لا تنزلق فى الوحل

هناك مثل إنجليزى يقول: "لا تُصارع خنزيرًا فى الوحل فتتسخ أنت ويستمتع هو"، وهذا هو الخطأ الذى يقع فيه الكثيرون، حيث إنهم ينساقون فى حوارات ونقاشات وجدل، وسلوكيات مع الأشخاص الخطأ، فيُصابون بالاكتئاب والانفعال والطاقة السلبية، فى حين أن الطرف الآخر يستمتع بشدة، لأن طبائعه تتماشى تمامًا مع نوعية الحوارات الجدلية السفسطائية التى لا تصل إلى نتيجة مرجوة، بل إن كثرة الجدل قد تُمتعه وهو يضع خصمه فى هذه الحالة النفسية السيئة.
وهذا الأمر لا يتوافق فقط مع الجدل والنقاش، ولكنه يمتد كذلك إلى كافة العلاقات التى لا يكون فيها الطرفان على خط واحد، أو بمعنى أدق أن يكون بينهما فجوة إنسانية عميقة، مثل العلاقة بين إنسان متزن نفسيًا وإنسان متطرف فكريًا، فلابد أن ينتهى التعامل إلى مشكلة حقيقية تؤثر سلبًا على الأول، لأنه هو مَنْ سيُصارع الأفكار غير السوية، وبالقطع لن يصل إلى نتيجة مُرضية مع صاحب الفكر العقيم، فالأزمة تحدث بسبب التباين غير الصحى أو المنطقي، لذا تنهار العديد من العلاقات بسبب الاختلاف البين فى القيم والمبادئ والطبائع.
فليس من المنطقى أن ينزلق الإنسان فى هاوية سحيقة لا معنى لها، مثل مَنْ يُصادق الشخص السيء، فللأسف تناله الشبهة وربما ينغمس فى استيراد بعض الصفات السيئة، أو يتورط فى سلوكيات الطرف الآخر لاإراديًا، وكذلك مَنْ يُقرر أن يُصارع شخصًا أحمق بلا عقل، فيكتشف أنه ألقى بنفسه فى بؤرة عميقة لا معنى لها.
فمَنْ يُريد أن يتصارع أو يتجادل أو يتناقش، عليه أن يتيقن من أن الطرف الاخر لن يصل به إلى طريق مسدود، بسبب طبائعه السيئة، فكم من شخص عفيف اللسان سقط فى هاوية التراشق بالألفاظ، بسبب حماقة وسوء أدب مَنْ أمامه، وللأسف، حُكِمَ عليه بأنه شخص سيء، لدرجة أن مَنْ يعرفونه حق المعرفة قد يتهمونه بأنه كان يفتعل حسن الخلق فى الفترة السابقة.
ففى الواقع، أى دخول فى مناوشات غير لائقة مع أشخاص دون المستوى، تُدْخل صاحبها فى دوائر مُغلقة تنال منه، وتُصيبه فى مقتل، وتشوه صورته أمام نفسه وأمام المجتمع، فالأحرى بنا أن نزن الأمور بعين العقل والمنطق قبل أن نتردى فى طيات الوحل، بسبب انجرافنا فى رعونة الدخول فى مهاترات لا تُساير مبادئنا وأخلاقياتنا، ولا تتماشى مع طبائعنا التى جُبِلْنَا عليها طيلة حياتنا.
فكلنا نحرص على نظافة ملابسنا وأبداننا من الوحل، فعلينا أن نكون أكثر حرصًا على نظافة أيدينا وعقولنا ومشاعرنا وأفكارنا من التلوث بالأوحال التى نجرها إلى أنفسنا دون قصد منا، عندما ندخل فى صراعات أو علاقات تتجافى وما رسمناه لأنفسنا طيلة حياتنا.
ولو دفعتنا أنفسنا لمثل هذه النوعية من الصراعات، بسبب الضعف الإنسانى أو الانفعال اللحظي، أو سوء التقدير العقلي، فعلينا أن نكبح جماح النفس فى هذه الحالة، والسيطرة على الرغبات الإنسانية، حتى لا نصل إلى سُوء العاقبة، وهى الانزلاق فى الوحل.
Trending Plus