أكرم القصاص يكتب: ألتراس ومكفراتية و"عمقاء" فى مباراة الطائرة والصاروخ «تل أبيب - طهران»!

أما أننا نعيش عالما مجنونا، فهذا أمر لا يمكن التشكيك فيه، حروب بالصواريخ والطائرات، وتهديد بتدمير المحطات النووية، دول العالم تُجلى رعاياها من إسرائيل، الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يدلى بتصريحات يهدد فيها بالانضمام لإسرائيل، ثم يتحدث عن إبرام اتفاق، ويعلن أنهم يعرفون مكان المرشد الإيرانى، ويطلق تصريحات و«تويتات» متوازية ومتناقضة، لكن بالطبع أمريكا تدعم إسرائيل، ولا تنوى التدخل لوقف الحرب.
ووسط هذا، هناك تقارير وأخبار مفبركة. وتحليلات متقاطعة، عن انضمام باكستان إلى إيران، وانتظار موقف صينى أو روسى، أو كورى شمالى، بينما تجارة السلاح مستمرة من كل الأطراف والفرجة، على ما قبل نهاية العالم تكاد تصل إلى جمهور غير مسبوق، هو نفسه منخرط فى إنتاج واستهلاك كل هذه التحاليل والتقديرات والهبد، وكل هذا متوقع ومستمر منذ 18 شهرا، أى منذ أن ظهرت إيران فى خلفية عملية 7 أكتوبر، وانتهت الحرب بالوكالة إلى مواجهة مباشرة، استهدف الاحتلال أذرع إيران فى لبنان وسوريا، باختراقات وحرب معلومات وتجسس، بينما بقيت طهران عند حالة التهديد والرد المناسب، وصولا إلى المواجهة المتوقعة التى تدور بين الطرفين، طائرات واغتيالات إسرائيل فى إيران وصواريخ إيران على كل مكان فى إسرائيل، فى صدام محسوب حتى الآن، مباراة تجذب مشاهدين من هنا وهناك، وانتقلت حالة الألتراس الكروى إلى مواقع التواصل، هذه الجولة ضمن جولات أخرى، والاحتلال يرتكب مجازر فى غزة ويشن حرب إبادة وتصفية عرقية ضد سكان غزة وفلسطين، كل هذا وظلت إيران طرفا متفرجا، بل واستسلمت لعملية قصقصة الأجنحة، واكتفت بالرد المناسب مع استمرار المجازر، لم تساند طهران غزة إلا ببعض الصواريخ الطائشة من جماعة الحوثى، والتى أضرت قناة السويس أكثر مما أذت الاحتلال، انتهت المواجهة مع الوكلاء إلى الأصل، فى حرب يصعب توقع نتائجها، أمريكا تريد توقيعا، والاحتلال يزعم أنه يريد التأكد من إنهاء قوة إيران النووية، كل هذا على الهواء ووسط جمهور انقسم ليحارب بعضه بالبوستات، تشجيعا وتصفيقا وتصفيرا.
كالعادة، وبشكل تلقائى، وخليط من العمق والألتراسية، تحول تحليل الأحداث فى الحرب الدائرة إلى نقاشات عبثية، بل وترك بعض كبار عمقاء التحليل والفهم الحرب، وانطلقوا فى مباريات من التلاسن وصلت إلى اختراع معارك طائفية وعرقية، على خلفية حرب إسرائيل وإيران، وتحول الأمر إلى ما يتجاوز مباريات كرة القدم، إلى «فرش ملايات» استراتيجى، بين مؤيدى إيران، والمشككين فيها، وطبعا الكل يدين إسرائيل ويتهمها بكل الاتهامات، وهى تستحق هذا وزيادة، لكن الأمر كما أشرنا يدخل فى أهمية التفرقة بين الانحياز إلى طرف فى مواجهة آخر وبين الانغماس فى أوهام وادعاءات وإفراز أنواع من النظريات تتجافى منع الواقع وتتناقض مع السوابق.
ونكرر أن كثيرين من مستخدمى ورواد الإنترنت وفيس بوك العاديين، أحيانا يبدون أكثر تفهما من أعضاء النخب أو من يقدمون أنفسهم على أنهم فاهمون عمقاء غارقون فى دراسة الاستراتيجية والتهام التكتيك، وإعادة بناء النظريات وفقا للتوازى المثلث لمربعات النظرية السياسية.
مثال ذلك، بعض السادة المنتمين للفكر السلفى والسنية المتطرفة، تركوا الصراع الإقليمى وتوازنات القوة وانخرطوا فى هجوم طائفى متعصب على إيران، باعتبارها تتنمنى إلى المذهب الشيعى، والذى يُخرجها من الملة، وينسى هؤلاء ما دار طوال عقود من تقريب بين المذاهب، وأن الأمر يتجاوز هذا الأمر ويدخل فى سياق صراعات أيديولوجية وتوازنات قوة، لا علاقة لها بالمذاهب أو الأفكار، وأن الصراع ليس بين سنة وشيعة، وإنما بين دولة دينية استيطانية اسمها إسرائيل، وبين دولة أخرى حول النفوذ وفرض الهيمنة، والأخذ بالثأر بالدفاع أو الهجوم.
وفى المقابل وجدنا بعض من ينتمون إلى بعض أجنحة اليسار أو الاشتراكية الثورية، يرون أن من يهاجمون إيران إنما يعادون الإسلام ويدخلون فى حرب ومواجهة أيديولوجية تنتزع التجذر العرقى من المواجهة، وبالطبع خلال السنوات الماضية تداخلت الأيديولوجيات واختلطت المذاهب بمياه الرى والصرف السياسى، وأصبحت تحمل مزيجا من العرقية والثورية والربيعية، التى تتفاعل مع أرباع النظريات وبقايا أيديولوجيات الحرب الباردة لتنتج كائنات تعتنق خليطا من المعتقدات يجمع بين أقصى اليسار والحقوقى، مع الاستقصائى التمويلى، لينتج هذه الأنواع من النشطاء المنقرضين، الذين يحبون السير فى القوافل وممارسة الهياج والصراخ على السالم، ولا يعرفون الفرق بين القافلة والقطيع.
ثم إن عزلة مواقع التواصل أنتجت أنواعا عميقة من الكائنات، المتناقضة، التى تصل فى بعض الأحيان إلى طرح الرأى وعكسه فى نفس البوست، وهؤلاء انخرطوا فى إطلاق الأحكام والتحليلات التى لا يمكن تفهمها من دون دراسة الطب البيطرى، فلدينا بعض النشطاء السابقين لم يتبنوا فقط نظريات التفوق الصهيونى، لكنت بعضهم أو بعضهن يدافعن عن الاحتلال وعن الإبادة وعن قتل الأطفال فى غزة، مثل داليا إلى انتقلت من خانة الفبركة والادعاء إلى خانة الدعم للاحتلال، تماما مثل بعض العمقاء ممكن أن يروا أن إيران هى المعادل الموضوعى لحركات التحرر العالمية، ومن بين هؤلاء من كانوا وما زالوا ينتجون أبرز نظريات الحديث عن الاستبداد، لكنهم يتنازلون عن النظرية من أجل «اللايكات» والتصفيق والبحث عن إشارة.
الشاهد أن كبار عمقاء التواصل وخبراء اللايكات، انخرطوا فى ترويج الفراغ، أو مباريات وسباقات سطحية بينما عجزوا عن قراءة الواقع كما هو وليس كما يريدون.

مقال أكرم القصاص
Trending Plus