سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 22 يونيو 1940 .. الملك فاروق يدعو زعماء الأحزاب والكبراء إلى قصر عابدين لبحث أمر السفير البريطانى برحيل حكومة على ماهر بسبب ميولها نحو إيطاليا والمحور فى الحرب

توجه السفير البريطانى فى القاهرة «لامبسون» إلى القصر الملكى فى الإسكندرية للقاء الملك فاروق يوم 17 يونيو 1940، وكان السفير قد «وصل إلى مرحلة الهياج»، بوصف الكاتب أحمد عزالدين فى تحقيقه ودراسته لمذكرات مصطفى النحاس باشا، مشيرا إلى أن هذا الهياج كان بسبب ما اعتبره ميول على ماهر، رئيس الحكومة، نحو إيطاليا و«المحور» فى الحرب العالمية الثانية بعد قرار إيطاليا دخولها، وإعلان حربها على فرنسا وإنجلترا يوم 10 يونيو 1940، وفى يوم 12 يونيو قرر مجلسا الشيوخ والنواب فى جلسة سرية عدم مشاركة مصر فى الحرب إلا إذا قامت إيطاليا بغزو الأراضى المصرية، وتدمير المدن عن طريق الجو، وقامت بغارات جوية ضد أهداف عسكرية مصرية.
يؤكد عزالدين أن «لامبسون» ناول الملك فاروق تقريرا وصورا تلقاها من الأميرال «إليوت»، قائد القوات البحرية البريطانية، تتضمن رصد أضواء على ساحل الإسكندرية لعدة ليال، وأن هذه الأضواء إما أن تكون إشارات للغواصات المعادية أو لتسهيل قيام الإيطاليين ببث الألغام، وكانت المفاجأة أن المنزل الذى ظهر فى الصور، وتنبعث منه هذه الأضواء، كان بحسب قول «لامبسون» لـ«فاروق»: «هو القصر الملكى الذى نجلس بداخله فى هذه اللحظة»، وأكمل «لامبسون» مفاجآته للملك فى كلمات حاسمة: «على ماهر يجب أن يذهب، أو أن يذهب سريعا جدا، ولن نوافق على عودته إلى القصر».
لم يستطع «فاروق» الاعتراض، ووفقا لعز الدين: «سأله فاروق مأخوذا عمن يرشحه ليشكل حكومة بديلة، أجاب لامبسون بأنه لا يقترح شخصا بعينه، ولكن منطق الأمور يتطلب أن يكون من يتولى الأمور قادرا على التعامل معنا بروح الود والتفاهم، ويسعى لتطبيق روح المعاهدة، فضلا عن أنه من الضرورى أن يحظى بتأييد البلاد»، يضيف عزالدين: «أن فاروق قال إنه يأبى التشاور مع النحاس، وأبدى لامبسون تفهما لذلك، لأن هناك مصاعب يمكن أن تواجه جلالته من جراء تشكيل النحاس للوزارة، وذلك لا يعبر عن طلباته، ولكنه أكد على ضرورة إشراك النحاس فى المفاوضات، ثم ختم لامبسون لقاءه بأن حذر الملك من اللعب بالنار، وألمح إلى أن الجنرال ويغل، قائد القوات البريطانية، ينتظر عودته».
غادر الملك «فاروق» الإسكندرية إلى القاهرة، وحسب عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «فى أعقاب الثورة المصرية - الجزء الثالث»: «استدعى جلالة الملك لفيفا من الكبراء وزعماء الأحزاب إلى قصر عابدين للتشاور، فاجتمعوا بالقصر يوم السبت 22 يونيو «مثل هذا اليوم» 1940 الساعة الخامسة مساء، وتبادلوا الرأى فيما يكون الجواب على هذا الإنذار، وكان الحاضرون هم، على ماهر، رئيس الوزراء، ومن رؤساء الوزراء السابقين، مصطفى النحاس، وأحمد زيور، وعبدالفتاح يحيى، ومحمد محمود خليل، رئيس مجلس الشيوخ، وأحمد ماهر، رئيس مجلس النواب، ورئيس الهيئة السعدية، ومحمد صالح حرب، وزير الدفاع، ومحمد توفيق رفعت، الرئيس السابق لمجلس النواب، ومحمد حلمى عيسى، رئيس حزب الاتحاد الشعبى، ومحمود بسيونى، الرئيس السابق لمجلس الشيوخ، وبهى الدين بركات، الرئيس السابق لمجلس النواب، ومحمد حافظ، رئيس الحزب الوطنى، مصطفى عبدالرازق، وكيل حزب الأحرار الدستوريين نائبا عن محمد محمود الذى اعتذر لمرضه، وعبدالحميد بدوى، كبير المستشارين الملكيين، وعبدالوهاب طلعت، وكيل الديوان الملكى، ليدون محضر الاجتماع.
افتتح الملك الاجتماع، ووفقا لـ«الرافعى»، فإنه أشار إلى المسائل التى سيتناولها، وطلب بحثها بكل حرية، ثم نهض وغادر، ودام الاجتماع إلى الساعة العاشرة مساء، وانتهى بالموافقة على استقالة وزارة على ماهر، ووضع الأمر بين يدى جلالته».
يؤكد عزالدين: فى صباح اليوم التالى «23 يونيو»، قابل الملك «لامبسون» مصحوبا بالجنرال «ويغل»، وشرح الملك للسفير ما حدث فى اجتماع الأمس، لكن «لامبسون» قال: «إن ذلك ليس كافيا»، ثم قرأ عليه رغبة بريطانيا العظمى، وهى «ضرورة وجود حكومة قوية لتنفيذ المعاهدة، وتتمتع بالتأييد فى البلاد، وبعبارة أخرى حكومة يوافق عليها النحاس، فيجب استدعاء النحاس واتباع نصيحته فى ما يتعلق بالتشكيل الفورى للحكومة»، ورفض «فاروق» ذلك فى البداية، وأبلغه «لامبسون» بأنه سينتظر الرد حتى غروب الشمس، وقبل أن تغرب الشمس كان على ماهر يقدم استقالته.
يذكر «الرافعى»: «دُعى الزعماء والكبراء إلى اجتماع آخر فى قصر عابدين يوم 24 يونيو، ليتشاوروا مرة أخرى فى توحيد الصفوف، وتأليف وزارة قومية تواجه الظروف العصيبة التى تجتازها البلاد، فأصر النحاس باشا على رفضه الاشتراك فى هذه الوزارة ولو كان رئيسا لها، وطلب تأليف وزارة محايدة يكون أول عمل لها حل مجلس النواب، وإجراء انتخابات حرة عندما تسمح الظروف، وفى 27 يونيو قبل الملك استقالة الوزارة، وكلف حسين صبرى بتأليف وزارة جديدة».
Trending Plus