ماذا فعل يوسف وهبي عندما اعترض عبد الحليم حافظ على موعد صعوده على المسرح؟

فى مثل هذا اليوم، 21 يونيو عام 1929، ولد طفل في قرية الحلوات بمحافظة الشرقية، لم يكن أحد يتخيل أن صوته سيصبح فيما بعد جزءًا لا يتجزأ من ذاكرة العاطفة العربية، وأن اسمه سيكتب بحروف من نغم ودمع وحنين، هو عبد الحليم إسماعيل شبانة، أو كما عرفه الملايين بعد ذلك بـ "عبد الحليم حافظ".
لكن بدايات العندليب لم تكن تشي بأي مجد قادم، فحين صعد أول مرة إلى المسرح في إحدى حفلات الإسكندرية، لم يكن في استقباله تصفيق ولا زهور، بل صرخات قاسية من الجمهور تصرخ بلا هوادة "انزل! انزل! انزل!" كانت لحظة قد تكسر أي فنان في بداية حلمه، لكنها كانت بداية أخرى، بداية من نوع خاص.
بعد تلك الليلة، لم يعد عبد الحليم مجرد مغن شاب، بل أصبح رمزًا للإصرار، للفن الذي لا يستسلم، للنغمة التي لا تُقارن، فتحية كاريوكا التي وقفت بجواره لم تكن فقط داعمة، بل غضبت من المتعهد وتركته، لتؤكد له أن الفن الحقيقي لا يُشترى.
ومن تلك الخيبات، ووسط بقايا صدمة، خرج عبد الحليم أقوى، أصلب، عازمًا على ألا يكون نسخة من أحد، بل أن يكون هو نفسه، ولقد كانت أغنية "صافيني مرة" بداية شاقة، مليئة بالرفض، لكنها أيضًا كانت المفتاح الذي فتح بوابة المجد لصوت لن ينسى، كما ذكر الكاتب محمد جبريل في كتابه "ملامح مصرية".
واليوم، وبعد عقود من رحيله، لا تزال أغانيه تنبض في الشوارع والمقاهي والقلوب، من كان يطلب منه أن ينزل عن المسرح، صار فوق يعشق صوته الجميل.
وقبيل الثالث والعشرين من يوليو 1952 م، تجدد الأمل لعبد الحليم في فرصة تفوق تلك التي حرمه منها جمهور الإسكندرية. استمع وجيه أباظة إلى صوته — رفض مطلق لليأس — وطالبه بأن يعد نفسه لحفل غنائي كبير، في ذكرى مرور عام على قيام ثورة يوليو — وبقدر ما كان الامتحان قاسيًا — الأدق أنه كان مخيفًا! فقد كان نجوم ذلك الحفل كل الأسماء اللامعة في دنيا الغناء المصري آنذاك: الأطرش وفوزي وكارم وعبد العزيز محمود وشادية وغيرهم … وأعد عبد الحليم نفسه للحفل بواحدة من الأغنيات التي قدمها في الإسكندرية «صافيني مرة»، فضلًا عن أغنيات أخرى سبق له كذلك تقديمها في الإسكندرية، ورفضها الجمهور.
وبدأ الحفل: غنى الأطرش، وغنت شادية. واتجه عبد الحليم إلى الفنان يوسف وهبي — وكان مسئولًا عن تنظيم البرنامج — ودار حوار، رواه عبد الحليم، ورواه يوسف وهبي، مع اختلاف بسيط، لا يجعل إحدى الروايتين كاذبة في مواجهة الأخرى: متى سأغني؟

عبد الحليم حافظ ويوسف وهبي
– إنت مين؟!
– عبد الحليم حافظ.
– فيه فرقة موسيقية حتطلع الساعة واحدة بعد منتصف الليل … وتغني انت بعدها.
– لا.
– لا … دي عايزة مذكرة تفسيرية … فأنا الذي أنظم البرنامج، وأنظمه على كده.
– إما أن أغني الساعة ١٢ أو لا أغني أبدًا.
– يا سلام … ولو ماغنيتش الساعة ١٢ الناس حاتمشي؟!
– بالعكس … يمكن الناس تفرح لو ما غنيتش … لكن أنا حامشي إذا ماغنيتش الساعة ١٢.
– إنت منين؟
– من الحلوات شرقية.
– إنت متعلم؟
– نعم، إلى حد ما … خصوصًا بالنسبة للموسيقى.
– طيب … أنا حاخليك تغني الساعة ١٢.
– متشكر!
– أنت عندك إصرار … ومن لديه إصرار لا بد أن ينجح … وإن شاء الله ستنجح في هذه الليلة … وأنا الذي سأقدمك بنفسي رغم أني لا أقدم هذه «النمر» … لكني سأقدمك بنفسي.
وكأنما شاءت الظروف أن يكون الميلاد الجديد — ألم يكن كذلك؟! — مغلفًا بمسحة درامية، تجعله عالقًا بالأذهان. شارك المطرب في حفل عيد الثورة الأول، وشارك في المناسبة نفسها بتوالي الأعوام؛ فالمناسبة ليست متفردة في إطلاقها، وقد جاء التفرد من اختيار الظروف، حين أعلن يوسف وهبي — بصوته الأشهر. عن قيام الجمهورية، قبل أن يغني عبد الحليم بساعة واحدة. وقدم يوسف وهبي الصوت الجديد بقوله: «ومع إعلان ميلاد جمهورية سنقدم لكم ميلاد مطرب جديد، هو عبد الحليم حافظ.. وتحقق الميلاد الجديد.
Trending Plus