انتحال صفة أطباء.. شهادات وهمية وعيادات إلكترونية للنصب.. تزوير شهادات الطب جريمة تتخفى خلف "الاستشارات أونلاين".. ووزارة الداخلية تلاحق خطر يهدد حياة المواطنين.. وعقوبات صارمة للمتورطين

لم تعد جرائم التزوير مقصورة على الأوراق الرسمية أو العقود المالية فحسب، بل تطورت لتصل إلى تزوير الشهادات الدراسية، وخاصة في القطاع الطبي، حيث أضحى انتحال صفة طبيب مهنةً مربحة لبعض الخارجين عن القانون، الذين وجدوا في مواقع التواصل الاجتماعي منصة مثالية لاستقطاب ضحاياهم، وترويج أنفسهم كمتخصصين في العلاج الطبيعي أو الطب التجميلي أو حتى في مجالات دقيقة مثل التغذية والعلاج بالأعشاب.
في الوقت الذي يزداد فيه اعتماد المواطنين على الإنترنت للحصول على الخدمات، يظهر منتحلو صفة الأطباء، حاملين شهادات مزورة، غير مؤهلين، يعرضون "استشارات صحية" و"خدمات علاجية" مقابل مبالغ مالية، معرضين حياة المرضى للخطر المباشر، دون أي وازع من ضمير.
ضبط متهم ينتحل صفة طبيب علاج طبيعي
لم تكن وزارة الداخلية بعيدة عن رصد تلك الوقائع المقلقة، حيث كثفت من حملاتها الأمنية لضبط منتحلي الصفة، خاصة من يقدمون أنفسهم كأطباء عبر الإنترنت.
وآخر تلك الوقائع، ما كشفته معلومات وتحريات قطاع مكافحة جرائم الأموال العامة والجريمة المنظمة، والتي أفادت بقيام شخص مقيم بمحافظة الجيزة بإنشاء كيان تعليمي وهمي "دون ترخيص" في نطاق قسم شرطة مدينة نصر ثانٍ بمحافظة القاهرة، وادعائه العمل كطبيب علاج طبيعي.
وبحسب بيان الداخلية، فقد قام المتهم بتزوير شهادات دراسية في عدد من التخصصات الطبية، واستغلها في النصب والاحتيال على المواطنين، والترويج لنفسه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقد تم ضبطه وبحوزته عدد من الشهادات المزورة وطلبات الالتحاق وكتب دراسية، بالإضافة إلى أدوات طبية وأجهزة رقمية ثبت احتواؤها على أدلة تدين نشاطه الإجرامي.
خطورة انتحال الصفة الطبية
ويعلق اللواء خالد الشاذلي الخبير الأمني، على الواقعة بقوله: "انتحال صفة طبيب لا يعد جريمة تزوير فحسب، بل قد يُعتبر شروعًا في القتل أو تعريض حياة المواطنين للخطر.
الأجهزة الأمنية تتعامل مع هذا النوع من الجرائم بأقصى درجات الجدية، لأنه يمس الأمن الصحي للمجتمع".
ويضيف في تصريحات خاصة لليوم السابع: "هؤلاء الأشخاص يروجون لأنفسهم على السوشيال ميديا، ويستغلون جهل البعض وسعيهم للعلاج غير المكلف أو التجارب البديلة، ويقدمون وصفات وأدوية قد تكون سببًا في تدهور الحالة الصحية أو الوفاة".
العقوبة القانونية لتزوير الشهادات
من الناحية القانونية، يؤكد الخبير القانوني علي الطباخ أن "تزوير الشهادات الدراسية يُعد جناية وفقًا لقانون العقوبات المصري، وتصل العقوبة إلى السجن المشدد في حال استخدام الشهادة المزورة لتحقيق مكاسب مادية أو مهنية".
ويشير إلى أن "القانون يجرم كذلك انتحال الصفة، وخاصة حين يتعلق الأمر بالمهن الطبية، حيث تُضاعف العقوبات نظرًا لحساسية هذا النوع من الجرائم.
وفي بعض الحالات، يتم توجيه تهم الشروع في القتل، إذا ما ثبت أن المتهم قدم علاجًا خاطئًا ترتب عليه ضرر صحي جسيم".
تحايل تقني وترويج رقمي
أصبح المجال مفتوحًا أمام المزوّرين، مع ازدياد الاعتماد على الإنترنت في جميع جوانب الحياة، فيكفي أن يمتلك الشخص حسابًا على إنستجرام أو فيسبوك ويضع اسمًا يوحي بالتخصص الطبي، مدعومًا ببعض الصور في عيادة مزيفة، ليبدأ في تقديم استشارات مغلوطة مقابل تحويلات بنكية أو عبر تطبيقات الدفع الإلكتروني.
ويؤكد الخبير في أمن المعلومات، اللواء رأفت الشرقاوي، أن "منتحلي صفة الأطباء يستخدمون أساليب احترافية في الترويج لأنفسهم، بعضها مستورد من شبكات النصب الدولية، ويتعمدون إظهار مظاهر الفخامة والثقة على صفحاتهم، لتضليل الجمهور".
مواطنون ضحايا.. ومطالب بالمراقبة
بعض الضحايا لا يكتشفون وقوعهم في فخ النصب إلا بعد فوات الأوان. تقول سيدة: "تابعت طبيب علاج طبيعي على فيسبوك، وكان يبدو محترفًا، أرسل لي برنامج تمارين ووصفات، وبعدها أصبت بمضاعفات كبيرة، واكتشفت لاحقًا أنه ليس طبيبًا وتم القبض عليه منذ عدة سنوات".
وتطالب بوجود جهة رقابية متخصصة تتابع صفحات التواصل الاجتماعي، وتبلغ عنها فورًا حال التلاعب، إلى جانب نشر الوعي لدى المواطنين بضرورة التحقق من مؤهلات أي مقدم خدمة صحية.
تزوير الشهادات الدراسية، خاصة الطبية منها، جريمة تتعدى النصب المالي لتصل إلى تهديد مباشر لحياة المواطنين، وبينما تواصل أجهزة الأمن ملاحقة المتهمين، يبقى الوعي المجتمعي خط الدفاع الأول، وعلى المواطنين التأكد من مؤهلات أي شخص يدّعي تقديم خدمات صحية، وعدم الوقوع في فخ "الطبيب المزيف" الذي يتخفى خلف شاشة هاتف.
Trending Plus