السوشيال ميديا تحت المجهر.. حملات لضبط فيديوهات منافية للآداب.. الداخلية تلاحق فيديوهات خادشة للحياء.. الجناة يبحثون عن أرباح على حساب القيم.. ينتحلون صفة صناع محتوى ويروجون للابتذال وعقوبات صارمة

في السنوات الأخيرة، ومع اتساع رقعة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، برزت فئة تطلق على نفسها "صناع محتوى"، هدفها الظاهر هو تقديم ما يُقال إنه "ترفيه" أو "توعية"، لكن الواقع يكشف أن بعضهم يقدم محتوى خادشًا للحياء، يتجاوز حدود الذوق العام، ويضرب القيم الأخلاقية والاجتماعية بعرض الحائط، طمعًا في عدد أكبر من المشاهدات والأرباح.
سلوك منحرف تحت مسمى صناعة المحتوى
يظهر بين الحين والآخر أفراد ينشرون مقاطع مرئية تحتوي على إيحاءات جنسية، أو ألفاظ نابية، أو تصرفات غير لائقة، بهدف إثارة الجدل على منصات مثل "تيك توك" و"يوتيوب" و"إنستغرام".
الغرض من ذلك ليس مجرد التسلية، بل تحقيق ربح مالي عن طريق جذب الإعلانات، أو جمع التبرعات، أو حتى التسويق لأنفسهم باعتبارهم "مؤثرين"، بينما هم في الواقع يشكلون تهديدًا مباشرًا للسلوك المجتمعي، خصوصًا بين المراهقين والشباب.
تحرك أمني حاسم
وزارة الداخلية لم تقف صامتة أمام هذه الظاهرة التي وصفها خبراء بأنها "إساءة مقننة"، فقد نجحت أجهزة الأمن، وتحديدًا الإدارة العامة لحماية الآداب، في ضبط عدد من الحالات التي تم فيها بث محتوى خادش للحياء عبر الإنترنت.
في إحدى الوقائع، أكدت معلومات وتحريات الشرطة قيام شاب يطلق على نفسه المذيع الفرفوش مقيم بشبين الكوم بالمنوفية بتصوير مقاطع فيديو منافية للآداب العامة، وبثها على مواقع التواصل بهدف رفع نسب المشاهدة.
وتم ضبطه وبحوزته أجهزة إلكترونية تحتوي على مواد توثق نشاطه، إلى جانب أدوات تصوير. وأقر خلال التحقيقات بأنه قام بذلك بغرض تحقيق أرباح مالية.
وفي واقعة أخرى، ألقت الشرطة القبض على فتاة في محافظة الجيزة كانت تبث محتوى مشابهًا، وتحديدًا في منطقة الأهرام. وبتفتيش هاتفها، تم العثور على دلائل تدينها. وأقرت بدورها بأنها كانت تهدف لتحقيق شهرة وربح سريع.
آراء خبراء أمنيين
اللواء دكتور علاء الدين عبد المجيد مساعد وزير الداخلية الأسبق، يرى أن هذه الظاهرة تشكل خطرًا كبيرًا على الأمن الثقافي والاجتماعي في مصر.
يقول: "نحن لسنا ضد حرية التعبير، لكن ما نراه ليس تعبيرًا، بل إفسادًا، استخدام الإنترنت لترويج محتوى مخل يُعد جريمة في القانون المصري، والسكوت عنها يفتح الباب لفوضى أخلاقية لا تُحمد عقباها".
ويضيف: "خطورة هذا النوع من المحتوى أنه متاح بسهولة للأطفال والمراهقين، ويخلق صورة مشوهة عن الحرية، هنا يأتي دور الدولة ليس فقط في الردع، ولكن في دعم المحتوى الهادف، ومحاسبة كل من يسيء استخدام الفضاء الرقمي".
العقوبة القانونية
وفقًا لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، فإن إنتاج أو نشر محتوى إباحي أو خادش للحياء يعاقب عليه بالحبس مدة قد تصل إلى خمس سنوات، وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تتجاوز 300 ألف جنيه.
وإذا كان الفعل قد ارتُكب لغرض تجاري أو ترويجي، فقد تصل العقوبة إلى السجن المشدد.
كما تنص مواد قانون العقوبات المصري على أن من يوزع أو ينشر مواد منافية للآداب عبر أي وسيلة، سواء كانت مطبوعة أو إلكترونية، يُعاقب أيضًا بالحبس والغرامة، مع مصادرة الأجهزة المستخدمة في التصوير والنشر.
مطلوب دور مجتمعي وإعلامي
رغم الجهود الأمنية المبذولة، يرى البعض أن المعركة ضد هذا النوع من المحتوى لا يمكن أن تُحسم أمنيًا فقط، بل تتطلب شراكة مجتمعية واسعة تشمل الأسر، والمدارس، والمؤسسات الدينية، ووسائل الإعلام.
كما ينبغي على منصات التواصل نفسها أن تتحمل مسؤولية مراقبة المحتوى المرفوع، وتقييد الحسابات التي تنشر مواد خادشة، بدلًا من مكافأتها بجني الأموال.
ويطالب خبراء الإعلام بوضع استراتيجية وطنية لدعم صناع محتوى هادف، وتقديم حوافز للمبدعين الحقيقيين، بما يتيح لهم منافسة من يسيرون في طريق "الترند" الرخيص الذي يعتمد على كسر التابوهات والتعدي على القيم.
الشهرة لا تبرر الانحراف، وصناعة المحتوى لا تعني تدمير الأخلاق العامة، وبين طموح مشروع لتحقيق الذات، ومحاولات مشبوهة لجمع المال بأي وسيلة، يظل القانون هو الفاصل، والمجتمع هو من يدفع الثمن في حال غابت الرقابة أو تهاونت الردود.
إن مواجهة المحتوى الخادش على السوشيال ميديا هي معركة وعي قبل أن تكون معركة أمن.



Trending Plus