سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 23 يونيو 1937.. حكومة الوفد ترفض تنصيب الملك فاروق فى حفلة دينية وتسليمه سيف جده محمد على.. و«النحاس» يوسط «التابعى» لإقناعه والأزهر وجماعة الإخوان يؤيدان إقامتها

عقدت الحكومة اجتماعها فى 23 يونيو، مثل هذا اليوم، 1937، وقررت بالإجماع رفض الاقتراح الخاص بإقامة حفلة دينية يتم فيها تنصيب الملك فاروق ملكا على مصر، ورأت الحكومة الوفدية برئاسة مصطفى باشا النحاس، أن الاحتفال مجال وطنى عام يجب أن يتبارى فيه سائر المصريين مسلمين وغير مسلمين، وفقا للدكتورة لطيفة سالم فى كتابها «فاروق وسقوط الملكية فى مصر».
تضيف سالم: «رفض النحاس أن يدعى للملك دعاء خاصا فى أول صلاة الجمعة ثم يتلى فى المعابد اليهودية يوم السبت، وفى الكنائس يوم الأحد، وأن يكون الاحتفال تحت قبة البرلمان، حيث يؤدى الملك اليمين الدستورية، وبذلك استبعدت الوزارة الحماية الدينية على سلطة الملك، وأصرت أن يستمدها من البرلمان الوفدى فقط، ووافق رئيس الوزراء على أن يزور الملك قبر محمد على دون أى مظهر دينى».
كان الأمير محمد على الوصى على عرش فاروق قبل أن يبلغ سن الرشد هو صاحب فكرة تنصيب الملك فاروق فى حفلة دينية، يدعى فيها الأمراء وكبار الرسميين وممثلو الهيئات السياسية وكبار العلماء والشيوخ والقضاة، ويقف شيخ الأزهر بين يدى الملك ويدعو له ويتلو صيغة معينة يجيب الملك عن كل سؤال فيها، ويقسم اليمين الخاص بالولاء لشعبه والبر بقوانينه والعمل على رفاهية الأمة وإسعادها، ثم يقدم إليه شيخ الأزهر سيف محمد على، ورأى الأمير أن يكون الاحتفال متناسبا مع مكانة مصر الإسلامية، وعكف على دراسة ما كان يقوم به السلاطين العثمانيون يوم الاحتفاء بارتقائهم العرش، وانتهى منها إلى فكرته.
تذكر لطيفة سالم، أن الأمر لقى تأييدا فى الدوائر الأزهرية، واجتمع العلماء وتباحثوا، واستقر رأيهم على أن يذهب إلى سراى الأمير وفد يمثلهم ليؤيد تلك الخطوة ويباركها، كما لقيت الدعوة تأييدا من جماعة الإخوان، وتذكر الدكتورة أمل فهمى فى كتابها «الملك فاروق والخلافة الإسلامية» أن مرشد الجماعة حسن البنا، قال: «كان المسلمون فى الخلافة يرجعون إلى الخليفة فأين هو الآن، لا بد أن نعمل جميعا على إيجاده».
كان «فاروق» وقتئذ فى رحلة طويلة إلى أوروبا بدأت من 27 فبراير 1937، وخلالها سافر مصطفى النحاس إلى لندن ومر على باريس لمقابلة الملك، وكان الكاتب الصحفى محمد التابعى هو الصحفى الوحيد الذى كان مرافقا للملك وأسرته وحاشيته فى رحلة أوروبا، وكان شاهدا على ما دار بخصوص هذه الحفلة بل كان له دور رئيسى فى إلغائها، ويذكر فى كتابه «من أسرار الساسة والسياسة»: «بعد مقابلة النحاس بالملك والتى لم تطل أكثر من دقائق، خرج النحاس ومكرم عبيد، وكان النحاس متجهما، ولم يكد يرانى حتى أشار إلى أن أتبعه، ونزلت معهما إلى بهو الفندق، وأخذ النحاس بذراعى وقال: اللعب بدأ من دلوقتى، قلت: خير يا رفعة الباشا، قال: لا، مش خير أبدا، الملك كلمنى عن حفلة التولية التى ستقام بعد عودته إلى مصر، وعايز حفلة تقام فى القلعة، آه فى القلعة، وشيخ الأزهر يقلده فيها سيف جده محمد على، والأمراء يكونوا حاضرين ولابسين الهدوم اللى كان جدودهم بيلبسوها أيام محمد على».
يضيف التابعى، أن النحاس ذكر له نصوص الدستور فى هذا الموضوع، قائلا: «الدستور بيقول إن الملك قبل أن يتولى سلطاته ويباشرها يقسم اليمين الدستورية أمام الهيئة المشتركة من أعضاء مجلسى الشيوخ والنواب، آه هو ده اللى بيقوله الدستور، ومفيش حاجة فيه عن سيف جده محمد على، ولا عن الأمراء وهدوم الأمراء، ولا عن شيخ الأزهر، وأنا مش فاهم شيخ الأزهر ماله ومال مباشرة الملك لسلطاته الدستورية»، ويؤكد التابعى، أن مكرم باشا تدخل فى الحديث وقال: «البركة فى الأستاذ التابعى، يحل لنا الإشكال ده».
يذكر التابعى، أنه عرض المسألة على أحمد حسنين باشا، رئيس الديوان، الذى قال إنها مسألة سياسية وهو لا شأن له بالسياسة، واقترح عليه أن يتحدث مع الدكتور حسين حسنى مساعد سكرتير الملك، فتحدث معه، موضحا أن هذه الحفلة ليست من مصلحة الملك لأنها شبيهة بتتويج ملوك المسيحية، وخصوصا حفلة تتويج ملك إنجلترا، يؤكد التابعى: «فى اليوم التالى، قال حسنى إنه نجح والحمد لله، وأن «مولانا» تنازل عن فكرة حفلة القلعة، وأن برنامج حفلات التولية سيقتصر على حفلة أداء اليمين الدستورية أمام أعضاء البرلمان، وفى مساء نفس اليوم تقام حفلة عشاء تعقبها حفلة ساهرة فى قصر عابدين، واليوم التالى حفلة استعراض الجيش، ثم يستقبل الملك فى اليوم الثالث الأمراء ورجال السلك السياسى الحاليين والسابقين والشيوخ والنواب وكبار الموظفين وطوائف وهيئات البلاد، وفى أول جمعة يؤدى جلالة الملك صلاة الجمعة فى الأزهر الشريف».
يؤكد التابعى: «أسرعت عائدا إلى الفندق، وطلبت مكرم عبيد باشا فى جنيف، وأبلغته، وانطلق مكرم وفى صوته رنين الفرح يهنئنى على توفيقى».
Trending Plus