التلاحم الوطني

شهدتْ مصرُ في تاريخها ما يُبْرهن على ماهيّة التَّلاحم الوطنيّ، الذي أكدَّ في سياقه على صورة الاصْطفاف الشعبيِّ مع الدَّوْلة، ومؤسّساتها، وهنا أكدَّ الشَّعبُ المصريّ العظيمُ على مفهوم لم يردْ إلا في قاموس هذه الدَّوْلة؛ ألا وهو الوطنُ فوق الجميع؛ لذا لا تترك التَّحديات، والصُّعوبات، والأزمات، وحتى النَّوازل بكل صُورها أثرًا، لا في النُّفوس، ولا في حتَّى في البُنْيان، وهذا ما يجعل بلادَنا واحةً للأمن، والأمان، بل، إن الرُّوح المصريّة تسمو، وتصْفو في خِضمّ فيْض تُراثٍ ثقافيٍّ، محْفورٍ في الأذْهان، يزْخرُ بملاحمَ، وبطولات سطَّرت بماء من ذهب، في سِجلِّ شرف الأُمم، والشُّعوب.
التَّلاحمُ الوطنيُّ ليس شعارًا نتفوه به، ولا كلمةٌ لها مدلولٌ، ومعنى سطْحيٌّ، ولا مُجرَّد سرْدٍ، نخاطب به الوجدان، وفي القلب منه العاطفة؛ لكن مغْزى تُترْجمه ممارساتٌ على أرض الواقع؛ فتجد الشَّعب يعشقُ التَّكافلَ، ويسارع إلى مساندة، وتعْضيد مؤسَّساته، ويقدّم أغْلى ما يملك من أجل بقاء الدَّوْلة، ويحترم رموزه، ويؤكّد على ماهيَّة الولاء، والانتماء بمزيد من التضحيات من المال، والنَّفس، والدِماء؛ فلا مجالَ للتَّراجع، أو التَّخاذل، أو التَّردد في نُصْرة، وانتصار هذا الوطن، وبُلوغ غاياته العُلْيا.
فئات هذا المجتمع المتفرّد من الصعب أن تُفْرز فروق العطاء بين مُكوّنه؛ فالجميع ترى شهامته وقت الأزْمة، وإقباله في نجْدة الغير، ونُصْرته للحق، ومحاربته للظُّلْم بكافَّة صُوره؛ ومن ثم تجد في مصر الحبيبة إعلاءً لقيمة الرأْي العام، الذي يتمخّضُ عن مُعْتقد مُجْتمعيٍّ، مُنْسدلٍ من قيمٍ نبيلةٍ، تؤكد على مِصْداقيَّة الأقْوال، والأفْعال؛ فلا مكان للرياء، والنِّفاق حوْل قضايا الأُمَّة المصريَّة؛ إذ تُترْجمُ الأداءات ما يُشْفي الصُّدور، وهنا تسْتقرُّ الأنْفسُ حوْل ما يجمعها، وتدْحضُ ما يفرّقُها، ولا تتقبَّلُ رائحةُ الشَّائعاتِ المُغْرضة، التي تنْطلقُ من منصَّاتٍ مُغْرضة، تسْتهدفُ النَّيل من لُّحْمة هذا الشَّعب الأبيِّ.
جمالُ التَّلاحم الوطنيِّ، تراه جليًّا ليس في وقت الأزمات فقط، بل، في حالات التَّوافق، والانْسِجام، والتَّرابط من أجْل مسيرة البنَاء؛ فتجد الشَّعب عن بكْرة أبيه يؤازرُ مؤسَّسات الدَّوْلة فيما تبْذُله من جهود مضنية، وبنَّاءة حيال تدْشين المشْرُوعات القوْميَّة، وهذا ما يُسْهم في رفع الرُّوح المعْنويّة لدى قيادات الدَّوْلة، ويساعد في تقبُّل رؤى التَّنْمية المُسْتدامة في مجالاتها المُخْتلفة؛ حيث يزْخرُ المجتمعُ المصريُّ بالعديد من أصْحاب الخبرات المِعْطاءة، القادرين على تقديم كل ما من شأنه أن يحقق التَّقدم، والازْدهار لهذا الوطن السَّاكن في قلوب المصْريين قاطبةً.
روعةُ التَّلاحم الوطنيّ، وعظمتْه، تتجلّى في شعور كل مواطن مصريٍّ بانتمائه لكيانات هذا البلد الأَمين؛ فتجده يدافع ويحمي ويصُون، ويُقدّر، ويثمِّنُ، ويُعضِّدُ، ولا يقبل بالشرذمة، أو التفرقة، أو بصور الأفعال، التي تقللُّ الجهود، وتكرّسُ الإحباط؛ فدْومًا تجد البسْمة، لا تفارق الوجوه، والأمل لا يغيب عن الأذْهان، والطُّموح يلوُح في أُفُق الخيال، والسَّعي، والجدِّ، والاجتهاد، والاتْقان، وأشكال التَّعاون ترْصدها في الميدان؛ ففي مصر العظيمة تشاهد رُّوح الفريق، الذي لا يحقق الأهداف الكُبْرى فقط، بل، يعين العامّة على تجاوز الصعوبات، والمحن.
منْ يتحدث عن التَّلاحم الوطنيِّ، فيشير إلى صورة التَّعايش السِّلميّ في بلادنا؛ فهو يؤكد على فلْسفة الاحْترام، المُتبادل بين الأفراد، والجماعات، والكيانات، والمؤسسات؛ فالجميع يدْركُ ما له، وما عليه، ومنْ يصفُ التَّلاحمَ في صورة التَّكافلِ المُبْهرة وقت الأزمات؛ فهو يُبْرهن عن قُوّة النَّسيج المُجْتمعيّ، الذي لا يتقبَّلُ العوَز، ولا يرْتضى الدنيّة لمُنْتسبي هذا الوطن؛ حيث الخير يملأ القُلوب، والمحبَّة تجري في الدِّماء الذَّكيّة؛ لذا فهناك من يرْتأى أن التَّلاحم في مصر تراه في فخْر المواطن ببلده، واعْتزازه بانتمائه لها؛ فالهويَّةُ الوطنيَّةُ قيمةٌ في خُلْده راسخةٌ.
أزعم بأن التَّلاحم الوطنيّ سفينةُ النَّجاة لمصرنا الحبيبة؛ حيث البيئةُ المواتيةُ، التي توّفر لنا مناخًا داعمًا؛ لتحقيق ما نُنْشِّدْهُ، بل، تفتح لنا أبواب الإبداع، والابتكار، وتخْلق حالة من الطُمأْنينة، التي يدْعمُها الأمن، والأمان في عهْد قيادة سياسيّة رشيدة، قد مهَّدت الطرائق نحو نهْضة، لن تتوقَّفَ بمشيئة الرَّحْمَنِ.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر
Trending Plus