من المهد الروحى إلى عاصمة الحداثة.. رحلة الكرسى المرقسى للكنيسة تاريخ من الإيمان ورحلة نحو المستقبل.. من نور الإسكندرية إلى ضوء العاصمة الإدارية الجديدة تفاصيل بناء كاتدرائية ميلاد المسيح

تُعد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية واحدة من أقدم الكنائس الرسولية في العالم، وتحمل في تاريخها إرثًا روحيًا وحضاريًا عميقًا. ومن بين أبرز رموز هذا الإرث هو "الكرسي المرقسي" أو "كرسي القديس مارمرقس"، الذي يمثل السلطة الروحية والقيادة العليا للكنيسة. رحلة هذا الكرسي عبر التاريخ تعكس مسيرة الكنيسة نفسها، من بداياتها في مدينة الإسكندرية العريقة إلى مقرها الحديث في العاصمة الإدارية الجديدة بمصر.
البداية في الإسكندرية: منارة المسيحية في مصر
تعود جذور الكرسي المرقسي إلى القديس مارمرقس الرسول، الذي يُعتبر مؤسس الكنيسة القبطية في الإسكندرية حوالي عام 61 ميلادية. استقر القديس مارمرقس في هذه المدينة التي كانت مركزًا ثقافيًا وعلميًا هامًا في العالم القديم، حيث أسس أول كنيسة وأشعل نور المسيحية في مصر.
على مدار أكثر من ألف عام، ظل الكرسي المرقسي في الإسكندرية، حيث كانت المدينة مركزًا روحيًا وتعليميًا للكنيسة القبطية. شهدت هذه الفترة العديد من التحديات والاضطهادات، لكنها كانت أيضًا فترة ازدهار روحي وثقافي، حيث أسس الآباء الرهبان واللاهوتيون مدارس دينية وأديرة عريقة.
التنقلات التاريخية: الكرسي بين المدن
مع مرور الزمن، واجهت الكنيسة القبطية تغيرات سياسية واجتماعية أثرت على مكان إقامة الكرسي المرقسي. في بعض الفترات، اضطر الكرسي إلى التنقل بين مدن مختلفة داخل مصر، مثل القاهرة، التي أصبحت مركزًا إداريًا هامًا بعد الفتح الإسلامي لمصر.
في القاهرة، استقر الكرسى المرقسى فى عدة مواقع، أبرزها الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، التي أصبحت مقرًا رئيسيًا للبابا وبطريركية الكنيسة القبطية، هذا الانتقال لم يكن فقط جغرافيًا، بل كان أيضًا تعبيرًا عن التكيف مع الظروف الجديدة، ومع الحفاظ على الروحانية والتقاليد العريقة.
بناء الكاتدرائية المرقسية الجديدة
وفى القرن العشرين، شهدت الكنيسة القبطية تطورًا ملحوظًا فى بنيتها التحتية، حيث تم بناء كاتدرائيات جديدة تعكس عظمة الكنيسة وتلبي احتياجات الأقباط المتزايدة، ومن أبرز هذه الإنجازات بناء الكاتدرائية المرقسية الجديدة في العباسية، التي تم افتتاحها في عام 1968، والتي أصبحت مركزًا روحيًا وثقافيًا هامًا.
هذه الكاتدرائية لم تكن مجرد مكان للعبادة، بل كانت رمزًا للوحدة القبطية، حيث تجمع الأقباط من مختلف أنحاء مصر والعالم كما احتضنت العديد من الفعاليات الدينية والاجتماعية التي تعزز من دور الكنيسة في المجتمع.
الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة: خطوة نحو المستقبل
في خطوة تاريخية تعكس تطور الكنيسة القبطية ورؤيتها المستقبلية، تم افتتاح كاتدرائية ميلاد المسيح في العاصمة الإدارية الجديدة في يناير 2019، بحضور قداسة البابا تواضروس الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي. تُعد هذه الكاتدرائية الأكبر في الشرق الأوسط، حيث تمتد على مساحة 15 فدانًا وتستوعب حوالي 8,000 شخص.
تضم الكاتدرائية الجديدة مقر البابا، قاعات استقبال ومؤتمرات، بالإضافة إلى متحف كبير يروي تاريخ الكنيسة القبطية عبر العصور. كما تتميز بتصميمها المعماري الفريد الذي يجمع بين التراث القبطي والحداثة، مع أيقونات تحكي قصص الميلاد والبشارة ورؤى من سفر الرؤيا.
أهمية الرحلة الروحية والتاريخية
رحلة الكرسي المرقسي من الإسكندرية إلى العاصمة الإدارية الجديدة ليست مجرد انتقال مكاني، بل هي تجسيد لمسيرة الكنيسة القبطية عبر التاريخ، من بداية نشر المسيحية في مصر إلى العصر الحديث. تعكس هذه الرحلة التحديات التي واجهتها الكنيسة، والنجاحات التي حققتها في الحفاظ على إيمانها وتراثها.
كما تمثل الكاتدرائية الجديدة رمزًا للأمل والتجديد، حيث تجمع بين الماضي العريق والمستقبل الواعد، وتؤكد على دور الكنيسة في خدمة المجتمع المصري والعالم المسيحي.
وتعتبر إن رحلة الكرسي المرقسي هي قصة إيمان وصمود، تعكس عمق الروحانية والتاريخ الغني للكنيسة القبطية الأرثوذكسية. من الإسكندرية القديمة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، تستمر الكنيسة في أداء رسالتها الروحية والاجتماعية، محافظة على تراثها وماضية، ومتطلعة إلى مستقبل مشرق يخدم فيه الإيمان والمحبة الإنسانية.
Trending Plus