الحسد بريء حتى تثبت الإدانة

في كل مرة يتعثر فيها أحدهم، نسمعه يقول بصوت محمّل باليأس والاتهام: "أكيد محسود"، وكأن الحسد بات شمّاعة نعلّق عليها كل خيباتنا، صغيرها قبل كبيرها، وعجزنا قبل قدراتنا.
أصبح "عين الناس" تبريراً سهلاً لا يحتاج إلى دليل، ولا يتطلب مراجعة ذات، ولا حتى لحظة صدق مع النفس.
نعم، الحسد ذُكر في الكتب السماوية، وهو حق لا يُنكر، لكن الحق أيضاً أن لكل فشل أسبابه، ولكل سقوط تمهيد، لا يصح أن نُلقي بعجزنا في حضن "العين"، ونهرب من المواجهة.
هل الحسد هو من جعلنا نتكاسل عن تطوير أنفسنا؟ هل هو من كبّلنا بالخوف من التغيير؟ هل هو من كتب لنا خطة بلا تخطيط، وحلم بلا عمل؟
الاعتراف بالفشل فضيلة، لا يجرؤ عليها إلا من أراد فعلاً أن ينهض، من لا يعترف، سيظل يدور في فلك الأعذار، يلوم "العيون" ولا يرى أن عينه عن ذاته عمياء، الأسهل دائماً أن نجد عدواً خارجياً نُحمّله ذنب ما نحن مسؤولون عنه، لكن الأصعب، والأصدق، أن نغوص في دواخلنا لنفتش عن السبب الحقيقي.
كم من إنسان لم يُحسَد قط، ورغم ذلك لم ينجح؟ وكم من آخر، حُسد حتى ظن الجميع أنه لن يقوم من عثرته، فإذا به ينهض ويُبدع؟ المسألة ليست في العيون، بل في العزائم، في الجهد والإرادة، وفي المراجعة الدائمة للأخطاء.
من المريح أن نقول إن "الناس لا تحب لنا الخير"، لكن من المؤلم والمفيد أن نقول: "أنا أخفقت هنا، وقصّرت هناك، ولم أستعد جيداً"، الحسد قد يؤذي، لكنه لا يقتل حلماً صادقاً، ولا يُسقط طموحاً يسنده العمل.
لننزع الغشاوة عن أعيننا قبل أن نلوم أعين الناس، ولنجعل من كل إخفاق مرآة نرى فيها ما يجب تعديله، لا سوطاً نجلد به "الحسد"، نحن أولى بأن نحاسب أنفسنا، بدلاً من أن نُحاكم الآخرين في محكمة الوهم.
Trending Plus