مرثية إغلاق متحف الخط العربي فى الإسكندرية

لقد كانت صدمة كبيرة لي حين ذهبت لزيارة متحف الخط العربي في الإسكندرية، لأجده مغلقًا منذ عامين. وهو أحد مكونات مجمع الفنون الذي أسسته بلدية الإسكندرية عام 1949، والذي ضم مكتبة بلدية الإسكندرية التي تعتمد نوادرها على مكتبة إبراهيم باشا بن محمد علي، وتبرعات أفراد من أسرة محمد علي وبعض رجالات الإسكندرية.
صمم هذا المجمع المعماري فؤاد عبد المجيد، وافتتحه قادة ثورة يوليو في عام 1954. وكان الوزير فاروق حسني قد ضمه إلى وزارة الثقافة، فصارت المكتبة تتبع دار الكتب، بينما تتبع المتاحف قطاع الفنون التشكيلية.
وفي عام 2015، افتتح الوزير السابق الدكتور عبد الواحد النبوي في المجمع متحفًا للخط العربي، ضم مقتنيات لفنان الخط السكندري محمد إبراهيم (1909 – 1970)، كانت ضمن معرض نظّم عام 1970، وتُوفي في ذات العام دون أن يسترد لوحاته، لتبقى فتكون نواة المتحف. كما ضم المتحف مقتنيات من خبيئة عُثر عليها عام 1993 في وكالة الغوري على يد الفنان عز الدين نجيب.
متحف الخط العربي في الإسكندرية، الذي أُغلق منذ عامين بسبب "النمل الأبيض" حسب ما يُشاع، هو – للأسف – المتحف الوحيد في مصر المخصص للخط العربي، وإغلاقه يُعد كارثة يجب المسارعة في معالجتها.
خاصة أن المتحف، بمقتنياته، كان جزءًا من حراك بدأته مكتبة الإسكندرية لتعظيم دور مصر في مجال الخط العربي، واستعادة مكانتها لتنافس تركيا وإيران.
بدأت المكتبة بإصدار مسح للخط العربي في مصر في عصر أسرة محمد علي، صدر في موسوعة كبيرة لاقت نجاحًا. ثم أصدرت عددًا من الكتب الوثائقية لفناني الخط العربي، ودراسات تؤرخ للخط العربي عبر العصور، كما نظّمت معارض نوعية للخط.
إلا أن المدهش أن إغلاق متحف الخط العربي في الإسكندرية جاء مواكبًا لتراجع دور مكتبة الإسكندرية في هذا الحقل، الذي كانت قد تفوقت فيه.
إن ما لا يدركه المشرفون على المتحف والقائمون على الخط العربي في مصر، أن المنافسة باتت شديدة في ظل صعود اهتمام تركيا وإيران بهذا الفن، وقد بدأت السعودية الدخول إلى هذا المجال، فأسّست برنامجًا طموحًا للخط العربي، وافتتحت الشارقة متحفًا للخط العربي، بل إن الأستاذ هشام مظلوم، الخطاط الإماراتي، حوّل بيته إلى متحف للخط، يزدان كل ركن فيه بالخط العربي.
ومن جهة أخرى، فقد أسّس الأستاذ طارق رجب في الكويت متحفًا للخط العربي، كما تتبنى الكويت الخط العربي من خلال مركز الكويت للفنون الإسلامية.
بل إن دبي تصدر مجلة "حروف عربية" عن ندوة الثقافة، بإشراف المثقف الإماراتي الأستاذ محمد المر، وهي من أكثر المجلات المتخصصة في الخط العربي انتشارًا.
أما في مصر، فإن وزارة التربية والتعليم تقلص مدارس الخط العربي التي افتتحها الملك فؤاد، والتي كان هدفها أن تتبوأ مصر الريادة في هذا المجال.
وفي احتفالية مئوية مدرسة خليل أغا، غابت الوزارة تمامًا، بينما قام محبو الخط العربي بتنظيمها، مثل الدكتور ممدوح الكرماني والمهندس ياسر الكرماني.
وفي الوقت ذاته، يبذل شباب الخطاطين جهودًا مضنية لإحياء فن الخط العربي، عبر مدارس أسسوها مثل: مدرسة مداد، ومدرسة القلم، ومدرسة مؤسسة الحلقة.
وقد قادت هذه الجهود إلى احتلال مصر مكانة متقدمة دوليًا في هذا المجال.
فبعيدًا عن الدور الخافت لكل من وزارة الثقافة ومكتبة الإسكندرية، فإن الجهود الفردية هي التي تحفظ لمصر مكانتها في مجال الخط العربي.
فهل يدرك وزير الثقافة أهمية الخط العربي؟
وهل يدرك أنه أداة من أدوات القوة الناعمة لمصر؟
وأن في مصر خطاطين شبابًا مبدعين، على حداثة تجربتهم، لهم مكانة على الصعيد الدولي؟
بل إن وقف مكتبة الإسكندرية لنشر كتالوجات ودراسات الخط العربي – وهو سد لثغرة لا يستطيع غيرها القيام به – يُعد تراجعًا عن أداء دورها المهم.
خاصة أن بعض مطبوعاتها في الخط العربي حازت على جوائز، وأن متحف الفن الإسلامي في ماليزيا شاركها أنشطة في هذا المجال.
كما أن المكتبة كانت تخطط لمعرض في بهو اليونسكو بباريس عن تراث الخط العربي في سوريا، بعد أن أصدرت دراسة مسحية له بعنوان "ديوان الخط العربي في سوريا".
هذه مرثية، وقد تكون جرس إنذار.
Trending Plus