التاريخ يعيد نفسه.. المنطقة تعيش أجواء حروب «المغول».. ومصر بطل مشهد النهاية!

فى القرن السابع الهجرى، الـ13 الميلادى، كان العالم الإسلامى يعيش أوقاتا عصيبة وتهديدا حقيقيا لأمنهم ومقدراتهم، بسبب حملات الغزو من الجيوش المغولية بقيادة جنكير خان، التى أدت أسقطت العديد من الدول وتدمير معالم الحضارة الإسلامية فيها، وسفك دماء المسلمين والتنكيل بهم، فى وقت لم تستطع أى قوة عسكرية إيقاف الاجتياح المغولى المتمدد من الشرق إلى الغرب.
حالة الضعف شجعت المغول على مواصلة غزواتهم غربا لإسقاط الخلافة العباسية فى العراق، بعدما اجتاحوا «الأراضى الإيرانية» حيث خرج هولاكو - حفيد جنكيز خان - على رأس جيش ضخم قدر بـ120 ألف جندى، مجهزين بالعدة والعتاد متوجهين إلى بغداد، وحاصروها حتى استسلمت، واستباحوها وقتلوا أعدادا هائلة من سكانها ونكلوا بهم، بمن فيهم خليفة المسلمين المستعصم بالله، وأضرموا النار فى أحيائها وهدموا معالمها وخربوا مكتباتها، وأتلفوا ما كان بها من تراث إنسانى عريق، وكانوا قريبين من بسط سيطرتهم على منطقة الشرق الأوسط بالكامل بعدما سيطروا على بلاد ما وراء النهرين.
أما أوضاع الشام تحت حكم الأيوبيين، لم تكن أحسن حالا من إيران والعراق، بسبب حالة الانشقاق والخصومة بين الإخوة الأيوبيين رغم انتسابهم لأسرة واحدة وبيت واحد، وبدلا من أن يتحدوا ضد العدو المغولى، أعلن الناصر يوسف الأيوبى حاكم دمشق وحلب، خضوعه للمغول وطلب مساعدتهم فى الاستيلاء على مصر وإسقاط حكم دولة المماليك الناشئة، علما أنه كان حينها الأمير الأيوبى الأكثر قدرة وقوة على مواجهة هولاكو لو أراد ذلك.
وبعد سيطرة الجيش المغولى على الشام، قرر التوجه إلى مصر.
اللافت هنا، أن أجواء وسيناريو اجتياح المغول للدول الإسلامية والعربية، تتكرر اليوم بنفس المشاهد، مع الاختلاف فى أسماء الطامعين، ففى القرن الـ13 الميلادى، كان الجيش المغولى بقيادة جنكيز خان، وبعد ثمانية قرون، وتحديدا فى القرن الحادى والعشرين، عادت نفس التهديدات بنفس السيناريو، على يد إسرائيل، وأطماع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، موظِفا أحداث 7 أكتوبر 2023 وحالة الضعف والتشرذم لعدد كبير من الدول الإسلامية والعربية، لأسباب مختلفة، منها ما يطلق عليه زورا وبهتانا، ثورات الربيع العربى، ومنها إصابة جسد الأمتين العربية والإسلامية بأورام سرطانية متمثلة فى جماعات وتنظيمات وميليشيات إرهابية، سببت له آلاما وأجاعا.
بنيامين نتانياهو، وجيشه الإسرائيلى، وبدعم أمريكى مطلق، يخوض نفس حرب الإبادة التى خاضها شبيهه، هولاكو، فبدأ فى تدمير الجنوب اللبنانى، وتدمير سوريا، وأباد غزة، ثم ضرب اليمن، واتجه إلى إيران، ومستمر فى ضرباته الجوية لتدمير طهران، وكان الجيش الأمريكى فيما سبق قد تكفل بغزو العراق وتفكيك جيشه وأجهزته الأمنية.
سيناريو المغول يتطابق مع السيناريو الإسرائيلى، فى الهدف ذاته، مع اختلاف الطريقة، لكن المضمون واحد وهو حالة الدمار والخراب والقتل التى خلفها المغول، وإسرائيل، والشغف الشديد فى السيطرة على مقدرات الأمم، وامتلاك مفاتيح المنطقة.
وبالعودة إلى ما سطره التاريخ، يتبين أن المغول وبعد تشديد قبضتهم على الدول الإسلامية، كان المشهد الأخير فى سيناريو حربهم، هو مصر، وبالفعل أرسل «هولاكو» إلى سيف الدين قطز، السلطان المصرى الجديد، رسالة حملها 4 رسل، مضمونها تهديد ووعيد، والمطالبة بالخضوع والاستسلام، وكان نص الرسالة: «إن الله تعالى قد رفع شأن جنكيز خان وأسرته ومنحنا ممالك الأرض برمتها، وكل من يتمرد علينا ويعصـى أمرنا يقضى عليه مع نسائه وأبنائه وأقاربه والمتصلين به وبلاده ورعاياه، كما بلغ ذلك أسماع الجميع، أما صيت جيشنا الذى لا حصر له، فقد بلغ الشهرة كقصة رستم وإسفنديار، فإذا كنت مطيعا كخدم حضرتنا فأرسل إلينا الجزية وأقدم بنفسك واطلب الشحنة، وإلا فكن مستعدا للقتال».
وياللعجب! أن الدولة المملوكية، حينها، كانت تمر بأزمة اقتصادية طاحنة، وكانت النفقات الضرورية لتجهيز الجيش وإعداد العدة والتموين اللازمين تشكلان تحديا كبيرا أمام قطز، الذى استدعى إلى مجلسه الاستشارى الأمراء والقادة والعلماء والفقهاء، وعلى رأسهم شيخ العلماء العز بن عبدالسلام، وبدأوا التفكير بطريقة لتجهيز الجيش.
واستطاع قطز، أن يجمع 600 ألف دينار، من جميع المصريين، وتمكن من تجهيز جيش قوى، لقن الجيش المغولى درسا عنيفا وقهره فى «عين جالوت» ووضع «مشهد النهاية» من سيناريو أطماع المغول وإبادتهم للشعوب الإسلامية.
السيناريو بكل مشاهده تعيشه حاليا المنطقة - كما ذكرنا - وبطله إسرائيل، ورئيس وزرائها بنيامين نتانياهو، الذى يعيش فى غطرسة مفرطة، نتيجة ما حققه من انتصارات مؤخرا، محاولا تأسيس إسرائيل الكبرى من النيل للفرات، وتبقى مصر، وفق كتالوج التاريخ، بطل المشهد النهائى، وانتصار الخير على الشر، فلا خوف على وطن تجلى على أرضه رب العباد، وتربى فوق ترابه ولجأ إليه رسل وأنبياء وأولياء، وقال أشرف الخلق، محمد صلى الله عليه وسلم، عن جنده أنهم خير أجناد الأرض وفى رباط إلى يوم القيامة، ورغم أن مصر تنشد السلام، ولا تعتدى على أحد، وتعمل كرجل مطافئ لحرائق المنطقة، إلا أنها جاهزة ومستعدة للدفاع عن مقدراتها، والرد بعنف مفرط على أى اعتداء، وأن شعب مصر يتمناها «عين جالوت» ثانية، إذا فُرضت عليه، ليسدل الستار على نهاية المسرحية دموية!
Trending Plus