينا.
ذهبت إلى روما برؤية واضحة وهي أن تظل راية مصر مرفوعة، وأن تكون الأكاديمية سفارة ثقافية حقيقية لمصر فى أوروبا، أردتها منارة تشع فنًا وإبداعًا، لا مجرد مؤسسة فى الخارج، وقد حافظنا على الطابع المصرى للمبنى بعد تجديده، باستخدام الحروف الهيروغليفية فى التصميم، ما يمنحه خصوصية شكلًا ومضمونًا.
وعن التحديات التى واجهتها وكيف تغلبت عليها؟ تحدثت رانيا يحيى، بالفعل هناك تحديات لكننى لم أعتبرها عقبة، فقد قررت أن أبنى جسور تواصل، وفعّلت قنوات تعاون مع أهم الجامعات والمؤسسات الإيطالية، مثل جامعة سابينزا وجامعة تور فيرجاتا و"روما للفنون الجميلة"، ودار الأوبرا والكونسرفاتوار هناك، كما أطلقت مبادرة "الأكاديمية المصرية والجوار الأكاديمي" وتعاونّا مع أكاديمية بلجيكا.
وكان لدينا احتفال ضخم بمرور 95 عامًا على تأسيس الأكاديمية، عزفت فيه شخصيًا، واستضفنا فنانين مصريين مقيمين فى أوروبا مثل العازفة سلمى صادق، وجورج ونيس من فرنسا.
ولدينا مبادرة مهمة جدا أطلقتها، كما أن السفير المصرى فى إيطاليا بسام راضي، له حضور يشكر عليه كما يشكر على دعمه، كما شرفنا برئاسة اجتماع تاريخى فى الأكاديمية لأنه كان يضم كل السفراء العرب، وكثير منهم كانت المرة الأولى التى يحضر فيها، وقدمت مبادرة باسم الأكاديمية المصرية والحضارة العربية فكرتها أننا من خلال الأكاديمية نقدم مصر منارة لجميع الأشقاء العرب فى روما، وبدأنا أول تعاون مع دولة العراق.
مع الأستاذة علا الشافعي
استخدمنا التكنولوجيا.. لكن الحضور الحقيقي لا يُضاهى
كما أننا نستخدم التكنولوجيا ومنصات التواصل لنشر أنشطتنا والوصول لأكبر عدد من المتابعين، لكنى ما زلت أؤمن أن الحضور الفعلى لا يُضاهى، التجربة الحية لا تزال ذات طعم خاص، لا يمكن أن تلغيه الوسائط الرقمية، وجائحة كورونا علمتنا أهمية الوسائل البديلة، لكنها لا تغنى عن التفاعل الحقيقي.
الثقافة قوة ناعمة تسبق الدبلوماسية.. ودعمنا فلسطين بالفن
ولأن العالم مشتعل كما نرى حولنا فقد فرضت السياسة نفسها فتحدثنا عن 7 أكتوبر ودور الأكاديمية فى توضيح ودعم مواقف الدولة المصرية، وهنا قالت رانيا يحيى، الأكاديمية جزء لا يتجزأ من الدولة المصرية، وبالتالي، موقفها السياسى متسق تمامًا مع سياسة الدولة، وبعد 7 أكتوبر، استضفنا أعمالًا فنية لفنانين مصريين وأجانب لدعم القضية الفلسطينية، فالثقافة قوة ناعمة تؤدى أدوارًا موازية وربما أسرع من الدبلوماسية الرسمية.
دكتورة رانيا يحيى
تمكين المرأة واقع نعيشه لا شعار نردده
بعد ذلك تحدثنا مع رانيا يحيى عن المرأة، خاصة أنها ظلت فترة غير قصيرة عضوا في المجلس القومى للمرأة، وكان سؤالنا كيف تقيمين تجربتك؟ قالت تشرفت بعضوية المجلس القومى للمرأة 8 سنوات بقرار رئاسي، وكان ذلك شرفًا عظيمًا لي، والمجلس مؤسسة قوية تأسست عام 2000، وكان لها دور مهم، خاصة فى مواجهة محاولات التراجع خلال حكم الجماعة الإرهابية.
مع التشكيل الجديد برئاسة الدكتورة مايا مرسي، ومع الدعم الشخصى من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رأينا تمكينًا حقيقيًا للمرأة فى كل المجالات، ووجودى على رأس الأكاديمية دليل على ذلك، وهناك نساء كثيرات يشغلن مناصب رفيعة.
والمرأة المصرية نموذج يحتذى، من الحضارة القديمة وحتى اليوم، وعندما تمنح الفرصة تثبت جدارتها، وكما تقول مايا مرسي: "المرأة هى خط الدفاع الثالث للدولة المصرية"، وهذا ما رأيناه فى 30 يونيو، ونراه اليوم فى مواقع المسئولية.
المرأة اليوم أكثر تمكينًا من أى وقت مضى، والدولة لم تكتف بالخطاب، بل دعمت ذلك بالقرارات والسياسات، والرئيس السيسي بنفسه حريص على دعم المرأة ، فلا يترك حوار إلا ويتحدث عنها ويشير إلى دورها، ورغم أن التغيير الثقافى يحتاج إلى وقت لأنه تراكمي، فإننا نرى نتائج حقيقية، حتى فى القرى والنجوع بات الجميع يعرف المجلس القومى للمرأة ويتواصل معه.
في اليوم السابع
الأكاديمية تدعم ترشح د. خالد العناني لليونسكو
ولم ننسى الحديث عن استعدادات مصر للترشح على إدارة اليونسكو، لذا سألنا: هل هناك دور للأكاديمية فى دعم ملف الدكتور خالد العنانى لليونسكو؟ كانت الإجابة سريعة: بالطبع، نُعدّ لاحتفالية داخل الأكاديمية لدعم الدكتور خالد العناني، ونحن دائمًا ندعم الكفاءات الوطنية.
الإعلام جناح الثقافة.. ولا تنمية بدون وعى
وبالحديث عن الإعلام الثقافي، قالت رانيا يحيى، الإعلام هو جناح الثقافة، ولا يمكن فصله عنها، هو الأداة التى تنقل الصورة والصوت، وتسهم فى إحداث وعى واستنارة، الثقافة تملك القدرة على تسويق نفسها، لكنها بحاجة إلى الإعلام للانتشار والتأثير.
الصناعات الثقافية.. بين الخدمة العامة وتحقيق العائد
وعن الصناعات الثقافية أفادت رانيا يحيى أنه يجب أن نتعامل مع الثقافة بصيغتين كخدمة للمحتاجين، وكصناعة قادرة على توليد الدخل، لا يجب أن نقصى أحدهما لحساب الآخر، والتحدى الحقيقى هو تحقيق التوازن بين الجانبين، فنحن نشأنا على أن الثقافة خدمة، لكن اليوم ومع الأزمات الاقتصادية، علينا أن نطوّر أدواتنا ونستثمر فى صناعات الثقافة والإبداع، لكن علينا ألا نغفل أبدا أن ثقافة النشء والشباب قضية أمن قومي، ويجب الحفاظ عليها بكل الوسائل الممكنة.
طلبنا منها توجيه رسالة إلى الأجيال الجديدة، فقالت: لدينا ماضٍ عظيم نفتخر به، وحاضر فيه الكثير من الإنجازات، ومستقبل نعمل عليه، مهمتنا أن نُنير الطريق للأجيال القادمة، الأكاديمية المصرية بروما ستكون دومًا منارة لهذا الطريق.
Trending Plus