عصام عبد القادر يكتب: المناهج المتكاملة ودورها الوظيفى فى تربية جيل ألفا.. استثمار التفرد المهارى.. تعضيد الهوية الوطنية

يتفرد المجتمع المصري بثوابت نبيلة، تشكل هويته الوطنية، وتجعله قادرًا على مواجهة الأزمات والتحديات، خاصة في ظل تحولات غير مسبوقة في مجالات الحياة المختلفة، وإذا ما تحدثنا عن الثورة الرقمية، التي غزت مفردات الحياة بكل صورها؛ فإنه بات من الضروري أن تعمل مؤسساتنا التربوية على إعداد جيل قادر على العطاء، في كنف الفضاء الرقمي، وما يحويه من ثروات معرفية؛ حيث الانتقائية والتوظيف، بما يتناغم، وينسجم، مع قيمنا التي تدعم سياق السلوك المنضبط؛ ومن ثم غرس الفضائل، واضحة المعالم، المرئية في صور التعاملات مع الآخر.
تربية الجيل، تعتمد على تقويم السلوك، بصورة مستدامة؛ لذا تُعد محتويات المناهج التعليمية بمثابة المستودع، التي نأخذ منه الخبرات، ونقدمها بصورة احترافية للمتعلم، الذي يمتلك مفردات التعاطي الرقمي، ويميل إلى الإبحار عبر المنصات الرقمية؛ ليتحصل على عمق المعارف، ويتعرف على أداءات مهارية مفصلة، بما يجعله راضيًا عن مستويات تقدمه، وفق قدراته الخاصة، وهنا نبحث عن محتوى الخبرة المتوازن، الذي يجمع بين الفائدة المادية والمعنوية، ويصقل ملكات نوعية لدى الفرد، بل، يحفزه على بذل أقصى ما لديه من جهد؛ كي يصل إلى نتاج يشعره بالفخر والرضا عن الذات، ويمكنه أن يدفعه لمزيد من استمرارية التعلم.
الجيل ألفا في حاجة ماسة إلى وظيفية القيم النبيلة، من خلال ما قد يكتسبه، من فيض خبرات، سواءً أكانت رقمية ،أم في صورتها الاعتيادية التقليدية، وهنا نتحدث عن ترجمة المناهج بكل أنواعها للمواقف، التي تخلق في ثناياها شغف مطالعة الاتصاف القيمي؛ حيث نركز على مخاطبة الوجدان، بعد التعرض للمعرفة وتطبيقاتها؛ فيدرك الفرد ماهية الأمانة في التوصل لنتائج تجربته، ويعي أهمية الموضوعية في الحكم على الأمور، بعد مطالعة بواطنها، ويتفهم ثمرة الاحترام والتقدير، نتيجة لجهود بذلت بشكل حثيث من قبل الآخرين، ويوقن أن تحمل المسئولية، سبيل لتحقيق الغاية، وإحراز النجاح.
هذا الجيل، رائع التكوين، لديه إدراك لما يدور حوله من تحديات؛ نتيجة لامتلاكه لمهارات التفكير الناقد على وجه الخصوص؛ فالحجة، والبرهان، والشاهد، والدليل، من الثوابت التي يتحدث بها؛ فيصعب أن ينجرف لخرافات، أو زيف، أو ما يؤدي لتشويه الفكر، أو ما قد يضله الطريق، ويتسبب في تشتيت جهوده، وإضعاف طاقته، وإصابته بالفتور؛ لذا يتوجب أن يتكامل المحتوى الممنهج؛ ليصقل مهارات التفكير، لدى الجيل القابل للاستيعاب والفهم، بواسطة أنشطة تحتاج لاستثمار التقنية الرقمية، في إنجاز ما بها من مهام نوعية؛ ومن ثم يستشعر الفرد أهمية هذا الفضاء، والمقدرة على توظيفه، وقدرته على فرز الغث من الثمين، بمستودعاته الضخمة.
نوقن أن منظومة القيم، لا تختلف من صورة لأخرى؛ فشتى تعاملاتنا في الحياة تحكمها قيمنا، وبالمثل تفاعلاتنا وتعاملاتنا الرقمية، تؤسس على تلكم القيم النبيلة؛ لذا لا تتباين ماهية المواطنة في سياقها الرقمي عن الواقع؛ ومن ثم ينبغي أن تخاطب مناهجنا، وما تتضمنه من استراتيجيات تعليمية هذا الجيل، في إطار منظومتنا القيمية؛ كي لا يستشعر الفرد أن هناك ثمت تباين بين الواقع المعاش والافتراضي؛ فيدرك حينئذ أن ماهية الكذب وآثاره الوخيمة، لا تختلف من البيئة الرقمية عن المعاشة، ويعي أن التنمر الرقمي له سلبيات جمة ،لا تختلف كثيرًا عما نراه في الواقع؛ وبناءً على ذلك يسلك الطريق القويم، في تعامله الإيجابي مع الفضاء المنفتح، بل، لا يتهاون في أن يقدم النصح لغيره، ويتبنى من إجراءات الأمان السيبراني، ما يحافظ به على خصوصيته وعلى حقوق الآخرين.
التربية الرقمية، التي تقوم على الخلق الفضيل، متطلب ومحور رئيس في محتوى مناهجنا التعليمية، لا ينبغي أن نقلل من مستوى ودرجة أهميته؛ فهذا بمثابة سياج نحمي به جيل تلو آخر، ويضمن أن نحرز أهدافنا، ولا نحيد عن المسار القويم، وهنا تبدو ماهية حيوية المحتوى، التي أصفها في صورة الخبرات المتجددة، التي تبعث الأمل والطموح، نحو اللحاق بركاب التطوير؛ لذا ينبغي أن نعيد النظر دومًا فيما نقدمه للمتعلم؛ كي يوقن بأن إعداده، يأخذ صفة العمق، من ناحية تلبية احتياجات الروح، أولًا وتلبية الاحتياجات المعرفية، المتمثلة في كل ما يتوصل إليه العلم من جديد حقائق، ثبتت عبر منهجه الرصين.
ما نشاهده على مواقع التواصل الاجتماعي، متمثلًا في توظيف أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، بصورة غير قويمة، يبعث في نفوسنا القلق، ويجعلنا نفقد الثقة في هذا الفضاء، الذي يزخر بمتلون من السلبيات، التي تتدفق عبر مواقع، تستهدف تشويه بناء الإنسان؛ كي ينجر إلى بحور الإغراء، والغواية، والهرولة تجاه شهوات ونزوات، تفقده ماهية الإنسانية، وتحد من مقدرته على القيام بالرسالة المخول لها، وهنا نوقن أنه لا مناص عن تغذية الوجدان، بقيم وخلق فضيل، تجعله مدركًا لمخاطر تحدق به؛ فيتجنبها، وتبعث في نفسه الأمل، نحو مواصلة التقدم، تجاه دروب العلم وسبله، التي ينهل منها، ما يجعله قادرًا على العطاء، بعد مستويات من الاكتفاء والتقدم.
تعضيد الهوية الوطنية، لدى جيل ألفا، مرتكز رئيس، في خضم محتوى ممنهج، يقوم على أنشطة فاعلة، تؤكد على الأصالة والمعاصرة، وتغرس نتاج التاريخ بما فيه من تراث، يزخر بملاحم وبطولات، سطرت بماء من ذهب، بل تمارس مهارات التفكير، بمختلف تنوعاتها بغرض تحليل محتوى القصص التاريخية، بما يسهم قطعًا في تعزيز الولاء والانتماء، وهذا بالطبع لا يتم بمعزل عن استثمار حرفي للتقنيات، والتطبيقات، والأدوات، الذكية، التي يتفاعل معها الفرد، ويسجل نتاجًا نصفه بالمبدع، من فيض أفكار يستلهما جراء عمق الفهم، بما يؤكد أن الهوية الوطنية لديه، باتت ناضجة في مجملها.
نريد أن تصنع مناهجنا التعليمية، من جيل ألفا، نوابغ، تستطيع أن تحقق انتصارات علمية، تمتلك بها واحات الريادة، وتبلغ مستويات التنافسية، التي تستحقها، وهذا يتحقق عمليًا من خلال تدشين مشروعات هادفة، تسمح للفرد أن يمارس من خلالها شتى مهارات العلم الأساسية منها والتكاملية؛ فيستطيع أن يلاحظ، ويصنف، ويتواصل، ويجري قياسات تتسم بالدقة، ويمارس ماهية الاستنتاج، والاستخلاص، والتنبؤ، ويبرم العلاقات في إطار صحيح، ويستفيد من المعطيات بشكل وظيفي، كما يمكنه حل المعضلات، التي يتعرض لها، بمزيد من مهارات التفكير العليا، التي بواسطتها يصل لقناعات، تقوم على تفسيرات علمية رصينة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
Trending Plus