أمريكا وإيران.. أكثر من اللطم والتصفيق فى مباراة «الطائرة والصاروخ»

قد يكون علينا طوال الوقت أن نجدد التأكيد على أن ما يجرى من صراع فى الإقليم هو صراع مفتوح ومتداخل ومتقاطع مع تفاصيل وعلاقات وخداع وتعتيم ومعلومات بعضها مفبرك أو مغسول، وأن الكثير مما يتم منذ هجمات إسرائيل على إيران، ثم القصف الأمريكى، كلها بدت متوقعة ضمن سيناريوهات التوقع، وتداعيات وانعكاسات 7 أكتوبر 2023، مهما حاول البعض اللف والدوران حول هذه النقطة، وأول خطوة الابتعاد عن اليقين المضلل، والاعتراف بأخطاء التوقع.
الهجمات والقصف الأمريكى لمنشآت إيران النووية، تطور لسياقات ومقدمات تجرى طوال شهور علنا وعلى الهواء، بل وتتبادل فيها الأطراف التهديدات وتعلن عن أهدافها بشكل متواصل، فقد منح الرئيس الأمريكى إيران مهلة 60 يوما، وفى اليوم 61 بدأت الطائرات أمريكية يقودها إسرائيليون فى قصف إيران وتنفيذ اغتيالات لقيادات عسكرية ونووية، وردت إيران بالصواريخ الباليستية، طويلة المدى، وأوقعت خسائر فى جبهة الاحتلال، ثم هدد ترامب بدخول الحرب فى حال رفضت إيران التوقيع، وبالفعل بدأت طائرات بى 52، بقنابل خارقة للتحصينات، مثل قذائف تم بها اغتيال الأمين العام الأسبق لحزب الله حسن نصر الله، بقذائف خارقة، وهى لا تترك أثرا كبيرا وحجم الدمار مهول، هى حرب تدور علنا وتتجاوز معلقى المباريات وتوقعات المتوقعين وتنظيرات تقارن بين الستينيات من القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين.
الصراع كان واضحا من بدايته أنه يختلف عما سبق طوال عقود، وبالتالى فإن القوالب الجاهزة لا تصلح لفك ألغاز صراعات وحروب اتخذت أشكالا وتفاصيل مختلفة وتتشعب لتعيد رسم سيناريوهات تبدو فى الكثير من الأحيان بعيدة عن التوقعات الجاهزة، بجانب أنها أنتجت تحولات فى مواقف القوى الإقليمية بصورة غيرت من مفهوم النفوذ والقوة.
ظهرت إيران فى خلفية عملية 7 أكتوبر، ضمن عملية استعراض وتفاخر بأن طهران خلف العملية، بدت كأنها إشارة بدء لعملية تفكيك وتركيب فى المنطقة، بدأت بوكلاء إيران، حزب الله، وفى سوريا تم تغيير جذرى لم يكن ممكنا طوال أكثر من 13 عاما، كانت مواجهة كشفت عن ضعف جبهات وكلاء إيران، مع الوقت، واستمرت تداعيات 7 أكتوبر، وانتقلت من غزة إلى جنوب لبنان وسوريا، وإيران، وهو ما بدا منذ شهور مختلفا، وواصل الاحتلال حربا تقترب من العام الثانى، على عكس توقعات كانت تشير إلى عجز إسرائيل عن حروب طويلة.
ومن ثوابت السياسة الدولية أن النظام العالمى نظام مختل ومزدوج، من عقود وليس الآن، فقد غزت الولايات المتحدة العراق فى أبريل 2003، ودمرته وفككت مؤسساته الأمنية والعسكرية، وقسمته ومنحت مقدراته يوما لطهران، بل تم إنتاج دستور طائفى وعرقى أدخل العراق فى صراع يكاد يخرج منه الآن، وبالتالى فكون أمريكا تعتبر إسرائيل حاملة طائرات أمريكية، أو أن التحالف الاستراتيجى بصرف النظر عن الديمقراطيين أو الجمهوريين، أو اليمين، فهو سباق بين يمين متعصب ويمين شديد التطرف.
وبالتالى الأمر أكبر من انخراط متفرجين فى تشجيع وتصفيق وتصفير، ولايكات وتحليلات تفرضها العزلة الافتراضية، وتعكس عن مأساة الخلط بين الأحلام والماضى، وبين واقع يتغير بشكل هندسى وتحولات فى التجسس والمعلومات والاختراقات، بل وحتى التساؤل عن جدوى صراع صفرى مقابل حيازة سلاح دمار شامل يستحيل استخدامه، وهى تضحيات كلاسيكية، يختفى خلفها الهدف، أو الطريق.
العالم أمام لحظات تتطلب محاولة قراءة من كل الزوايا، بعيدا عن التهوين والتهويل، وطريقة ألتراس كرة القدم، أو الجلوس فى مقصورات المتفرجين والتلاسن والمبارزات اللطيفة، التى لا تغنى ولا تجيب عن أسئلة، والإقليم أمام صراع ممتد لأكثر من 18 شهرا، شهدت تداعيات وتحولات يبدو بعضها مخططا، والبعض الآخر فرضته تطورات المواجهة، تتطلب دراسة وفهما بعيدا عن القوالب الجاهزة، أو البكائيات التى تظل مجرد طاقات مفرغة من دون محاولة لفهم واقع ظاهر جدا وكل مرحلة تسلم الأخرى، وليس مجرد استوديو تحليلى بين جمهور ناديين يتبادلان الخسارة، فى عالم افتراضى، نصفه يتبادل اللطم، والنصف الآخر تبادل التصفيق.
قصفت أمريكا المنشآت النووية الإيرانية، وردت إيران بقصف تل أبيب، وهددت بإغلاق مضيق هرمز، ليبدأ فصل جديد من صراع إقليمى، قد ينتهى باتفاق، أو كارثة.

مقال أكرم القصاص
Trending Plus