عصام عبد القادر يكتب عن جيل ألفا: الخصائص المتفردة.. الاحتياجات المتعددة.. الرؤى المتنوعة.. النتاجات المتوقعة

جيل القرن الحادي والعشرين، الذي وُلد بعد مرور عشر سنوات، من بداية القرن، أي بمثابة عقْد من الزَّمن، أُطلق عليه جيل ألفا، والذي يمتدُّ إلى منتصف العقْد الثالث من القرْن الحاليّ، فقد رأينا تطورًا تقنيًّا، غير مسبوق، استفاد منه هذا الجيل بأكمله، وما زال؛ ومن ثم لا جدالَ حول امتلاكه خصائص مُتفرّدة؛ نتيجةً للتأثير المباشر بالتطبيقات، والأدوات التقنيّة، عبر الفضاء الرَّقميّ، الزاخر بالخبرات المتنوّعة، في مجالاتها المختلفة، ناهيك عن سُهولة التداول، والتدفُّق السَّريع عبر الشبكات فائقة السُّرعة.
أعتقد أن جيل ألفا له سماته المميّزة، واحتياجاته المُتفرّدة، ومهارات تفكير متعددة قد لا نعرفها؛ فممّا لديه من قدرات، ومقوّمات، واستعدادات، يحثُّنا بصدق على أن نحْسِنَ توْظيفها في إطارها المُنتج؛ ومن ثم يتوجَّب أن نُعيدَ النَّظر في الاستراتيجيات، والطرائق، والأساليب التدريسيّة، أو التعليميّة، التي نُقدّمها إلى هذا الجيل، كما أن إطار التقويم، ينبغي أن يقوم على فلسفة التوازن بين مكوّنات الشخصية، التي باتت تمتلك المعرفة، وما يتمخَّض عنها من خبرات متنوِّعة، بكل سُهولة، ويسر؛ لنضْمنَ ثمرة نواتج هذا التقويم ، التي تأخذ صفة الاسْتدامة، وتجعله يفْطِنُ إلى ضرورة التقييم الذاتيِّ له.
إعادة النَّظر من قِبل مُتخصصيِّ المجال في العملية التعليميّة، تجاه المحتوى الخبراتيِّ، الذي يُقدَّم إلى هذا الجيل، قد أصبح ضرورة ماسّة؛ كي نضمنَ أن نسْتثمر الطاقات، بصورة إيجابيّة، ولا نجْعله يتمرّد على المنافع، التي تتمخَّض عن اكتسابه لهذه الخبرات، وهنا أتحدث بصورة واضحة على وظيفيّة الخبرة، سواءً في إطارها العمليّ، أو العلميّ، أو الحياتيّ؛ ومن ثم يستطيع أن يشاركَ هذا الجيل، بكل قُوَّة في بناء مسْتقبله، ويضع السيناريوهات، التي يمُكِّنه أن يؤديَ المهام، التي يُكلَّف بها، من خلال خطط طويلة المدى.
كثيرًا ما ينْتابُنا الشُّعور بالقلق، تجاه ما قد يعاني منه أفراد جيل ألفا؛ فقد غدى الجلوس أمام الشَّاشَّات بالسَّاعات المتصلة الطويلة، أمرًا يشكو منه الكثيرُ، وهذا يجعلنا نخطِّطُ لأنشطةٍ بدنيةٍ، تساعدهم في التنقُّل، والانتقال، وتغيير الحالة؛ ليكتسبَ المرونة الجسديّة، والحيويّة الَّلازمة؛ كي تعمل وظائف الجسْم لديه بصورة جيدة، وهنا نمعِّن في طبيعة هذا النَّشاط؛ ليختار الابنُ ما يتناسب مع قدراته، ولا نجْبره على نشاط، قد لا يميل إليه، كما أنه قد لا يمتلك مقوِّمات أداءات النشاط، الذي نختاره له؛ فالغاية من وراء الأنْشطة البدنية، يتمثل في إكسابه الصِّحة العامة، التي تنعكس إيجابيًّا على صحته النفسيَّة، ومستويات الرِّضا الذاتيّ لديه.
عندما تظهر بعض الأعراض، التي تُعَدُّ مؤشرات لمشكلات صحيّة؛ ينبغي أن نتدخل قبْل تفاقُم الآثار المُتوقَّعة، وهذا يضعُنا تحت مسئوليَّة كُبْرى؛ ألا وهي الرِّقابة عند الاسْتخدام الرَّقميّ المُتواصل؛ فهناك راحة للجسم، مثل ساعات النَّوم، وصورة للتغْذية الصحيَّة، بعيدًا عن الوجبات السَّريعة، التي قد تُصيبُ الفرَّدَ بالبَدانة، وتقلِّلُ من مستويات المناعة لديه بشكل مُضَّطَرد، ناهيك عن مستويات الإدْمان، التي نلاحظُها في الجلوس أمام الألعاب الرَّقميَّة؛ إلى ساعات غير مُحدَّدة، وهنا لا بد من التوجيه، والمتابعة، بصفة مُستمرّة.
أبناء جيل ألفا، لديهم استعداد لهجْر الواقع، والإبْحار، والغوْص، والتعمُّق، في غيابات العالم الافتراضيِّ، أي إمكانية الاْنفصال التام عن المحيط، وهنا نلاحظ أن الفرد يستمتع وفق قناعته الخاصة بمفردات ما يتمخَّضُ عن التقْنية، من برامج، وتطبيقات، وأدوات، يوظِّفُها ببراعة، وهذا يجعلنا متيقِّظين إلى تلك الخاصيَّة، التي تبْدو واضحة في ممارسات هذا الجيل؛ ومن ثم فإنه لا بد أن نعملَ على إحداث توازنٍ مقصودٍ؛ للربط بين الواقع الافتراضيّ، وحياتنا الطبيعيّة بأحداثها، والوقائع المُتجدِّدة فيها، وهذا يُمْكن أن نُحقَّقَه، من خلال إتاحة الفُرَص، لانْغماسه في مناشطَ حياتيَّة، ومهام واقعيَّة، يمارس فيها الفرد أفعالًا بعينها؛ لنضمن أن إدراكه بمحيطه على المُسْتوى المرضيّ، وأن سلوكياته قويمة في مُجْملها.
أرى أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحدِّ؛ فهناك أهمية قصْوى تجاه إكساب هذا الجيل، لمهارات التواصل الكُلِّية المباشرة، ولا أقصد الرَّقميَّة؛ فهو يُتْقنها بالفعل؛ لكنَّ التعامل مع الآخرين، وفق مهارات نوعيّة، تتضمن مشاعر، وأحاسيس، وعاطفة مُتَّزنة، تحتاج إلى دعم منَّا؛ كي لا يُصَابُ الابنُ بالفُتُور، والتبلُّد، ويفقد مسئوليّاته الاجتماعيّة الأساسيّة منها، والثانويّة على السَّواء؛ فهناك حالات قد بدتْ عليها ملامح العُزْلة، والانطوائيّة، جرَّاء التعامل المفرط مع العالم الرقميّ، وأعتقد أن هذا من التحديات الجمَّة، التي يتوجب أن تُؤْخذ في الاعتبار، وأن تُعالجَ بسرعة دون تردد، أو تفكير.
التربية على القيم النبيلة، لا جدال حولها؛ فهي مطلبٌ رئيسٍ، يحقق ماهية الأمان الرقميّ، ويجعلنا مطمئنين على هذا الجيل، من الانْزلاق نحو المسارات، والمداخل غير السوية، وما أكْثَرها، وأسْهلها عبر الفضاء المُنْفلت؛ ومن ثم يتوجب أن نغرسَ ممارسات تلك القيم بصورة مقصودة، ووظيفيّة، لدى الأبناء، ونتابع أشكال الاتصاف القيميّ، المُرْتقب التَّحلِّي بها، من خلال العديد من المواقف الكاشفة؛ كي نستمر، ونواصل، عمليات إكْساب الخبرات، وتقويم السُّلوك، دون كلل، أو ملل من هذا الأمر، في إطار تربية، تستهدف حماية هذا الجيل؛ ليصبحَ من أدوات البناء الفعَّال، في وطننا الحبيب.
في إطار العمليّة التعليمية، وما تُقدّمه لهذا الجيل من أنشطة فعَّالة، ينْسدلُ منها مهام فرْديّة، أو جماعية، يؤديها المُتعلّمون، نجد أنه قد ثمَّتْ ضرورة أن نراعي مواصفات ما يُقدَّم إلى هذا الجيل؛ حيث يصْعُب أن يكتسب الفرد المهارات المُتشعِّبة، أو المُركَّبة؛ لكن يسهل عليه التمكُّن من المهارة في سياقها المُبسَّط، وقصير الأداءات، والممارسات، كما يُفضَّل أن يكون للتعلم البصريّ جانبًا كبيرًا في عرْض أوجه الخبْرة؛ ليحدث التفاعل السَّريع مع مُكوِّنُها، وأن تقدم مُتلُّون الخبرات قدْر الإمكان عبر البوابة الرَّقميَّة؛ حيث تفاعله، وتجاوبه السَّريع، مع أدواتها، وهذا لا يعني أن نحْرمه من صور تعلُّم الخبرات المباشرة، التي تعتمد على المهارات اليدويَّة، والرؤْية الواقعيَّة؛ فالتَّوزانُ مطلوبٌ، ويحدث أثرًا فعَّالًا، ويؤكد أن المناخ الاجتماعيَّ بالمؤسسات التَّربويَّة، له من الفوائد ما يصعب حصْره.
أضْحى الاهتمام بالذكاء الاصْطناعيِّ، مُتمثِّلًا في تطبيقاته، وأدواته المُتعدَّدة، والمُتجدَّدة، والمُسْتحدثة، من الأمور التي ينبغي أن تُوظَّفَ في إكساب الخبرات، لدى أبناء هذا الجيل؛ فإذا ما امتلك الفرد المقْدرة على الاسْتخدام، والتَّوْظيف، قد صارتْ الفوائدُ لا حصْر لها، على كافَّة المستويات، سواءً المُتعلِّقة بعمق الخبرة المُكْتسبة، أو مستويات التمكُّن لدى الفرد، أو النَّواتج المُثْمرة، التي نتحصَّل عليها، أو جاهزيَّة الفرد؛ لاسْتكمال مسارات التَّعلم الابتكاريِّ، والتَّنافسيِّ، الذي يجعل طاقاته مُفْعمة، تجاه حُبِّ الاسْتطلاع العلميِّ، على وجه الخصوص؛ ومن ثم يصبح مواطنًا صالحًا، نافعًا لمحيطه، ووطنه، بل، للبشريَّة جمعاء.
نحن في أشدِّ الاحتياج إلى أن يستغلَّ الواقع الافتراضيِّ، في حلِّ ما قد نواجه من تحديات، ومُشْكلات، في العديد من القضايا بمجالاتها المختلفة؛ فمقدرة الفرد على التفكير المُنْتَج؛ حيث إمكانية أن يكون باحثًا صغيرًا، يجمع المعلومات من مصادرها الموثوقة، ويُحلِّلُها، ويخرج منها بمعطيات، تُثْري مقْدرته على فرْض فرْضيات ذكيَّة، تُعَدُّ بمثابة حلول مؤقتة، يختار الأفضلَ منها، في ضوء معايير، ومحكَّات، مُعْترفُ بها؛ فهذا في حدِّ ذاته يُعَدُّ ثمرةً يانعةً؛ لنتاجِ هذا الجيل المُتفرِّد في خصائصه، دون جدالٍ.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
Trending Plus